مطالب «الأقدام السوداء» بممتلكاتهم في الجزائر، بعد أكثر من نصف قرن على استقلال الجزائر ورحيل المستعمر الفرنسي، وتحويل تلك المطالب إلى القضاء، فجرت خلافا بين الجزائر وباريس، مع رفض الجزائرهذه الدعاوى القضائية، إذ يعتبر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة استرجاع السلطات الجزائرية هذه الممتلكات «أمراً شرعياً»، كما نصت اتفاقيات «إيفيان» لإنهاء الاحتلال الفرنسي في الجزائر، والموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة ونظيرتها الفرنسية في 18 مارس / آذار 1962 على اختيار الأقدام السوداء خلال 3 سنوات بين نيل الجنسية الجزائرية أو الاحتفاظ بالفرنسية واعتبارهم أجانب، وكان قادة «جبهة التحرير الوطني» الجزائرية، يرفضون الجنسية المزدوجة للأقدام السوداء. وحاول بعض «الأقدام السوداء» الحصول على تعويضات من الحكومة الجزائرية، لكن السلطات الجزائرية رفضت ذلك بدعوى أنها لم تطردهم وأن رحيلهم كان طوعياً. كما أن لجوءهم إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان جاء سلبياً لقبول اللجنة بردود الحكومة الجزائرية. و«الأقدام السوداء» هم آلاف الفرنسيين الذين غادروا الجزائر بعد استفتاء تـــقرير المصير الذي أجري في 3 يوليو/ تمـوز 1962، والذي استعادت الجزائر بموجبه سيادتها بعد ثورة ونضال «المليون شهيد»، كما يعرف أن «الأقدام السوداء» هم المدنيون الفرنسيون الذين استوطنوا الجزائر بين 1830 و1962.. وتنتمي للأقدام السوداء أسماء بارزة مثل الكاتب الشهير ألبير كامو، والمغني أنريكو ماسياس، وإيف سان لوران مصمم الأزياء الشهير، والفيلسوف جاك دريدا، وغيرهم. وسبق أن عوّضت الحكومة الفرنسية مَن فقدوا أملاكهم على دفعتين، عندما غادر معظمهم البلاد يوم استقلال الجزائر، ثم عند صدور مرسوم تأميم الأراضي الزراعية في 20 مارس/ آذار 1963، خصوصاً «المهجورة» منها. وصدرت لاحقاً ثلاثة قوانين لتعويضهم في عهد الرؤساء جورج بومبيدو (1970)، وفاليري جيسكار ديستان (1974)، وفرنسوا ميتيران (1987). كذلك أصدر الرئيس الجزائري أحمد بن بلة في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1963 مرسوماً خاصاً بتأميم آخر ممتلكات المستعمرين. وسبق لمدير أملاك الدولة في الجزائر، محمد حيمور، أن قدّر عدد ممتلكات «الأقدام السوداء» بنحو 180 ألف عقار، متسائلاً: «ماذا يريد هؤلاء؟ هل نطرد الجزائريين الذين يسكنون هذه المنازل ويدفعون الضرائب منذ 40 سنة لنعيد منحهم إياها؟ وإن كانوا يملكون أدلة بأن هذه العقارات من حقهم فليتقدموا بها، فالدولة عندنا لا تظلم أحداً».. وقال: إن الكثير من الأقدام السوداء لجأت إلى القضاء لاسترجاع ما تسميه بـ «حقها في السكنات والعقارات»، إلا أن المحاكم فصلت في مجمل هذه القضايا لمصلحتنا، وأن عدداً كبيراً منها حُكم فيها بعدم التأسيس، ولا أعرف كيف يغادرون الجزائر من دون إبلاغ السلطات، أو الإشعار بالشغور، ويتركون السكنات فارغة، ثم يعودون ليقولوا أنهم يرغبون في استرجاع «حقوقهم». ويرى سياسيون واقتصايون في الجزائر، أن ما سهل مطالبة الأقدام السوداء بممتلكاتهم السابقة في سنوات المستعمر الفرنسي، هو عدم تسجيل هذه الممتلكات باسم مالكيها الجزائريين من بعض الإدارات في مختلف الولايات، على رغم أن القانون كان يلزمهم بنقل الملكية بعد ترك هذه المنازل من الفرنسيين عقب الاستقلال، فالـــعاصــــمة الجزائر لوحدها يوجد بها نحو 6 آلاف منزل كان يقطنها الأقــــدام السوداء، وقد يصبح محل خلاف، وهذا الوضع هو ما دفع الأقدام السوداء إلى تشكيل جمعية بالتعاون مع أطراف داخلية، مستغلين عدم تقييد هذه الممتلكات. لكن الرابطة الــــجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لا تحصر القضــية في مجرد خلاف بين الجزائر والمستعمر القديم. والسلطات الجزائرية تتجنب إعطاء رأيها في ملف «الأقدام السود» بسبب حساسيته داخل منظمات ثورية وجمعيات أبناء المجاهدين والشهداء، لكنها لا تمنع في الوقت ذاته زيارة الأشخاص المعنيين بهذه التسمية الجزائر، وبعضهم يحتلون في فرنسا مناصب عليا، واحرزوا نجاحات كبيرة على الصعيد الاقتصادي والثقافي والسياسي، بحيث اندمجوا في المجتمع الفرنسي وانقلبوا إلى «لوبي قوي» يتحسب له في كل موعد انتخابي. حيث أنشأت جماعات اليمين المتطرف في فرنسا ما سمته «الاتحاد من أجل الدفاع عن حقوق الفرنسيين المطرودين من الجزائر ومن بلدان أخرى».
مشاركة :