د. محمد الصياد تعثرت المفاوضات الخاصة بوضع دليل «المساهمات المعتزمة المحددة على الصعيد الوطني» لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ نتيجة للمواقف المتشددة التي اتخذتها الأطراففي شهر مايو/ أيار الماضي، وعلى مدار أسبوعين، وبمشاركة حوالي 3000 من الدبلوماسيين والمراقبين وكبار مفاوضي الدول الأعضاء في «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ» لعام 1992، وإطارها التنفيذي الجديد اتفاق باريس لتغير المناخ لعام 2015 - استقبلت بون الألمانية على جري العادة اجتماعاً آخر تحضيرياً لمؤتمر الأطراف الرابع والعشرين القادم (COP24) الذي ستستضيفه مدينة كاتوفيتسه البولندية خلال الفترة من 3-14 ديسمبر/كانون الأول 2018.لم يتبقَّ أمام هؤلاء الذين يمثلون، في واقع الأمر، طرفين تفاوضيين رئيسيين، هما الدول المتقدمة ويمثلها عملياً الاتحاد الأوروبي، و«مجموعة 77 + الصين»، وهي مجموعة الدول النامية التي تمثلها عملياً الصين - لم يتبق أمامها سوى سنة ونصف السنة فقط لإنجاز الاتفاق على الآليات التنفيذية لاتفاق باريس المقرر بدء سريان مفعوله في يناير/كانون الثاني 2020، وأهمها ما يسمى ب«دليل قواعد العمل». وقد اقتضت اللحظة التاريخية أن يخرج اجتماع بون بتوافق حاسم يعيد بث الروح في اتفاق باريس لتغير المناخ بعد انسحاب الولايات المتحدة منه. ولكن جاءت نتائج الاجتماع مخيبة، واقتضت من سكرتارية الاتفاقية الدعوة لعقد اجتماع تكميلي آخر في العاصمة التايلندية بانكوك في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، أي قبل حوالي شهرين من انعقاد مؤتمر الأطراف في بولندا.ومن متابعة لسير أعمال الاجتماع، يمكن استخلاص التالي: هيمن على الاجتماع السؤال الدائم للدول النامية عن التمويل الذي يفترض أن تقدمه لها الدول المتقدمة، والذي من دونه لن يكون بوسعها مواجهة آثار تغير المناخ والمساهمة في الجهد المشترك للتخفيف والتكيف. وقد تضمنت المناقشات حول «دليل قواعد العمل»، باعتباره الدليل التشغيلي العملي والتقني لتنفيذ اتفاقية باريس، بما يشمل على نحو خاص، تحديد الشكل والمضمون الذي ستكون عليه تعهدات الدول بالتخفيف والتكيف، وآلية متابعة وتعقب الدعم المالي المفترض تقديمه من الدول المتقدمة للدول النامية. فيما يتعلق مثلا ب«المساهمات المعتزمة المحددة على الصعيد الوطني»، وما الذي يتعين على أطراف الاتفاقية تضمينه فيها، وهل يكون الدليل المرشد لذلك موحداً لكافة الدول أم مختلفاً بحسب اختلاف طاقاتها وإمكانياتها، وما هي آلية تقرير الدول الأطراف في الاتفاقية بشأن التكيف؟ وكيف للدول الأطراف التقرير بما تتخذه من إجراءات ومدى التقدم الذي تحرزه، بما في ذلك تقديم الدعم المالي الخاص بتغير المناخ؟ وكيف ستتم متابعة ومراقبة مدى التزام الأطراف باتفاق باريس؟وقد تعثرت المفاوضات الخاصة بوضع دليل «المساهمات المعتزمة المحددة على الصعيد الوطني» لأطراف الاتفاقية نتيجة للمواقف المتشددة التي اتخذتها الأطراف. ومع أنه تم تحقيق تقدم طفيف على كل مسار من هذه المسارات التفاوضية، إلا أن أطراف التفاوض فشلت في التوصل إلى نص تفاوضي واحد، ما أجبر الجميع على تحديد موعد آخر للتفاوض لمدة أسبوع في بانكوك خلال الفترة من 37 سبتمبر/ أيلول المقبل. والمشكلة أن عدد أوراق النص التفاوضي وصل إلى مئات الأوراق، منها 180 ورقة خاصة ب«دليل تعهدات المناخ»، الذي يوجز مواقف الدول لما بعد مؤتمر الأطراف ال23. وهناك قضية تفاوضية ما زالت شائكة، وهي عدم اتفاق الأطراف على ما إذا كان يجب تضمين «المساهمات المعتزمة المحددة على الصعيد الوطني»، التخفيف حصرا، أي خطط وإجراءات خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أم التخفيف، والتكيف، والتمويل، و«الخسائر والأضرار» الناتجة عن عواقب التغيرات المناخية. وهناك خلاف آخر حول ما إذا كان يجب أن يكون هناك دليلان، واحد للدول المتقدمة والثاني للدول النامية، أم إنشاء دليل واحد لكل الأطراف لكن مع الأخذ بعين الاعتبار فترات السماح وفارق القدرات والإمكانيات بعين الاعتبار. وفي حين طرحت الصين والهند ودول أخرى في «مجموعة 77 + الصين»، مجموعة من القواعد إضافة إلى اقتراح هندي سابق باستخدام مبدأ المسؤولية التاريخية للتمييز بين الدول الأطراف فيما يتعلق بالمسؤولية عن تغير المناخ، فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان أصروا على وضع توجيه واحد يسري تطبيقه على جميع الدول الأطراف، وأن تكون «المساهمات المعتزمة المحددة على الصعيد الوطني» قابلة للقياس الكمي. في حين رفضت تركيا ودول أخرى أن تكون التعهدات كمية قابلة للقياس، مثل خفض الانبعاثات بالأرقام المطلقة. وهي طالبت بأن تكون التعهدات محددة من قبل الدول الأطراف في الشكل وكذلك المحتوى.ومع أنه جرى العمل على تقليص حجم النص إلى 14 صفحة فقط، إلا أن الأطراف اختلفت حول المدة التي ينبغي أن تستغرقها عملية التوصل إلى اتفاق تام بشأن «دليل قواعد العمل»، وما إذا كان ينبغي التركيز على مواضيع، مثل التخفيف، والتكيف، أو على الأهداف الثلاثة للمادة الثانية من اتفاق باريس، وهي التكيف، وتدفقات التمويل، وسقف درجة الحرارة المستهدف في المادة الثانية من اتفاق باريس.
مشاركة :