لا أقول وداعا يا بحرين.. بل «إلى اللقاء»

  • 6/21/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

عشت ربع عمري على هذه الأرض الطيبة.. والآن حان وقت الفراق، ولا أحب أن أقول وداعا يا بحرين بل أقول إلى اللقاء. نحن لا نختار أقدارنا، آباءنا وأمهاتنا ولا أوطاننا، لكننا نعشق هذه الأقدار، وسعيد من كان له وطن يحبه ويشتاق إليه في الغربة، ولكن الأسعد منه من يجد في غربته وطنا آخر.. يؤنسه وينهل منه دفئا وحنانا. عندما فارقت مصر شعرت بأن روحي انتزعت مني في رحلة البحث عن الرزق والأمان، لكنني اكتشفت بعد هذه السنين أنني كنت محظوظا لأنني اغتربت في بلد يحنو على الغريب ويظله بظله ويرفق به كما لو كان ابنا له، فشعرت في الغربة أنني فزت بوطن آخر .. ما أجمل البحرين وطنا. سأعود إلى بلدي مصر بعد 15 عاما قضيتها في البحرين، وفي قلبي حب كبير لهذا البلد الطيب، وهذه الوجوه التي انطبعت ملامحها على جدران قلبي، سأذكر دائما أنني مشيت على أرضها وامتلأت رئتاي بهوائها العليل.. صادقت وأحببت أهلها ونهلت من خيرها.. وعشت سنوات طوال في أرض الخلود. عندما أعود إلى وطني بعد سنوات الفراق والحنين، أعرف أن هناك من سيسألني كيف كانت أعوام اغترابك، وأعرف أنني سأرد قائلا إنني شعرت بفراق الوطن والأهل لكني لم أشعر بالغربة يوما وأقسم بذلك.. رحت وجئت وعشت وعملت وربحت وأنا أشعر أن لي وطنا ثانيا ليس فيه غرباء.. قد تختلف الألسنة ومذاقات الطعام لكن الغربة ليس لها مكان في وطن تشم فيه عطر أمك ودفئها وأمان أبيك. يتساءل المغتربون في رحلة البحث عن الرزق: هل أصبحت مشاعر الفراق قدرنا؟ هل لا بد من لحظة وداع.. هل لا بد من أن يأتي يوم نودع فيه الأصدقاء لنعود إلى الأهل والأقرباء... ولكنهم يكتشفون فجأة أنهم يعشقون الرفاق والأصدقاء الذين أصبحت لهم نفس محبة الأهل.. فأنت لا تختار أهلك في وطنك، بينما تمنحك سنوات الاغتراب أهلا ينبض لهم قلبك وتستدفئ بهم روحك ويستأنس بهم عقلك. * * * اعترف أنني لم أفكر في السفر بعيدا عن وطني، وأن اغترابي جاء بالمصادفة، واعترف أنني كنت أستغرب أن يصف شخصا بلدا آخر بأنها وطن آخر له، كيف يمكن أن ترى دفئا يساوي ما تشعر به في أحضان أمك وهي وطنك الأول. لكنني أدركت أن أعظم مفاهيمك ومشاعرك تلك التي تتعلمها بعد الفطام، عندما تتركك أمك لتذهب إلى مدرستك وتلهو مع الرفاق فترى فيهم من يحبك ومن يبغضك، من يحميك ويفتديك ومن يسعى لإيذائك ويسعده أن تضار في مشاعرك أو حتى في أي شيء... وتبقى أمك بعد الفطام تراقبك وأنت تتلقى ضربات القدر، فتحنو عليك وتربت على كتفك وهي واثقة أن هذه الضربات ستقويك في رحلة الحياة، واغترابك عن الوطن هو لحظة الفراق أو لحظة الفطام الحقيقية. * * * أجمل كلمات العشق ربما تنطق بها في لحظات تشعر فيها أن الفراق صار أمرا محتوما، أعلم أن قدرنا أن نفترق، لكن لك في القلب مكان لن يملأه غيرك. قبل أن أرحل يسعدني أن أقول إنني عثرت على جزء من نفسي هنا، عملت بلا كلل وربما أكون نجحت .. صادقت أناسا حفروا محبتهم على جدران قلبي، ولن أنساهم طالما كان في صدري قلب نابض.. لن أنسى الأب الروحي لكل العاملين في أخبار الخليج الأستاذ أنور عبدالرحمن .. ولا مواقفه الإنسانية التي تفوق توقعاتك، وخاصة عندما يحدثك كأب وأحيانا كصديق وليس كمدير عام ورئيس للتحرير، ولن أنسى المايسترو الأستاذ لطفي نصر الذي لم أجد كلمات تصفه سوى أنه الوحيد الذي يستطيع أن يهزم قانون الجاذبية، إن لديه طاقة هائلة للتحدي تثير الإعجاب وتلهمك بأن تبذل الكثير والكثير وأنت صامت. هناك قائمة طويلة من الأسماء أتذكرها بكل العرفان، على رأسها الشيخ دعيج بن خليفة آل خليفة وكيل وزارة الداخلية الأسبق ومكالمته التي قدمت موعد توقيع عقدي في أخبار الخليج، كما لا أستطيع أن أنسى مواقف الدكتور علي بن فضل البوعينين النائب العام الذي فتح لي الأبواب في بداية عملي في أخبار الخليج، فمنحني مفتاحا ذهبيا للنجاح. قائمة الأسماء تطول بمن التقيتهم وتركوا بصمتهم على عقلي أو داخل قلبي، ولن أنساهم ما حييت والقائمة تضم ضباطا يسهرون على أمن البحرين وقضاة ورجالا في النيابة العامة ونجوما في عالم المحاماة.. كل هؤلاء لن أنساهم.. ولن أقول لهم وداعا.. بل سأقول إلى اللقاء.

مشاركة :