[مطلع الأسبوع: في مقعد القيادة] صباح العاشر من شوال سيتوقف العد التنازلي لساعة الصفر، وستنطلق المرأة في يوم طال انتظاره إلى الطريق العام، وهي تجلس خلف مقود سيارتها في المقعد الأمامي. ذاك يوم تاريخي سيضع المملكة العربية السعودية في بؤرة الحدث الذي سيشهده العالم ويسجل وقائعه، فالكل ظل يترقب هذا اليوم الذي تتزحزح فيه قناعة كانت راسخة رسوخ الجبال، وتذوب فيه مقاومة ظلت صامدة في وجه كل المطالبات والصعوبات. كثير من النساء المقيمات سوف يخرجن في سياراتهن الخاصة، ولكن القضية تبقى سعودية على وجه الخصوص، فالسعوديات هن من بُحّت أصواتهن وجفّت أقلامهن وهن يشرحن معاناتهن مع صعوبة التنقل وقيود التحرك المستقل داخل البلاد الشاسعة، وهن اللواتي كن يعرفن جيدًا أن جذور الممانعة كانت كامنة في قلب المجتمع بدواعي الخوف أو الحب أو انعدام الثقة، أو حتى بدواعي سد الذرائع، وهن اللواتي يدركن أن القيادة ليست حرامًا ولا عيبًا، فقط هو التابو الذي تجسّم وتحجّر على مدى سنوات من التحفظ والتردد. لكن الأمر ازداد صعوبة حتى ما عاد محتملًا، المدن اتسعت رقعتها وتباعدت مسافاتها، والازدحام جعل ارتباط الرجال بمشاوير النساء والأطفال شبه مستحيل، وتكلفة استقدام السائقين وتعقيد الإجراءات، والتكفل بمصاريف معيشتهم أصبحت مرهقة. ولم تكن هناك مواصلات عامة منتظمة تلجأ إليها المرأة حين تتأزم أمور تنقلها، فكانت تلجأ إلى التوسل والاستعطاف. يوم الأحد المشهود، ستخرج المرأة في السعودية إلى الطريق العام وهي لا تقترف منكرًا ولا تجترح سيئة، بل تتوكل على الله، وتقود سيارتها بكرامتها، تحفها رعاية مجتمعها وأهلها، وتحميها القوانين الصارمة التي سنتها حكومتها الرشيدة ضد التحرش والمخالفات المرورية. كان سؤال سوء النية الشائع أيام الممانعة هو إلى أين ستذهب المرأة بسيارتها؟ يوم الأحد ستذهب المرأة إلى كل مكان كانت تذهب إليه برفقة سائقيها، فالمرأة، رغم صعوبة تنقلها، لم تكن يومًا حبيسة الدار، بل كانت حاضرة في كل مكان تريد، وهكذا ستكون. ستذهب إلى جامعتها أو إلى عملها، وستأخذ أطفالها إلى مدارسهم وهي مطمئنة البال، وستتسوق وتزور أهلها وأصدقائها، وستتجول في كل الأماكن التي تعودت الذهاب إليها، أو تلك التي ستكتشفها. ليوم الأحد فرحة عظيمة، ليس بفعل القيادة في حد ذاته، بل لأن الممنوع أصبح ممكنًا، ولأن الحرمان من ممارسة حق طبيعي قد انتهى. كثير من النساء السعوديات قد امتلكن سيارات في الخارج وقدن سياراتهن منذ زمن بعيد، أي لا جديد في الفعل. كما أن كثيرًا منهن سيخترن عدم القيادة إما لأنهن يفضلن وجود السائق، أو لأنهن لا زلن يرفضن المبدأ، أو لأن ظروفهن العائلية مازالت غير مواتية. وهذا هو المُفرح والمُثير في المسألة: حرية الاختيار وتحمل مسؤولية اتخاذ القرار المناسب. يشكل السماح للمرأة بقيادة السيارة شهادة لها بأنها مواطنة راشدة، وبأنها إنسانة ناضجة في عين مجتمعها، وهي قد آنست في نفسها الكفاءة والقدرة على القيام بأمورها على أكمل وجه منذ عشرات السنين. الفرحة ليست بسيارة تسير ولا بمقود يدور، بل هي بثقة المرأة في ذاتها واعتمادها على نفسها، هو انتقالها من المقعد الخلفي التابع لمن ينقلها، إلى المقعد الأمامي حيث تجلس وحدها لتدير دفة تحديد الاتجاهات، ولتقرر وحدها كيف، وأين، ومتى ستتحرك. كان المشوار طويلًا وضاغطًا، وهذا ما يضيف إلى يوم الأحد المقبل أضعافًا مضاعفة من السعادة، فما أحلى بلوغ المنال بعد الصبر والتحمل. صدق من قال إن «كل شيء حلو في وقته»، وقيادة المرأة للسيارة في السعودية لم تكن لتكون بهذه الحلاوة لو لم تحصل بهذه السلاسة، في هذا الوقت المختلف بانفتاحاته وتطلعاته، بلا صراع، ولا غضب، ولا غوغائية.
مشاركة :