اضطراب ما بعد الصدمة مرض نفسي مزعج

  • 6/24/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يمر الكثيرون في حياتهم بمواقف وأحداث كارثية، وخاصة في بعض المهن مثل عمال الإنقاذ أو الجنود أو الصحفيين والإعلاميين، ويمكن أن يتعرض البعض لهذه المواقف بشكل شخصي، كأن يتعرض لاعتداء جسدي أو اختطاف أو اصطدام عدد من السيارات.يمكن أن يصابوا باضطراب ما بعد الصدمة في كل هذه الأشكال من الحوادث السابقة، أو اضطراب الكرب التالي للصدمة، وبحسب النظام العالمي للتصنيف الطبي للأمراض فإن هذا النوع من الاضطراب من أنواع الأمراض النفسية، يسبق الإصابة به التعرض لحادث واحد على الأقل، وليس بالضرورة أن يكون التهديد موجهاً للشخص ذاته، بل يمكن أن يكون موجهاً لآخرين، ولا تظهر أعراض هذا الاضطراب بصورة مباشرة بل يمكن أن تظهر بعدها بفترة زمنية كبيرة.ونعرض في هذا الموضوع تفاصيل دقيقة عن اضطراب ما بعد الصدمة، والعوامل والمسببات التي تؤدي إلى الإصابة به المرض النفسي، مع تقديم طرق الوقاية الممكنة، وكذلك طرح أساليب العلاج الفعالة للتخلص من هذه المشكلة. شعور بالخطر يبدأ اضطراب ما بعد الصدمة في العادة عقب حدث صادم أو مروع، ويقصد به الأخصائيون شعور الإنسان بأنه في خطر أو أن هناك ما يهدد حياته، أو عندما يشاهد آخرين يموتون أو وهم مصابون بحالة سيئة.يضرب الباحثون على ذلك مثالا بالمعارك والحروب وأسرى الحرب والاختطاف والحوادث الإرهابية، وحوادث الطرق الخطيرة، والاعتداء الجنسي أو الجسدي وكذلك السرقة، والكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية، أو الكوارث التي يصنعها الإنسان كانفجار مصنع أو انهيار أحد المنازل.يمكن كذلك أن يكون تشخيص مرض يهدد الحياة سبباً في الإصابة بهذه المشكلة، مثل الأورام أو أمراض القلب المتأخرة، وعند وفاة أحد الأصدقاء المقربين أو واحد من أفراد الأسرة. غير محددة بدقة يشير الباحثون إلى أن أسباب الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة لا تزال غير محددة بدقة، ويعزو الكثير منهم الإصابة بهذا الاضطراب إلى العوامل الحيوية والجينية، وحدوث تغيرات في كيمياء الدماغ، وطبيعة التجارب التي تعرض لها الإنسان في حياته، وكذلك قدرته على التحمل.وتلعب عدة عوامل دورا في زيادة خطر الإصابة بهذا الاضطراب، ومنها التعرض للصدمة لأسباب معينة، كأن ينجو من حريق أو كارثة طبيعية أو حادث خطر، أو أن يخوض حربا أو معركة بها الكثير من المخاطر، وعند التعرض للاختطاف أو التعذيب أو التهديد أو الإساءة.يحدث كذلك في بعض الأحيان تشخيص طبي خاطئ وهو ما يؤدي لوجود خطر على الحياة، وعند مشاهدة مقتل شخص أو تعرضه لإصابات خطيرة، وإذا كان الحدث الصادم شديدا أو استمر لمدة طويلة.وتؤدي إصابة الإنسان بمرض نفسي إلى زيادة فرص إصابته بهذا الاضطراب، أو أنه لا يجد من يدعمه نفسيا، وأخيرا فإن التاريخ المرضي للعائلة يلعب دورا في الإصابة بهذه المشكلة النفسية. بعد الحدث الصادم تبدأ أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في حدود 3 أشهر بعد الحدث الصادم، وفي بعض الأحيان يمكن أن تتأخر الأعراض حتى تمر سنوات على الحدث، ويمكن أن تتسبب في مشكلات على صعيد العمل والعلاقات والمواقف الاجتماعية.