معلم رائع..ولكنه صديق سيئ

  • 6/23/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ما رأيت معلماً أكثر تأثيراً وعمقاً وحكمة وقسوة مثل الحزن! أجل دروسنا وأكثرها تغييراً وصقلاً لشخوصنا هي ما نتج عن تجارب الحياة القاسية، هي ما صادفناه عند منعطفات الحياة العنيفة، هي ما وجدناه عند القاع لا القمة، ولا يوجد منا من لم يمر بتلك اللحظات، ولكن لا نتشابه في ردود أفعالنا والدروس والعبر المستقاة من تلك التجارب. لا أقصد أبداً أننا لا نتعلم وقت الرخاء، ما أقصده، أن الصقل يكون وقت الشدة، تماماً كالذهب الذي يتشكل بالنار حتى نحصل على أجمل الحلي! ومن أكثر دروس الحزن هو أننا نقدر قيمة الشيء بوجود نقيضه؛ فلا طعم لحلو الحياة ما لم نذق مرها، ولا افتتان ببزوغ فجر جديد من دون العيش في العتمة، ولا غيث يسقط بغير الغيوم يبرز بعدها قوس قزح يلون حياتك، ولا طعم للسعادة من غير عيش لحظات الحزن! فمن أهم دروس الحزن أن نؤمن أن دوام الحال من المحال، وأن لحظات السعادة كانت وستكون، كما هو الحزن زال وسيزول! ولأن الدنيا ميزان، ولأن كل قطب له ما يوازيه قوة ويخالفه معنى واتجاها، لم يذكر الحزن واليأس والقنوط في كتابنا ودستور حياتنا الكريم إلا في صيغة النهي، النهي لا النفي: لا تحزن، لا تيأس، لا تقنطوا من رحمة الله! ومن أجمل العبر في قصة مريم العذراء، عندما أمر الله ببذرة النبوة في رحمها، وهي العذراء الشريفة، خافت ووجلت وبثت خوفها لربها وحافظها، فأمرها: كلي واشربي وقرّي عينا! فما ظنته ابتلاء كان بدء نبوة، وعندما خيم عليها الحزن والخوف أمرها الله أن تصدم الدنيا بردة فعل مختلفة، فهو أدرى بالحال، ورب الخير لم ولن يريد من عبده ولعبده إلا الخير. لذلك، عندما تنعطف بك الحياة وتقسو، ثق أن اليسر قرين العسر وليس لاحقه، وأن ربيعك سيعقب شتاءك، وأن الخير كل الخير يعقب قسوة لحظاتك. عش لحظات الحزن واليأس، استشعرها ولا تقمعها أو تكبتها أو تتجاهلها خوفاً من خسارة أحد أو شماتة أحد، من يردك فسيبقى معك في كل أحوالك، بث همك لخالقك الذي عزك وسيعزك برحمته وعزته، امهل نفسك، ثم انطلق من جديد، فما بعد الظلام إلا الفجر، وما بعد سواد الغيم إلا الغيث، وما بعد القاع إلا القمة وأفق أوسع وأجمل يأتي بعد خروجك من عنق الزجاجة! فلا تسمح لسطر حزين بأن يصبغ قصة وكتاب حياتك كله بصبغة الحزن، فما رأيت أسوأ من الحزن واليأس صبغة بالرغم من ثراء دروسهما. أحسن ضيافة حزنك، واسمح له بالرحيل، لأن فرحتك قادمة، فافسح لها المجال. رولا سمورwww.growtogether.onlinerulasammur@gmail.com

مشاركة :