البرازيليات السمراوات يتخلّين عن الشعر الأملس

  • 6/23/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ابتسمت برونا أباريسيدا بحذر وهي تتطلع إلى صورتها في المرآة بينما يقصّ مصفف الشّعر خصلات أخيرة من شعرها المسترسل، ليصبح رأسها متوجاً بالتّجاعيد. تقول أباريسيدا البالغة من العمر 27 سنة والتي ظلّت تستخدم المواد الكيماوية لتمليس الشّعر لنحو عشر سنوات قبل التخلي عنها: «لم أكن أتعرف على نفسي من دون شعري المسترسل». لقد كانت المرأة الوحيدة ذات البشرة السوداء ذات الشعر المجعد في المصرف الذي تعمل به، لكنّها اليوم أصبحت واحدة من بين ست سيدات. وتضيف قائلة: «لقد بات الأمر رائجاً خلال العام الحالي، وتقوم به الكثير من صديقاتي». يمثل البرازيليون ذوو البشرة السّوداء أو السّمراء أكثر من نصف عدد سكان البلاد، لكنّك لن تكتشف ذلك عند النّظر إلى مجال التجميل، فقد ظلّت منتجات تمليس الشّعر المبتكرة في البرازيل والتي تنتشر في جميع أنحاء العالم، تلاحق لفترة طويلة معايير ذوي البشرة البيضاء الخاصة بالجمال. منذ عشر سنوات لم يكن من المستغرب مشاهدة الكثير من السيدات يرتدين الكسوات الخاصة بتصفيف الشعر في صالون التجميل، ويغطين أفواههن بقطعة قماش لتفادي استنشاق الأبخرة والروائح المنبعثة من شعورهن بينما يغمر المصفّف الشعر في الفورمالدهيد ليصبح مسترسلا. يتزايد حالياً عدد البرازيليات ذوات البشرة السوداء اللائي يتخلّين عن مواد تمليس الشّعر ويتقبلن الشّعر المجعّد. تعبّر العودة إلى الشعر الطبيعي عن تزايد تمكين السود في البرازيل، حيث ازداد عدد الذين يعتبرون من السود بنسبة 15 في المائة خلال أربع سنوات، حسب التّعداد السّكاني الذي أُجري عام 2016. على الجانب الآخر، انطلقت حركة «المستقبلية الأفريقية» لاستكشاف الرؤية المستقبلية لأفريقيا والشتات الأفريقي بإلهام من فيلم «النمر الأسود»، من خلال أفلام ومسرحيات وموسيقى أبطالها من السّود. على الرّغم من ذلك، فلا تزال الفجّوة صادمة في المساواة على أساس العرق، حيث يزداد متوسط راتب المواطن الأبيض عن راتب المواطن الأسود بنسبة 50 في المائة. وقد مثل ذوو البشرة السّوداء والسمراء من البرازيليين نحو 70 في المائة من ضحايا جرائم القتل في البلاد في عام 2016، حسب أحدث بيانات حكومية أعلن عنها. وأثار اغتيال مارييل فرانكو ذات البشرة السوداء، عضو مجلس بلدية مدينة ريو دي جانيرو، في بداية العام الحالي، جدلاً بشأن العنصرية ووحشية الشرطة. في هذا السياق، تجلّى الأفارقة كرمز للمقاومة. قُتلت السياسية ذات البشرة السّوداء بالرصاص في مدينة ريو دي جانيرو، لتصبح بعد ذلك رمزاً عالمياً. وتشهد سوق الجمال الأسود نمواً يقدّر بنحو 20 في المائة سنوياً في البرازيل، بمساعدة منتجات تستهدف اتجاه السيدات نحو المظهر الطبيعي، حسب مجموعة أبحاث «كلاين ماركت». وازداد معدل البحث على الإنترنت عن عبارة «الشعر الأفريقي» بمقدار ثلاثة أمثال خلال العامين الماضيين، حسب «غوغل لابس». كما يقود حالياً هاشتاغ «شعر مجعد» الذي استخدم ذات مرة على صور خاصة بتمليس الشعر، إلى آلاف من الصور لأفارقة لهم شعر مجعد غجريّ. يقول ألميرو نونيس، البالغ من العمر 44 عاما وصاحب صالون تجميل «كيرلز كلينيك» في ساو باولو المتخصص في الشعر الطبيعي المجعد: «لم يكن لدي فكرة عن حجم السوق عندما افتتحت صالون التجميل الخاص بي». وقد بلغ متوسط عدد عملاء نونيس الذي بدأ بعشرة عملاء منذ ثمانية أعوام ليصل عددهم إلى 60 عميلاً يومياً، ويعتزم توسيع نطاق عمله بافتتاح صالون تجميل آخر. ويبدو أنّ صالونات التجميل ليست هي التي لاحظت الأمر وحدها، فقد لحقت بها الصيدليات والمتاجر ذات الأقسام المتعددة التي اعتادت تخزين كميات كبيرة من الشامبو الخاص بالعملاء البيض، حيث بات لديها حالياً أقسام كاملة مخصّصة للشعر الطّبيعي لذوي البشرة السوداء. أتاح ذلك الكثير من الخيارات أمام الفتيات والسيدات ذوات البشرة السوداء اللاتي كنّ يشعرن بأنّه ليس لديهن اختيار سوى تمليس شعورهن. كانت هذه حال ألين بيبيانو البالغة من العمر 27 سنة؛ فقد كان زملاؤها ذوو البشرة البيضاء في المدرسة يسخرون