ويقسم الأطباء والأخصائيون أعراض هذا الاضطراب إلى 4 أنواع، الأول الذكريات الاقتحامية، وهي تتضمن ذكريات متكررة وغير مرغوب فيها ومؤلمة تخص الحدث الصادم، كما أنها تحيي الحادث الصادم.وتجعل هذه الذكريات المصاب يسترجع الأحداث، ويرى أحلاما مزعجة عن الحدث الصادم، وفي بعض الأحيان يصل الأمر بالمصاب إلى اضطراب عاطفي أو ردود أفعال بدنية تكون حادة عندما يذكره شيء بالحدث الصادم.يتجنب المصاب التفكير أو الحديث بخصوص الحدث الصادم، وهذا هو النوع الثاني، وبالتالي الابتعاد عن الأماكن أو الأنشطة أو الأشخاص الذين يرتبطون بالحدث الصادم أو رؤيتهم التي تذكر به.ويفقد المصاب بالاضطراب القدرة على إدراك المشاعر الإيجابية في النوع الثالث، والتغيرات السلبية في التفكير والمزاج، وهذه المشاعر السلبية تكون حول الذات أو الآخرين، كما يصيبه مشاعر بالخدر الانفعالي، وعدم الاهتمام بالأنشطة التي كان مستمتعاً بها في السابق، ومشكلات في الذاكرة، حيث لا يتذكر الجوانب المهمة للحدث الصادم، ويجد المصاب بهذا الاضطراب صعوبة في الاحتفاظ بعلاقاته الوثيقة.النوع الرابع وهو التغيرات في ردود الفعل الانفعالية، وهي ما يمكن أن نسميها أعراض الإثارة، وفيها يصاب المريض بالهياج ونوبات الغضب والسلوك العدواني، ويصيبه الحذر الدائم من الخطر، وشعور مفرط بالذنب أو الخجل، ويمكن أن يصيبه سلوك مدمر للذات كالإفراط في تناول الكحوليات أو قيادة السيارة بتهور كبير، كما يتعرض لاضطراب في التركيز والنوم، ويمكن أن تزداد الأعراض في أوقات التعرض لزيادة الضغط النفسي، أو عند التعرض لما يذكره بالحدث الصادم. سلوكيات انتحارية يمكن أن يؤدي اضطراب ما بعد الصدمة إلى مخاطر ومشكلات صحية وعقلية أخرى، وعلى سبيل المثال اضطرابات الأكل، والاكتئاب والقلق، والأفكار والسلوكيات الانتحارية، وينبغي الحصول على استشارة طبية في حالة مراودة المصاب لأفكار ومشاعر تثير انزعاجه بخصوص الحدث الصادم وذلك لمدة تتجاوز الشهر، وكذلك إذا شعر بالعجز عن السيطرة على حياته بسبب هذه المشاعر، وعند المعاناة من أفكار تتعلق بالانتحار.ويهدف العلاج إلى مساعدة المريض باضطراب ما بعد الصدمة في السيطرة على حياته، ويعتبر العلاج النفسي بكل صوره هو الأساس، غير أن بعض الحالات يمكن أن تحتاج إلى بعض الأدوية والتي يتم استخدامها لفترة قصيرة، وتفيد في علاج الاضطرابات الأخرى المتعلقة باضطراب ما بعد الصدمة مثل الاكتئاب والقلق. طرق متنوعة توجد عدة طرق متنوعة من العلاج النفسي، منها العلاج السلوكي المعرفي حيث يتم مساعدة المصاب بالاضطراب، وذلك بتعليمه أساليب سلوكية تساعد على الاسترخاء وإعادة بناء أنماط فكرية جديدة، وذلك بهدف تقليل الشعور بالقلق.