ديمرطاش يحول حياة أردوغان إلى كابوس

  • 6/22/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

دعنا من استطلاعات الرأي وما تقوله لنا، ولننظر إلى الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه. مما لا يقبل الشك أن أردوغان يشعر الآن وهو في قصره الرئاسي، بذعر حقيقي من صلاح الدين ديمرطاش وحزب الشعوب الديمقراطي؛ لأن هناك فارقا كبيرا بين أن يحصل حزب الشعب الجمهوري على 30 بالمئة وحزب الشعوب الديمقراطي على 9.9 بالمئة، وأن يحصد حزب الشعب الجمهوري 25 بالمئة، وحزب الشعوب الديمقراطي على 13-14 بالمئة من الأصوات. من هنا يمكن القول إن نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي هي التي ستحدد مصير أردوغان. في هذه المرة ضُبِط أردوغان متلبّسا؛ فقد سُجِّل له بشكل سري، مقطع فيديو أثناء إلقائه كلمة في مقر حزب العدالة والتنمية، حيث أعطى أردوغان في هذا الاجتماع، كما هو ظاهر من الفيديو الذي جرى تسريبه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، عددا من التعليمات، التي كانت تصب جميعها في اتجاه ضرورة السعي إلى منع حزب الشعوب الديمقراطي من الحصول على نسبة الأصوات المطلوبة في الانتخابات. لا يجب أن ننسى أننا نعيش في ظل حالة طوارئ؛ أي أن قانون الانتخابات تم تعديله ليوافق أهواء القصر الرئاسي، وأنهم سيقومون تذرّعا بحالة الطوارئ أيضا، بحمل صناديق الاقتراع؛ في الوقت الذي يقبع فيه جزء مهم من كوادر حزب الشعوب الديمقراطي في السجون؛ سواء لقضاء فترة عقوبة، أو لأنهم رهن الاحتجاز، مما لا ينبئ بإجراء انتخابات نزيهة، خاصة وأن وسائل الإعلام أوصدت أبوابها تماما في وجه المعارضة، وفي وجه حزب الشعوب الديمقراطي. مرة أخرى يرتقي حزب الشعوب الديمقراطي، ويرتفع معه صلاح الدين ديمرطاش. صار المواطن العادي في الشارع يدرك، تمام الإدراك، أن أردوغان ومن خلفه حزب العدالة والتنمية، هما العقبة الكأداء أمام السلام، وليس ديمرطاش أو حزب الشعوب الديمقراطي. ورسخ في الأذهان أن سياسة “فَرِّق تسد” التي يتبعها أردوغان لم تعد ذات جدوى. طلب أردوغان من هيئة الحزب العمل بقوة للحيلولة دون بلوغ حزب الشعوب الديمقراطي النسبة المطلوبة في الانتخابات. نفهم من هذا أن أداء حزب الشعوب الديمقراطي صار يقض مضجع أردوغان، ويثير له الكثير من المخاوف. نفهم من ذلك أيضا أن استطلاعات الرأي، التي راحت صحافة الحزب الحاكم تتغنى بها، قد جرى تحريفها لصالح مرشح الحزب الحاكم. يدرك المتابع لمسيرة الأحداث أن الشريحة الصامتة في المجتمع بدأت تخرج عن صمتها هي الأخرى. وقد تابعتُ هـذا الأمر عن كثب عام 2002، ورأيت كيف أدار حزب العدالة والتنمية الانتخابات وكيف كسب تعاطف المواطنين. لقد أصبح أردوغان، وحزب العدالة والتنمية وجهين لعملة واحدة؛ فلا نكاد نذكر الفساد، وانحرافات القضاء والقمع والظلم إلا وتتجسّد أمام الشعب صورتاهما معا. ما نراه اليوم هو تعبير حقيقي عن القوة المجردة للدولة، والقومية غير الناضجة، والدعم اللامحدود من الإعلام للسلطة الحاكمة، الأمر الذي يجعل فرص التنافس غير متكافئة على الإطلاق. ومع هذا لم تقتصر مخاوف أردوغان على المدن التي يسكنها الأكراد فحسب، بل تعدتها إلى بعض المدن الأخرى في شرق تركيا وغربها كذلك. يقول في هذا رجال الفكر في المنطقة إن حالتي الفقر وارتفاع نسبة البطالة في مناطق الأكراد قد تفاقمتا بشكل فاق أهمية القضية الكردية ذاتها. ثقوا تماما أن سكان الغرب يعيشون المعاناة نفسها، لا شيء يشغل الناخب في هذه المناطق سوى الحالة الاقتصادية. صار واضحا مدى خطورة هذه المرحلة، التي أوصل تركيا إليها، بما لديه من إمكانيات هائلة، بعيدا عن الإشراف القضائي. وهذا يعني أنه لا أمل لتغيير مفردات هذه الصورة القاتمة إذا فاز في الانتخابات. يعني هذا أن استمرار أردوغان، ومن خلفه حزب العدالة والتنمية، في الحكم هو في الواقع استمرار للفساد والفقر والبطالة وتقييد القضاء. يعني هذا أيضا أن الشعب سيصل إلى حالة لن يستطيع معها شراء السميط؛ في وقت يحتسي فيه سكان القصر الرئاسي أنواعا من الشاي تصل كلفة الكيلو الواحد منها 4500 ليرة. لن نتمكن من التصدي لهذا كله إلا ببلوغ حزب الشعوب الديمقراطي عتبة الأصوات المطلوبة في الانتخابات. يدرك الناخب التركي جيّدا القيمة الاستراتيجية لصوته في الانتخابات؛ من أجل ذلك فهو يستعد لإفساد لعبة القصر الرئاسي بمنح صوته في انتخابات الرئاسة إلى محرم إينجه، ولحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات النيابية. الواضح أمامنا الآن أن نسبة انتقال محرم إينجه إلى الجولة الثانية للانتخابات آخذة في التزايد مع كل يوم يمر. كما أن أداء صلاح الدين ديمرطاش، وميرال أكشينار، وتمل كرم الله أوغلو واستعداداتهم صارت تُضعف من أردوغان بشكل كبير. من أجل هذا يعيش أردوغان في هذه الأيام حالة من الذعر؛ لهذا فهو يلجأ إلى الكذب والمناورة كثيرا، فنجده يقول عن ديمرطاش “لا بد من توافر الشروط اللازمة للترشح لرئاسة الجمهورية. أعتقد أن هذا تطور سيء، يتعيّن علينا تدبّر هذا الأمر. لم يكن مجرد سجين، كان معتقلا. وسبب اعتقاله مهم للغاية”. لم يكتفِ بهذا، بل أخذ ينادي بضرورة عرقلة ترشُّح ديمرطاش. أرى أن هذه الكلمات إنما تنم عن إفلاس تام. رأينا في المقطع الصوتي أردوغان، وهو يوجه تعليمات مباشرة إلى اللجنة العليا للانتخابات، ويقول لهم “امنعوا ترشح ديمرطاش”. والحقيقة أن كل شيء مباح في ظل نظام قضائي مثل الموجود الآن في تركيا. وعلى الرغم من هذا كله، فقد غابت عن أردوغان حقيقة مهمة للغاية؛ لو أنهم أبطلوا ترشح ديمرطاش للانتخابات الرئاسية، فسيعطي الأكراد أصواتهم إلى محرم إينجه. ظهر هذا جليا في الاجتماعات الجماهيرية التي عقدت في ديار بكر. أعتقد أن عرقلة ترشح ديمرطاش ستجعل الناخبين الأكراد أكثر حسما لأمرهم من أي وقت مضى.

مشاركة :