تونس - أثار إعلان رئيس الحكومة اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي في التوجيه الجامعي للناجحين في امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة) جدلا كبيرا في تونس، خاصة بشأن تخصيص نسبة 8 بالمئة بالجامعات التي لا تقبل سوى الطلبة المتميزين لفائدة المناطق الداخلية. وفيما أشاد جزء هام من الشارع التونسي بالقرارات الحكومية الجديدة لدعم قطاع التعليم العالي، انتقد البعض الآخر هذه الإجراءات واعتبروا أن من شأنها الإضرار بجودة التعليم في الجامعات وتدريب طلبة بمستوى متواضع في حال تمّ قبول غير المتميزين. وقال الاتحاد العام لطلبة تونس، في بيان أصدره الأربعاء، إن القرار “يعدّ محاولة واضحة لضرب الكفاءة ومصداقية الشهادات العلمية والإنقاص من قيمة البعض من الشعب (الاختصاصات) وبالتالي المزيد من تخريب الجامعة التونسية عموما”. وكشف رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، الثلاثاء، عن قرار تمكين المتفوقين في امتحان الباكالوريا لهذا العام من أبناء الجهات الداخلية من فرص الدراسة في الاختصاصات التي وصفها بـ”الشعب النبيلة” من خلال تخصيص نسبة 8 بالمئة لفائدتهم. وأثار استعمال الشاهد لمصطلح “الشعب النبيلة” استياء العديد من التونسيين خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا إنه لا يجوز تفضيل رئيس الحكومة لاختصاصات جامعية دون غيرها في إشارة إلى دراسات الطب والهندسة والصيدلة. وأكد الشاهد أن هذا القرار يأتي في سياق تطبيق الحكومة لمبدأ التمييز الإيجابي في التوجيه الجامعي بين جميع التونسيين وأبنائهم انطلاقا من العام الجامعي القادم الذي ينطلق في شهر سبتمبر القادم. وسيتم تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي في حوالي 30 اختصاصا جامعيا تتوزع على 30 مؤسسة جامعية تقريبا. وهذه الجامعات هي كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان وكليات الهندسة، بما فيها المعاهد العليا للدراسات التحضيرية ومدارس الهندسة المندمجة، إلى جانب كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية والحقوق والعلوم التجارية والعلوم السياسية. كما ستعتمد وزارة التعليم العالي آلية جديدة لتوجيه أصحاب المواهب والمهارات الاستثنائية بهدف تيسير شروط التوجيه الجامعي للبعض من الاختصاصات من بينها التكنولوجيات الحديثة والفنون. وقالت مصادر من وزارة التعليم العالي، لـ”العرب”، إن الفريق الحكومي الذي أعد خطة العمل بمبدأ التمييز الإيجابي في التوجيه الجامعي أخذ في اعتباره عند تعديل شروط التوجيه الجامعي للمؤسسات التي شملتها الإجراءات الاستثنائية ظروف العائلات في المناطق الداخلية المهمشة والتي في الكثير من الأحيان تؤثر إمكانياتها المتواضعة على المستوى الدراسي لأبنائهم. في المقابل يرى الفريق الحكومي أن أبناء العائلات التي تقيم في العاصمة أو في المدن الكبرى تتوفر لهم إمكانيات أفضل باعتبار أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وهو ما يلعب دورا أساسيا في نتائج التلاميذ الدراسية خاصة في امتحان الباكالوريا. وتؤكد اللجنة التي أعدت إجراءات تنفيذ التمييز الايجابي بين الطلبة أن مستوى التلاميذ المتميزين في المناطق الداخلية الفقيرة أفضل من مستوى زملائهم في مناطق أخرى. من جهة أخرى تشدد مصادر “العرب” على أن طريقة احتساب مجموع النقاط خلال التوجيه الجامعي في الكثير من الأحيان لا تكون في صالح أبناء المناطق الداخلية، باعتبار بعد المسافة بين مدن إقامتهم ومقر الجامعة التي يرغبون في الدراسة بها. في المقابل تكون لأبناء المدن القريبة من المؤسسة الجامعية الأفضلية في التوجيه الجامعي من خلال نقاط المكافأة التي يوفرها له إجراء “التنفيل الجغرافي” والذي يعني قرب سكن الطالب من الجامعة. وكان رئيس الحكومة قد أعلن عن خطة لتركيز مبدأ التمييز الإيجابي في مجال التعليم العالي في تونس خلال خطاب ألقاه أمام مجلس نواب الشعب في مارس الماضي. وكانت القرارات الجديدة التي تم إفراد منظومة التوجيه الجامعي بها محور اجتماع وزاري مضيق ترأسه يوسف الشاهد وانتظم بمقر رئاسة الحكومة التونسية، الاثنين الماضي. كما شملت بقية الإجراءات والقرارات لفائدة الناجحين الجدد في امتحان الباكالوريا والذين يستعدون لدخول الجامعة، التي سيبدأ تنفيذها منذ السنة الجامعية القادمة، تحسين الخدمات الجامعية. ومن بين هذه الإجراءات رفع طاقة الإيواء في المبيتات الجامعية بـ1500 سرير جديد، إلى جانب زيادة طاقة الإطعام بحوالي 15000 وجبة يومية إضافية من خلال فتح مطاعم جديدة أو إعادة فتح مطاعم قديمة بالعديد من الجامعات في مختلف مناطق البلاد. وتتمسك الحكومة بخيار مواصلة تحسين جودة الخدمات من خلال دعم وتعميم اعتماد المنظومة الإلكترونية (البطاقة الذكية) في 10 مطاعم إضافية. كما يتجسد هذا الخيار عبر فتح 13 ملعب رياضي معشب جديد ودعم الأنشطة الثقافية. ويستعد الشاهد لإصدار أمر حكومي جديد لتنظيم ودعم التعليم المستمر في الجامعات بهدف تطوير المعارف والمهارات والكفاءات وتعزيز الطاقة التشغيلية لخريجي الجامعات. وتتعلق القرارات الحكومية الجديدة أيضا بالطلبة الأجانب الذين يرغبون في الدراسة في تونس، إذ تم الإعلان عن إحداث وكالة رسمية خاصة بالإعلام والخدمات الموجهة للطلبة الأجانب مما يعزز استقطاب الجامعات التونسية لهؤلاء الطلبة. وتساعد هذه الوكالة الأجانب الذين يدرسون في الجامعات التونسية على تحسين ظروف اندماجهم وتطوير خدمات التسويق والاتصال لمؤسسات التعليم العالي التونسية خارج البلاد. وتضمنت القرارات الصادرة عن المجلس الوزاري أيضا تطوير المنظومة المعلوماتية وتحسين جودة الإنترنت بالجامعات التونسية.
مشاركة :