من شعرها، لذا بدأت تجعله مسترسلا وهي في الثامنة من عمرها. وقالت لوالدتها ذات مرة: «أفضل أن أكون عاجزة أجلس على كرسي مدولب على أن يكون لدي شعر سيء». عندما قرّرت إطالة شعرها منذ ست سنوات اتجهت إلى الإنترنت بحثاً عن النّصيحة وقالت: «هل هناك أحد ما يفعل ذلك؟» من ثمّ اكتشفت نصائح عن كيفية القيام بالعملية التي قد تستغرق ثلاث سنوات. تكتب بيبيانو حالياً عموداً شهيراً عن الشَّعر المتموج والمجعد لموقع «AllThingsHair.com» الذي تديره شركة منتجات التجميل «يونيليفر». وتوضح: «لدى السيدات حاليّاً مراجع ومصادر لم تكن متاحة لي. هناك على «إنستغرام» و«فيسبوك»، فتيات متصالحات ومتعايشات مع الشعر المتموج». مع ذلك بئر التحامل العميق ضد الشّعر الأسود قد بدأ ينضب لتوه. تقول سيدة من بين كل ثلاث سيدات في دراسة أجرتها «غوغل» عام 2017، إنّها واجهت تحاملا ضدّها بسبب شعرها. وتتعرض بيبيانو باستمرار للمضايقات. وكان الشَّعر يعدّ بالنسبة إلى ملايين «العبيد» الذين هُرّبوا إلى البرازيل من غرب أفريقيا، معبّراً عن الحالة الاجتماعية والديانة والوضع الاجتماعي والهوية العرقية. وعندما كانوا يصلون إلى البرازيل كانت شعورهم تُحلق فوراً. تقول أماندا براغا، مؤلفة كتاب عن تاريخ الجمال الأسود في البرازيل: «كانت تتم حلاقة الشعر من أجل إبعاد العبيد السود عن أصولهم وجذورهم الثقافية وكان يحدث ذلك بحجة النّظافة، لكنّ الهدف الحقيقي كان قتل أي شعور بالانتماء قد يحمله هؤلاء البشر في نفوسهم من خلال علاقتهم بشعرهم. لقد كانت تلك طريقة لجعل العبيد السود مجهولين في العالم الجديد، وتقديمهم إلى قارة جديدة من دون مرجعيات أو إشارات يحملونها من خلال شعورهم». لذا تعدّ العودة إلى مظهر الشَّعر الطبيعي بالنسبة إلى كثير من البرازيليين السّود إعادة اتصال بإرثهم وتراثهم. في السياق، تفيد أندريسا ماسيل صانعة أفلام تبلغ من العمر 26 سنة: «بأنّه فعل سياسي. شعري هو أول شيء يراه الناس. فهو يقول هذه هي أندريسا وهذا هو أصلها». وترى أنّ شعرها كوسيلة لاستعادة جذورها الأفريقية، وتقول: «العنصرية تجعلك لا تريد أن تكون نفسك الحقيقية. أريد لأطفالي أن يروا شعري. يجب أن يظهر في المرآة حتى يعرفوا أنّ الشَّعر الأسود طبيعي وجميل وأنّهم من سلالة ملوك وملكات». وجدت سيدات مثل ماسيل إلهامهنّ في الممثلة تاييس أراوجو، وهي أول ممثلة تلعب دور سيدة ثرية ذات شعر مجعّد، في مسلسل تلفزيوني برازيلي منذ عشر سنوات. تشارك أراوجو حالياً في مسلسل «ميستر براو» الكوميدي الذي يتناول المصاعب التي يواجهها زوجان من ذوي البشرة السوداء ميسوري الحال ينتقلان إلى حي للنّخبة يسكنه البيض في ريو دي جانيرو. يجمع المسلسل بين الأسلوب الكوميدي المبالغ فيه، ومقولات لنيلسون مانديلا، الزعيم المناهض لسياسة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وتاريخ حقوق الإنسان، وقصص عن العنصرية. عندما جاء وقت اختيار طريقة تصفيف شعرها التي ستظهر بها في المسلسل قالت أراوجو، إنّه كان قراراً سياسياً. وأضافت خلال مقابلة: «عندما نتحدث عن دور التلفزيون خاصة في البرازيل، نظراً لكونه متاحاً للجميع، نرى أنّ الشّعور بالمسؤولية الاجتماعية يمكن أن يغير البلد». وتضيف: «لقد اكتشفت البرازيل هويتها. لا تحدث التغيرات الثقافية بين عشية وضحاها. نحن نمرّ بهذه المرحلة ومن الجميل رؤية ذلك». تميزت أراوجو، خلال الأسابيع القليلة الماضية عن غيرها من العارضات والمشاهير ذوات الشَّعر اللامع اللاتي يظهرن على أغلفة المجلات المنتشرة في أكشاك بيع الصحف والمجلات. وكانت صورتها التي ظهرت على غلاف مجلة «كلوديا» للمرأة تتطلّع بتحدٍ إلى العدسة بأيدٍ متشابكة وشعر غجري كثيف. ألهمت مشاهدة أراوجو على شاشة التلفزيون، أباريسيدا جيسيز، البالغة من العمر 34 سنة بالتحرر من خصلات الشعر المسترسلة منذ أربع سنوات. والآن بلغت ابنتها آنا لويزا عشر سنوات، وهو السّن الذي بدأت أباريسيدا، استخدام المواد الكيماوية لتمليس شعرها. وهي تتعرّض للمضايقات في المدرسة بسبب شعرها الأشعث مثلما كان يحدث لأمِّها. *خدمة {واشنطن بوست} خاص بـ {الشرق الأوسط}

مشاركة :