ويتم في العلاج التعرضي وهو نوع من العلاج يتم فيه تعريض المصاب للأحداث والذكريات التي تصاحب الحدث الصادم، وذلك بهدف تمكينه من مواجهة الخوف من هذه الأحداث، ويتم هذا الأمر على يد مختص متدرب على هذا النوع، وكذلك في ظل ظروف آمنة.كما يتم في النوع الآخر من العلاج وهو حساسية حركة العينين العلاجية تعريض المريض لأنواع مختلفة من المحفزات البصرية والحسية التي تساعده على إطلاق الخبرات النفسية وتحرير عقله من الحدث الصادم.ويمكن أن يفيد العلاج من خلال مجموعات الدعم التي تتشارك الأحداث مع آخرين تعرضوا لصدمات مشابهة، ويهدف العلاج إلى أن يستعيد المريض كل التفاصيل ويعبر عن حزنه، ويستكمل عملية الحداد حتى يستطيع مواصلة حياته.ويمكن أن يتضمن العلاج بالنسبة للأطفال العلاج باللعب، حيث يتم تشجيع الأطفال على استخدام بعض أنواع الألعاب التي تساعدهم على التحكم في التجربة التي خاضوها. الأدوية لفترة قصيرة يتم استخدام الأدوية لفترة قصيرة، وتهدف إلى إزالة القلق بشكل سريع، وهي فعالة في هذا الأمر، وكذلك توجد أدوية أخرى تقوم بتعديل النواقل الكيميائية العصبية لتحسين الاتصال بين الخلايا العصبية، وبالتالي تحسن أعراض الاضطراب. وأثبتت بعض الأبحاث أن الستيرويدات على سبيل المثال تقلل من احتمال تكوين مشاعر وذكريات سلبية عن حادث ما، وذلك عند إعطائها بعد الصدمة مباشرة، وهو ما يمكن أن يفيد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.وتفيد بعض أدوية الصرع التي تعدل المزاج في تقليل التقلبات المزاجية والغضب، وتعالج مضادات الاكتئاب أعراض الاكتئاب والقلق، وتساعد على تحسين مشاكل النوم والتركيز، وتحسن مضادات القلق من مشاعر القلق والتوتر لفترة قصيرة، ومن الضرورة الانتباه إلى أن هذه الأدوية يمكن أن يساء استخدامها، لذلك يتم وصفها فترة قصيرة، ويمكن أن تستخدم الأدوية المضادة للذهان في علاج مصابي اضطراب ما بعد الصدمة، وخاصة من يعانون من جنون العظمة. الصحفيون أكثر إصابة تم توثيق أول حالات اضطراب ما بعد الصدمة خلال الحرب العالمية الأولى؛ وذلك بعد تعرض الجنود لما سُميَّ وقتها بـ«صدمة القذائف»؛ وذلك بسبب الظروف المروعة في الخنادق، وتم تعريف هذا الاضطراب رسمياً كحالة نفسية في عام 1980؛ وذلك بعد إدخاله ضمن المرجع التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية.وأشار أحد التقارير الحديثة إلى أن الصحفيين والعاملين بالمجال الإعلامي بصفة عامة من أكثر المهن تعرضاً لهذا الاضطراب؛ حيث أوضح المشاركون في التقرير أنهم يتعرضون عقب تغطيتهم لأعمال العنف والتظاهرات إلى عدد من الظواهر؛ منها: هلاوس سمعية، وأخرى صحية.ويشكو بعضهم من سماعهم لأصوات إطلاق الرصاص وقنابل الدخان والغاز التي تطلق لفض التظاهرات، في حين أن آخرين اشتكوا من تنميل ووخز في مختلف أنحاء الجسم، إضافة إلى توتر عصبي حاد.اضطر عدد من المشاركين في التقرير نتيجة لغياب الدعم المطلوب في مثل هذه الحالات لاعتزال العمل بالصحافة، أو على أقل تقدير عدم تغطية الفعاليات ذات الطبيعة الخطرة.

مشاركة :