كالبياض في عالم يعج بالعتمه ظهر العبقري طلال مداح ليُشكل حالة من الذكاء الطاغي والاستثناء المُبهر في عالم فني غارق بالتقليدية .. فبصوته الطاهره والحانه العظيمة وانتقاءه المُذهل للكلمات، قدم طلال نفسه كنموذج فني غير عادي .. ليكون سفيراً للأغنية السعودية في الوطن العربي، وحجر زواية في ذاكرة الوطن ! وعند الحديث عن شخص بقامة طلال من المهم أن لا يتم هذا الأمر بمعزل عن الجانب الإنساني والأخلاقي والثقافي .. فطلال الإنسان لا يمكن عزله عن طلال الفنان، فوحده طلال كان يُشعر من يستمع له أنه يُغني له وحده، لحزنه ووجعه وسعادته وفرحه، أغانيه أشبه ما تكون بالصديق الوفي الذي لم ولن يخذلك أبداً، اما على المستوى الثقافي والأخلاقي فقد كان طلال ملم بالشعر وربما لملازمته لمجالس شعراء عصره الكبار دوراً في انتقاءه المميز للمفردة الرصينة ومخزونه الثقافي المميز، كما أن طلال ظل وفياً لمبادئه والتزامه باخلاقيات الفنان المُحترم. وبعد كل هذا الحديث عن هذا الرمز الفني السعودي الراحل، لك أن تتخيل عزيزي القارئ أن أكثر من ١٧ عاماً مضت على وفاة طلال مداح ولم نرى أي مسلسل أو فلم وثائقي حقيقي يروي تجربته الإنسانية والفنية، الحقيقة أنه للأسف الشديد لدينا أرث أدبي وفني عظيم وتجارب إنسانية سعودية تستحق أكثر من مسلسل وعمل فني ولكن للأسف لم نشاهد أي توثيق لهذه التجارب ! لن أسرد أسماء الشخصيات السعودية التي تستحق تجاربهم الدراسة وأن تقدم في أعمال تلفزيونية أو إذاعية، لكن تخيل لو كان هناك مسلسل يروي تجربة طلال وأخر لغازي القصيبي وأخر للشاعر محمد الثبيتي وغيرهم من الشخصيات. الحقيقة أن صناع الإعلام في السعودية يتوجب عليهم العمل على تقديم أعمال فنية تروي هذه التجارب العظيمة، وأن يحذو حذو صناع الإعلام العرب الذين قدموا عشرات الأعمال الفنية التي توثق سير رموزهم الفنية والثقافية. عبدالعزيز العاصم
مشاركة :