جلالة الملك وفلسفة التوافق الوطني

  • 6/24/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

هذا القرار الذي اتخذه جلالة الملك -حفظه الله- يجب أن نتوقف عنده مليا. نعني توجيه جلالته للحكومة بإعادة بحث مشروعي قانوني التقاعد بالتعاون والتنسيق مع السلطة التشريعية، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار المرئيات والملاحظات التي يبديها المواطنون، والكتاب والصحفيون، وقوى المجتمع المختلفة. بداية، هذا التوجيه يجسد بطبيعة الحال حرص جلالة الملك على أمرين: الأول: مصلحة المواطن البحريني أولا، والتي هي محل الاهتمام الأول من جلالته، ويجب أن تكون كذلك من جانب كل مؤسسات وأجهزة الدولة. والثاني: حرص جلالته على الاستماع إلى صوت الشعب وإلى آرائه ومطالبه. الكل يعلم أن توجيه جلالته هذا جاء بعد جدل واسع أثارته القضية في المجتمع، وبعد آراء ومراجعات نقدية كثيرة عبر عنها الكتاب في الصحف، وعبر عنها المواطنون عبر وسائل مختلفة. وكان من الطبيعي أن يلقى توجيه جلالة الملك ما لقيه من ترحاب شعبي واسع ومن تقدير بالغ من المواطنين. الأمر الملفت الذي توقفت عنده أن جلالة الملك حين أصدر توجيهه، حرص على تذكير الكل بـ«قيم تجربتنا الديمقراطية التي تقوم على التشاور والتوافق في القضايا الوطنية المختلفة». جلالة الملك أراد تذكير الكل هنا، سواء في ذلك مؤسسات وأجهزة الحكومة، أو المؤسسة التشريعية، أو قوى المجتمع المختلفة بأن «التوافق الوطني» هو الفلسفة الأساسية التي يقوم عليها مشروع جلالته الإصلاحي الديمقراطي. هذه الفلسفة يبدو أن البعض في الدولة لم يعد يتذكرها، أو تغيب عن باله عند طرح ومناقشة قضايا وطنية كبرى. وبما أن جلالة الملك رأى أن من الضروري تذكيرنا جميعا بهذه الفلسفة، فمن المهم والواجب علينا أن نعيد التنويه بدورنا بجوهر هذه الفلسفة والحكمة منها وما وراءها بالضبط. تقوم فلسفة التوافق الوطني في جوهرها على أن الغاية الكبرى التي يسعى الكل إلى تحقيقها، سواء الحكومة ومؤسسات الدولة، أو قوى المجتمع المختلفة، هي المصلحة الوطنية العامة. والمصلحة الوطنية العامة تعني بداهة مصلحة الوطن ومصلحة المواطن. وتقوم هذه الفلسفة على أن المصلحة الوطنية العامة تتحقق أفضل ما تتحقق عن طريق التوافق حول القضايا والقرارات الوطنية الكبرى، أي بناء على ما يتم التوافق حوله بين الكل، وبالتالي تحظى بالرضا العام. وعلى ضوء هذا، من المفروض عند نظر وبحث أي قضية وطنية كبرى واتخاذ قرار بشأنها، مثل قضية قوانين التقاعد أو غيرها، لا يجوز أن تنفرد أي مؤسسة في الدولة، أو أي جهة أو قوة في المجتمع، بأن تقرر هي وحدها ما هي المصلحة الوطنية بهذا الشأن، ولا يجوز أن تفرض رؤيتها وموقفها أو قرارها هي وحدها من دون أن تأخذ بعين الاعتبار مختلف الرؤى والآراء والمواقف، وما يتم التوافق بشأنها. هذا هو جوهر فلسفة التوافق الوطني باختصار شديد. ومن المهم هنا أن نعيد التذكير بواحدة من أهم الخطوات والتطورات الكبرى التي شهدتها البحرين ومثلت أكبر تجسيد لهذه الفلسفة. نعني بذلك الحوار الوطني الكبير الجامع الذي شهدته البحرين بعد أحداث 2011. هذا الحوار أراده جلالة الملك حوارا للتوافق الوطني، ولهذا شاركت فيه كل قوى المجتمع ومؤسسات الدولة. كان هذا الحوار من أهم ما شهدته البحرين من تطورات سياسية على الإطلاق، وانتهى بتوافقات كبرى حول إصلاحات في مختلف المجالات، وجدت بالفعل طريقها إلى التنفيذ. فلسفة التوافق الوطني هي أكبر تجسيد للديمقراطية في أفضل معانيها وصورها الإيجابية، وهي تضمن الرشد في اتخاذ القرار وتحقيق المصلحة الوطنية فعلا. لهذا، نأمل ان يكون حرص جلالة الملك على تذكير الجميع بهذه الفلسفة، تنبيها لكل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية لأن تراعي هذا وتلتزم بهذا النهج وهذه الفلسفة مستقبلا عند بحث أي قضية كبرى أو اتخاذ قرار بشأنها.

مشاركة :