باتت خطة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكزيت)، عالقةً بين مجلسَي العموم (البرلمان) واللوردات. فبعد فوزها في مواجهة الأول، هزمها الثاني وأعاد مشروعها إلى البرلمان لمناقشته مجدداً، وسط تصاعد التمرد داخل حزبها (المحافظون) في المجلسين. وأقرّ مجلس اللوردات ليل الإثنين تعديلاً صاغه النائب المحافظ دومينيك غريف، بغالبية 354 صوتاً في مقابل 235. وكان بين الموافقين مايكل هزلتاين وكريس باترن وسعيدة وارسي و19 لورداً من حزب «المحافظين»، ثم أحال النصّ على البرلمان الذي يمكن أن يوجّه ضربة لماي، خصوصاً أن نواباً متمردين أعلنوا نيتهم التصويت لمصلحة التعديل. وقال الوزير السابق اللورد هلشام إن «الحكومة تحاول بكل الوسائل تجنّب التصويت على الاتفاق النهائي (مع بروكسيل). أريد أن أتأكد من أن للبرلمان دوراً. يجب عدم إضاعة هذه الفرصة. التعديل صيغ على أساس النصّ الذي وضعه غريف، ويمنح البرلمان حق التصويت على الاتفاق». وتابع مخاطباً زملاءه: «أسألكم أن تؤيّدوا الاتفاق الذي توصل إليه غريف مع الحكومة، فهو رجل مهني، وأؤيّد ما طرحه من دون تحفظ. ما تقدّمه الحكومة لا يحرم البرلمان التصويت على الاتفاق فحسب، بل تسعى إلى جعل هذا التصويت مستحيلاً». وأعلن غريف أن الحكومة تراجعت عن اتفاق توصل إليه مع ماي الأسبوع الماضي، يمنح البرلمان دوراً في مراقبة الاتفاق مع الاتحاد، في مقابل موافقة المتمردين على دعمها في البرلمان، ما أتاح لها الفوز بالتصويت. لكنها لم تفِ تعهدها، بضغط من وزراء، لا سيّما ديفيد ديفيس المكلّف ملف «بريكزيت». وكانت ماي نجحت في إقناع النواب «المحافظين» المؤيّدين للاتحاد بتبنّي خطتها، في مقابل وعدها بأن تكون لهم كلمتهم. وبرّرت لاحقاً تراجعها بأنها استمعت إلى مطالب النواب، لكنها رأت أن البرلمان لا يستطيع أن «يكبّل يدَي الحكومة في المفاوضات، ولا أن يعمل ضد رغبة الشعب البريطاني الذي يريد الخروج من الاتحاد». وعادت لتواجه تمرداً ضخماً داخل حزبها، وتحاول الخروج بنصر في البرلمان، لكي تذهب إلى القمة الأوروبية في 28 الشهر الجاري، متسلّحة بتوافق داخلي. وفي إطار مساعيها إلى إبراز حسنات «بريكزيت»، أعلنت ماي الأحد زيادة سنوية في موازنة هيئة الخدمات الصحية الوطنية، مقدارها 20 بليون جنيه تُموّل جزئياً من مدخرات سيتم توفيرها مع الخروج من الاتحاد. لكن معارضين اعتبروا أن هذا التمويل يستند إلى «تمنيات». وتصبّ هذه التصريحات في مصلحة المحافظين المؤيّدين لانفصال واضح عن الاتحاد، إذ كانت أبرز حججهم خلال الاستفتاء الذي نُظم عام 2016 حول «بريكزيت»، أن تتيح أموال ستُدخر بعد «الطلاق»، تسوية أزمة نقص في التمويل تعاني منها الهيئة الصحية. كما تواصل ماي معركتها داخل «البيت الواحد»، إذ تواجه صعوبات في رصّ صفوف «المحافظين»، نتيجة تحديات من وزير الخارجية بوريس جونسون، المؤيّد لـ «بريكزت». إذ سُرّب أخيراً قوله إن لندن تفتقر إلى «الجرأة» في مفاوضاتها مع بروكسيل التي اعتبرها «عدواً» تجب «محاربته». ولا تزال مسألة الحدود مع إرلندا بعيدة من أي تسوية، إذ لم تقتنع بروكسيل باقتراحات قدّمتها لندن أخيراً. كما يختلف الجانبان حول مشروع «غاليليو الأوروبي»، الذي سيتيح للاتحاد تطوير برنامج ملاحي عبر الأقمار الاصطناعية.
مشاركة :