مع تواصل فعاليات مونديال روسيا 2018 انقسم المثقفون العرب والعالميون بين متابع لمباريات كأس العالم لكرة القدم ومحبّ لها، وبين من يعتبرها بعيدة عن اهتمامات الكاتب والمثقف وأنها مجرّد لعبة، وهنا في هذا التحقيق نبيّن انطلاقا من كتاب أشرف عبدالشافي “المثقفون وكرة القدم” آراء المثقفين حول هذه اللعبة، حيث أن الكثير منهم ليسوا محبين لها فقط، بل هم لاعبون أيضا. شبه صلاح جاهين قلبه بكرة قدم تتقاذفها الأنواء وجاعلا من الحياة مباراة للكرة، وقبله وصفها جان بول سارتر قائلا “كرة القدم هي مجاز يعبر عن الحياة كلها” أما الشاعر والمخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني، فوازن بينها وبين أشكال الإبداع الأدبي، فرأى أن كرة القدم كما يمارسها الأوروبيون هي لعبة جماعية تشبه الرواية بينما الكرة في أميركا اللاتينية مفرطة في فرديتها، لذا رآها أقرب إلى الشعر. وغيرهما كثيرون اهتموا بالكرة ومارسوها وكتبوا عنها، ما يثبت زيف الصورة الذهنية التي تكرسها الأعمال الدرامية للكاتب والمثقف القابع بين جدران حجرته يقرأ ويدخن غليونه، بينما ينظر إلى الناس بتعال فيرى ما يعجبهم تفاهات يجب أن يترفع عنها. الكتّاب لاعبون الكاتب أشرف عبدالشافي في كتابه “المثقفون وكرة القدم” يرى أن الكلام عن كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم عنها أكذوبة، حتى وإن شارك بعضهم توفيق الحكيم رأيه في أن لاعبي كرة القدم عقولهم في أرجلهم، كما أن قطاعا غير قليل من المثقفين يتعاملون مع كرة القدم على أن الهوس بها يعكس عدم وعي الأغلبية، لكن القطاع الأكبر يخالفهم، فحياة المبدعين، كما يقول في كتابه، تمتلئ بقصص عن عشق المبدعين للساحرة المستديرة وتمتعهم بها لعبا ومشاهدة، فكرة القدم هوس عالمي يرصد الكتاب مظاهره بين مبدعي العالم من نجيب محفوظ إلى كامو وعدد من حائزي جائزة نوبل في الآداب، ولم يكن الأمر عندهم مقصورا على التشجيع فقط، بل إن بعضهم مارس اللعبة، ويذكر أن نجيب محفوظ كان يلعب في مركز الجناح الأيسر، وكان هداف الفريق. أما الروائي فلاديمير نابوكوف فكان حارسا للمرمى، مثل الشاعر الروسي إيفتشينكو، الذي كان يرى أن هناك شيئا مشتركا بين كرة القدم والشعر، كذلك الروائي ألبير كامو الذي حرس مرمى فريق كرة القدم بجامعة وهران في الجزائر عام 1930 وحكى عن حراسة المرمى وكيف علمته التأمل، فهي تحتاج تركيزا وسرعة بديهة، إذ لا تأتي الكرة دائما من المكان الذي نتوقعه، وعلينا بذلك أن نتوقع الغدر، ولا نطمئن كثيرا لحسن النوايا. وكما يقول عبدالشافي في كتابه “كاد ألبير كامو أن يصبح واحدا من أهم حراس المرمى في العالم، لكن الفقر الذي كابده في طفولته وصباه بالجزائر، أثناء فترة الاحتلال الفرنسي لها جعل الأمراض تعرف طريقها إليه مبكرا، إذ أصيب خلال دراسته الجامعية بمرض السل، فانقطع عن الرياضة وكرة القدم مرغما”. الكلام عن كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم عنها أكذوبة، حتى وإن ادعى بعضهم بأن عقول لاعبي الكرة في أرجلهم كذلك لعب القاص إبراهيم أصلان في مركز حارس المرمى وكان يشجع نادي الزمالك مثل نجيب محفوظ وخيري شلبي الذي وصف كرة القدم بأنها سمفونية الفقراء، وخصص فصلا فى كتابه “صحبة العشاق… رواد الكلمة والنغم” لرسم بورتريه للكابتن محمد لطيف، أو “فاكهة الكرة المصرية” كما وصفه. الروائي إبراهيم عبدالمجيد يتفق مع ما جاء في كتاب أشرف عبدالشافي ويقول “غير صحيح القول إن المثقفين يكرهون كرة القدم، فمن أعرفهم من المثقفين يتابعونها وباهتمام، والبعض منهم لعبها، أنا شخصيا كنت أمارسها وكنت ألعب ‘كرة شراب‘ وما زلت أتابع مباريات الاتحاد الإسكندري ولا أعرف كيف يقول مثقف ‘أنا أكره كرة القدم’؟ والشيء الأهم من ذلك أنه يتعالى على الجمهور وهذا انفصال عن المجتمع، فالكرة ليست مجرد لعبة”. حروب معاصرة يشير الناقد والأكاديمي حسام عقل إلى وصف تي.أس. إليوت للكرة بأنها “عنصر أساسي للحياة المعاصرة”. فعناصر اللعبة هي نفسها عناصر الصراع الدرامي. ربما لذلك لم يحبها بول أوستر، الذي رأى في مبارياتها حروبا معاصرة فهو القائل “البلدان تخوض حروبها اليوم في ملاعب كرة القدم، بجنود يرتدون الشورتات، وإذ يفترض أنها لعبة تستهدف التسلية غير أن الذاكرة الخفية لصراعات الماضي تخيم على كل مباراة، وكلما أحرز لاعب هدفا تتردد أصداء الانتصارات القديمة”. ربما لذلك غابت عن أجواء رواياته مفسحة المجال للعبة البيسبول التي تجدها في أغلب روايات أوستر، بينما في روايات إرنست همينغواي نجد كل أنواع الرياضة ففي روايته الأولى “والشمس تشرق أيضا” نجد رياضتي الملاكمة ومصارعة الثيران، أما رياضة صيد الأسماك فكانت موضوع روايته الفاتنة “العجوز والبحر”. وفي “عبر النهر ونحو الأشجار” يمارس الكهل رياضة الرماية وصيد البط، وهي رياضة تناسب شخصية الكهل في الكتاب. تحقيق يكشف آراء المثقفين حول لعبة كرة القدمتحقيق يكشف آراء المثقفين حول لعبة كرة القدم وعربيا كان محمود درويش محبا لكرة القدم وكان يراها أشرف الحروب، وكتب قصيدة عن مارادونا عقب فوز الأرجنتين بكأس العالم، وتساءل “لماذا لا تكون كرة القدم موضوعا للفنّ والأدب؟”. وكان درويش يرى في زين الدين زيدان أعظم لاعب كرة قدم في العالم خلال ذلك الوقت، وكان يستغرب لماذا لم تستفد منه الجزائر قبل أن يلعب بالقميص الفرنسي. يرى الروائي وحيد الطويلة أن الرواية وكرة القدم تستهدفان المتعة، وبينهما بناء مشترك وخطة وتوزيع للأدوار. الرواية الحديثة أخذت نهج الكرة؛ أصبح المدافعون يهاجمون، والشخصيات الثانوية في رواية ما ربما هي التي تبقى في ذهنك. وتتراجع الشخصية الرئيسة لحساب الثانوية… تكتيك اللعب وتكنيك الرواية. في الكرة لا تستطيع أن تلعب من دون مدافعين، في الرواية يمكنك أن تفعل هذا، تلعب طوال الوقت مهاجما.. في الكرة لا تستطيع أن تلعب من دون حارس مرمى.. في الرواية يمكنك أن تفعل هذا لتترك للنقاد بابا يهاجمونك منه. الشاعر المصري المقيم بالسعودية خالد السنديوني هو أول شاعر في العالم يصدر ديوانا عن كرة القدم، وهو “اللاعب” ديوانه الثالث الصادر عن دار “غاوون”، يذكر أنه أقدم على تلك المغامرة بسبب مقولة قرأها على أحد المواقع الإلكترونية واستفزته جدا، المقولة هي “كرة القدم والشعر لا يجتمعان” للشاعر والناقد الأميركي أرشيبالد ماكليش، يقول السنديوني “استفزتني المقولة فرددت بسرعة: كرة القدم والشعر شيء واحد”، وكتبت “أنا شاعر ولاعب كرة قدم/ أنا تمثال الألم في مدخل القرية/ في كل مرة أذكِّر أصدقائي كم كانوا لاعبين كبار/ ينظرون إليّ بعيون مطفأة/ ويكملون الحديث/ كأنهم لم يسمعوا شيئا/ وأعود أنا فأنظر إلى البعيد/ مرّ الزمن مرّ الزمن/ يا أصدقائي المباركون بالنسيان”. هكذا بدأت ثم توالت على خيالي تلك اللحظات المفعمة بالحياة والجمال بالنشوة والإثارة وقررت أن أكتب ديوانا كاملا للرد على مقولة ماكليش عمايا، وقد ألزمت نفسي باستلهام الجو الواقعي للعبة دون التهويم الخيالي لكي ينبع الشعر من وقائع اللعب نفسها، و من السحر الذي تتركه مباريات كرة القدم في مخيلة اللاعبين. ويرى الشاعر أن الديوان لازمه سوء حظ كبير، فقد صدر في وقت لا يناسبه، في مطلع عام 2012، في خضم الانفعال بأحداث ثورة يناير 2011، فلم يلق الديوان اهتماما كافيا.
مشاركة :