الصدمات التي يعيشها العالم العربي سبب الأسئلة الدينية المحيّرة للشباب

  • 6/22/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم يجعل الله بيننا وبينه وسيطاً، فالتقرب إليه عز وجل ليس صعباً، والدين الإسلامي ليس لغزاً، وبينما نحن في رحلة التعرف على الدين الذي تأتي عظمته من بساطته، نحتاج أثناء هذه الرحلة إلى إضاءات يمكن أن نستنير بها من خلال الدعاة، ومن الجائز أن نضل عنها بسبب من يدعون أنهم دعاة، فالدعاة الحقيقون الذين يبغون الله ورسوله ليسوا وسطاء ولا هم أنبياء، ولكن لهم من المكانة ما يرفع بسقف الطموحات بأن نجدهم كما نأمل، وأن نجد عندهم من العلم ما ينفع. وتدور بين الشباب في هذا العصر العديد من الأسئلة المتعلقة بدور الدعاة، والمعايير التي نفرق بها بين الصالح والطالح منهم! ولماذا زادت نسب التطرف؟ ولماذا يذهب الشباب للتنظيمات الإرهابية عن طيب خاطر؟ وغيرها من الأسئلة التي تدور في أذهان الشباب على وجه الخصوص، والعامة على وجه العموم، توجهنا بها إلى المفكر القطري الدكتور جاسم سلطان مدير مركز الوجدان الحضاري.تقييمك لمستوى الخطاب الديني المُقدم للشباب العربي حالياً.. ¶ المجتمعات العربية تمر حالياً بتغيرات ضخمة جداً، فنحن نمر في نافذة بين عصرين؛ عصر ما يسمى بفترة الصحوة الإسلامية واعتقاد وجود إجابات على الواقع لمجرد ذكر آيات وأحاديث مجتزأة من هنا وهناك، كان يُعتقد أنها إجابات كافية وستنتج لنا عصراً جديداً، ثم جاءت الأحداث وأثبتت أن هناك قصور فهم، فإنتاج خطاب بعد هذه المرحلة لم يتم بعد، فالخطاب الديني الموجود حالياً مأزوم وهو بقايا خطاب، فهناك فجوة تاريخية بين ما يقدمه الخطاب الديني وبين العصر الذي نعيشه، وتسمى عادة هذه الفترة بأنها فترة معاناة تتميز بوجود انفتاح فضائي واسع ووجود أسئلة لم تولد إجابات لها بعد بشكل كافٍ. وماذا ترتب على هذا الانفتاح؟ ¶ بناء على ذلك فإن عدداً كبيراً من الدعاة لم يدركوا كمَّ هذه التحولات الضخمة، فنتفاجأ حالياً بوجود أمور جديدة مثل قضية التطرف وإعراض الشباب عن الخطاب الوعظي، هذا سبّب صدمة للدعاة الحاليين وربما تفاجؤوا بها، ولكن في الحقيقة إن هذا ليس مفاجئاً بل هو نتاج واقعي للإحباطات التي تعرّض لها الشباب بعد الثورات العربية وتشرّدهم في أقطاب الأرض.. فبعد حالة الوثوقية بأن كل سؤال له إجابة انكشف الأمر على غير ذلك. وكيف يمكن إعادة المسار بخطاب دعوي يلائم العصر؟ ¶ إعادة المسار من خلال الأفكار التي تظهر حالياً على السطح، حتى وإن لم تتبلور بشكل واضح من خلال بعض المدارس الشرعية والمفكرين من داخل البيئة الإسلامية محاولين أن يبحثوا في إجابات مختلفة، فلقد أصبح الناس أكثر جرأة في تحديد المرض بإشكالياته، وهذا مسار ينمو بشكل كبير في المغرب العربي في المقاصد وأصول الفقه وعلوم الحديث والتمييز بين الدعوي والسياسي... الخ. وما المعايير التي يمكن من خلالها اختيار الداعية الذي نستقي منه كل ما له علاقة بالدين؟ ¶ تشير بعض الدراسات إلى أن هناك عدة معايير لصلاح الفكر، منها النظرة للإنسان في المجتمع؛ فمن يقدّم نظرة أكثر احتراماً للإنسان بغض النظر عن دينه وعرقه وجنسه، فالداعية الذي لا يقدم نظرة تشمل الاحترام والتقدير للإنسان هو خارج معادلة إنتاج العصر. ومن بين المعايير أيضاً، النظرة للعلم.. العلم ابن السؤال، والانفتاح على المنهج العلمي ومحاربة الخرافات، فإذا كان شخص يقدم تصوراً للدين يبعد الناس عن السؤال والمنهج العلمي ويحوّل الناس للخرافة فهو أيضاً خارج معادلة التقدم المرجوة. وتتضمن المعايير أيضاً، النظرة للحياة وفاعلية الإنسان، فإذا كان شخص يقدم فكرة الانسحاب من الحياة و/أو النظرة الخرافية للطبيعة وظواهرها، فهو شخص هادم للإبداع والقدرات ويقدّم منظوراً خاطئاً للمجتمع والحياة. ومنها النظرة للدين، هل هو شخص يقدّم الدين من خلال تشجيع الناس على أن يكون لديهم ما يعينهم على الحياة من صناعة وتجارة وزراعة ويحثهم على العمل، أم يشجعهم على الانعزال عن الحياة والاعتكاف فقط في المساجد لنيل الآخرة، أي مدى تكامل نظرته للحياة والآخرة، فمن يقدّم نظرة شاملة سيكون هو الأكفأ في مواجهة احتياجات العصر. وهل هناك معايير أخرى؟ ¶ أيضاً هناك النظرة للوقت، ومدى الحديث عن أهمية الوقت لنا كمجتمعات، فهل يعامل الوقت كقيمة أم عبء.. وهل هو مشغول بإنتاج المستقبل أم مشدود للماضي. ومنها أيضاً النظرة للإنسان القريب في المجتمع، هل ينظر للناس سواسية كأسنان المشط أم ينظر للناس أنهم في تدرج هرمي. وأخيراً، النظرة للمجتمعات الأخرى، فهل ينظر للمجتمعات المختلفة على أنها فرصة للتعارف والتلاقي أم لديه نظرة بها عداوة وحروب.. وكل هذه المعايير يمكن من خلالها تقييم الخطاب الديني الصالح والطالح، وعلى الشباب أن يميّز كل هذه المعايير لاختيار الأصوب بما يتناسب مع العصر. لماذا نجد الخطاب الديني التقليدي أكثر قبولاً وانتشاراً من ذاك الذي يعتمد على الجوانب الفلسفية؟ ¶ المجتمعات من 1400 سنة بنيتها الأساسية تعتمد على هذا الخطاب الوعظي، فالناس تربّت على هذا منذ زمن بعيد، ولكن لو تربى المجتمع على النقاش ما كانت تمر أي موعظة إلا بالسؤال والنقاش. بالإضافة إلى أن الخطاب الوعظي هو خطاب بسيط وأكثر شعبية على عكس الخطاب الآخر الفلسفي المركب الذي يحتاج لتفكيك وقدرة على التحليل. وهل الدعاة لهم دور محوري في حياة الناس؟ أم يستطيع كل شخص أن يقوم بدور الباحث عن الدين بشكل منفرد؟ ¶ الاستغناء عن المتخصصين في أي مجال غير وارد على مستوى العالم، لكن نستطيع القول إن المسلم يحتاج فقط من وجهة نظري ما يعادل 10 صفحات، بمعنى أن يعلم ما يهمه عن العقيدة الأساسية التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبايع الناس عليها، وأن يعرف العبادات الأساسية التي يجب أن يلتزم بها المسلم، وأن يعلم ما هي المحرمات الكبرى التي يجب الابتعاد عنها، والأخلاق التي يجب التمسك بها، فنجد مثلاً من كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لديهم كل هذا العبء، فالدين الإسلامي أبسط من كل هذه التعقيدات.. فالدين في أصله بسيط ليس معقداً كما يُصوره البعض في الوقت الحالي. وهل السؤال عن الغيبيات يُخرجنا عن أصل الدين؟ ¶ الغيبيات جزء من عموم الإيمان، والاعتقاد بها تسليمي ناتج عن الايمان بمقدمات كبرى هي الإيمان بالله وبالقرآن، ومنه يتفرع الإيمان بالغيب الذي أخبرنا به القرآن الكريم. وهل هناك بعض الفتاوى التي تُخبأ بالخلف بحجة حماية العقول من بعض الأمور التي ربما تسبب ارتباكاً فكرياً؟ ¶ هذا موجود.. ولكن مع وجود الفضاءات المفتوحة أصبح هذا الأمر غير وارد حدوثه، على الأقل في هذا العصر. فباستمرار كان يساق للجمهور رأي واحد ويركز عليه باعتباره الصواب، ولكن مع توفر المعلومة للجميع في هذا العصر أصبح بالإمكان معرفة الآراء المخالفة.. وأصبح البيان جزءاً من المصداقية. كثيراً ما نجد بعض الشباب في حيرة من أين يستقون التعاليم الدينية الصحيحة، خاصة بعدما تعدد أولئك الذين يدّعون أنهم حراس الدين والقائمون عليه.. ¶ الدين ليس له حراس، بل هو مجموع ومحفوظ ليوم الدين في كتاب الله عز وجل، حتى وإن اختلف الداعون له، فالدين في أصله التقوى، والتقوى في القرآن تعني كف الأذى عن الخلق وإتقان العمل، فالقرآن معالمه الكبرى واضحة على الرغم من وجود تفصيلات فيه.. فأصول الدين الواضحة من العقائد ومكارم الأخلاق وكف الأذى والعبادات المتواترة ليست أسراراً، فمن أمسك بالأصول الكبرى أعانته في رؤية الطريق السوي وعدم بيع عقله لغيره. تشير بعض الدراسات إلى ازدياد نسبة التطرف في العالم العربي.. فما الأسباب الحقيقة وراء ذلك؟ ¶ في هذا العصر أصبح بالإمكان للفرد التخلص من تأثير البيئة التي وُجد فيها، فإذا وُجد الإنسان في بيئة إسلامية صار مسلماً تبعاً لبيئته التي ولد فيها، وعندما لا يتصل بحضارات أخرى ولا تطرأ أسئلة كبرى على ذهنه يظل متمسكاً بما وجد نفسه عليه منذ ولادته، وهذا يمكن قياسه على باقي الديانات اليهودية أو النصرانية. ولكن العصر الذي نعيشه والذي تُطرح فيه الأسئلة التي ربما يشوبها نوع من الحيرة في عقول الناس بشكل كبير جداً.. بالتزامن مع هذا الذي يعيشه الشباب العربي حالياً؛ حالة من الإحباط نتيجة لظروف سياسية واقتصادية وغيرها، وهذه الحالة مشتبكة بالدين. وهل هناك أسباب أخرى؟ ¶ أيضاً هناك بعض الأمور التي كانت تبدو مسلّمات وكانت أرضية يقف عليها بعض الشباب تزعزعت بشكل كبير، ومثال على ذلك نجد بعض المفاهيم التي كان يتجمّع الناس حولها، مثل: الدين قادر على تجميع الناس، ثم نفاجأ أن الأفغان جمعهم الدين ثم يقاتل بعضهم البعض، أو داعش وهي تقتل المسلمين وتذبحهم.. فعادةً بعد الصدمات الكبرى تأتي موجات أسئلة كبرى.. والعالم العربي الآن تتوالى عليه الصدمات، فمثلاً نجد أن أوروبا عاشت مثل هذه الصدمات باكتشاف الأخطاء العلمية التي شابت اختيارات الكنيسة في العصور الوسطى، وفي نشوب حربين عالميتين في أوروبا، فانهارت في كل مرة اليقينيات الكبرى وتركت وراءها أسئلة كبرى كالتي نعيشها اليوم.;

مشاركة :