العرب وأمراض الحياة العامة - محمد محفوظ

  • 12/9/2014
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

الأمم والمجتمعات التي لا تحسن قراءة الأحداث والتطورات بعمق، ستفاجئها الأحداث وتدخلها في مرحلة، لا تمتلك الاستعداد الكافي لتلبية متطلباتها ومقتضياتها. والأمم الحية هي الأمم القادرة على مواكبة الأحداث والتطورات وفحصها بعمق والانخراط في مشروع الاستعداد لمواجهة كل المتواليات والأحداث كثيرة هي الأحداث والتطورات، التي تصدم الإنسان، وتجعله يفكر ملياً في طبيعة العصر الذي نعيشه، وما هي التأثيرات الكبرى المترتبة على هذه التطورات والأحداث. فما يجري اليوم في المنطقة ليس بسيطاً أو سهلاً، وإنما هي أحداث كبرى ومفصلية وستبقى المنطقة فترة زمنية تعيش تداعيات وتأثيرات ما يجري من الأحداث والتطورات، والجميع يلهث وراء متابعة هذه الأحداث والتطورات. ومن الضروري في هذا السياق أن لا نتغافل عن حقيقة أن ما يجري، ليس وليد الصدفة، وإنما هو نتاج طبيعي لما تراكم من أحداث وتطورات وأخطاء وخطايا في الحقبة الماضية. وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد الجازم، أن الأمم والمجتمعات التي لا تحسن قراءة الأحداث والتطورات بعمق، ستفاجئها الأحداث وتدخلها في مرحلة، لا تمتلك الاستعداد الكافي لتلبية متطلباتها ومقتضياتها. والأمم الحية هي الأمم القادرة على مواكبة الأحداث والتطورات وفحصها بعمق والانخراط في مشروع الاستعداد لمواجهة كل المتواليات والأحداث. فعلى المستوى العربي، لو التفت العرب باكراً إلى طبيعة أحداث وتطورات الجزائر في نهاية عقد الثمانينيات، وقرأوا طبيعة القوى الاجتماعية والسياسية الجديدة، التي تشكلت في الفضاء الجزائري والعربي، لتمكن العرب جميعاً من تجاوز محن وصعوبات الراهن. ولعل الإشكالية العربية الكبرى في هذا السياق، أن غالبية القوى والنخب وبالذات السائدة، لا تحسن قراءة وفحص التطورات التي تجري، وإن ما تمتلكه تجاه هذه التطورات هو مجموعة من الانطباعات والمواقف المسبقة، التي تضمر أكثر مما تظهر، وتمنع اكتشاف العناصر الجوهرية في أحداث وتطورات الراهن. فما جرى في الجزائر في نهاية عقد الثمانينيات، يتكرر بطريقة أو بأخرى اليوم، وإن الإشكاليات والمآزق الكبرى، التي أثارها الحدث الجزائري آنذاك، هي ذاتها الإشكاليات والمآزق، التي تثيرها أحداث وتطورات الراهن العربي. لذلك فإن المطلوب دائما، قراءة واعية وعميقة لأحداث المنطقة وتطوراتها المتسارعة، والالتزام بكل مقتضيات هذه القراءة العميقة، لتجنب دول المنطقة مصائر كارثية وحزينة تشهدها بعض دول المنطقة اليوم. بمعنى أن الأسباب والعوامل التي أفضت وأدت إلى تبلور الحدث الجزائري آنذاك، وكذلك الحدث العراقي اليوم وغيرها من دول المنطقة، هي موجودة ومتوفرة في بلدان عربية أخرى، ولكن الفرق هو في درجة التطور الاجتماعي والسياسي ونضوج هذه الأسباب والعوامل. لذلك ثمة ضرورة لقراءة ما يجري بعمق، والعمل بشكل سريع لتحصين الدول العربية حتى لا تقع فيما وقعت فيه هذه الدول والشعوب التي تعاني اليوم الحروب والويلات. وإن إغماض العين عن حقيقة ما يجري، أو التغافل عن قراءة ما يجري بعمق، لم يغير من معادلة الأحداث والتطورات. فالدول والشعوب التي تعاني من ذات الظروف والأسباب وإن بدرجات متفاوتة، وعملت على تحسين أوضاعها ومعالجة بعض مشاكلها الجوهرية، فهي قادرة على تجنيب واقعها الكثير من الأزمات والمآزق الكبرى. أما الدول والشعوب التي اعتبرت أن ما يجري في المنطقة لا يعنيها بأي شكل من الأشكال، ولم تفحص واقعها الداخلي وتعالج بعض ثغراته، فإنها اليوم أو غداً ستعاني بطريقة أو أخرى مما عانت منه شعوب ودول في المنطقة في اللحظة الراهنة. وهذا ليس رجماً بالغيب أو نظرة متشائمة وسوداوية للأمور، وإنما هو من طبائع الأمور ومتواليات الأحداث الكبرى التي تجري في المنطقة. وإن تأثير هذه الأحداث على مجتمعات وشعوب المنطقة ليس قدراً مقدراً، وإنما هو بحاجة إلى معالجة استباقية تحول دون وقوع هذه الشعوب والدول في الشرك الذي وقعت فيه الشعوب والدول التي تعاني اليوم من مآزق تهدد كيانها ووجودها السياسي. ولو تأملنا في تجارب الأمم والشعوب الأخرى، لوجدنا حقيقة المآل الذي تصل إليه الشعوب والدول التي تتأخر في الإنصات إلى خيارات شعبها واقتحام المستقبل بخطوات مدروسة وواعية تعزز الحياة السياسية والوطنية وتبعد شبح الانفجار السياسي والاجتماعي. وتجربة الامبراطورية السوفيتية واليوغسلافية ليست ببعيدة عنا، حينما تستوطن الأمراض ويتم التغافل عن معالجتها أو يتم التعامل معها باستخفاف، فإن النتيجة الطبيعية لذلك هو تراكم هذه الأمراض واستفحالها وبالتالي العجز وعدم القدرة على معالجتها. وحينما تصل الأمراض إلى هذا المستوى والتراكم والاتساع، فإنها بطبيعة الحال تميت المريض وتقضي على حياته. وهذا ينطبق على عالم الأفراد كما ينطبق على عالم المجتمعات. فعدم الاعتناء بأمراض الحياة العامة، يفاقمها ويعزز تأثيرها السلبي، ويوسع من دائرة النابذين والرافضين لهذه الأمراض. وهذا يفضي في المحصلة النهائية إلى تمكين هذه الأمراض من الجسم الاجتماعي والعام. وحينما تتمكن هذه الأمراض، فإن الأمور تتجه نحو انفجار في لحظة ما، سياسية واجتماعية. وهذا بطبيعة الحال يهدد كيانات الدول واستقرارها العميق. أما الالتفات إلى هذه الأمراض مبكراً، والعمل على علاجها وفق الشروط العلمية والموضوعية للعلاج، فإنه يجنب المجتمعات الكثير من التأثيرات السيئة والاحتمالات السلبية. وعليه نصل إلى هذه الحقيقة، التي تؤكدها الكثير من التجارب والوقائع السياسية والاجتماعية، وهي: أن المجتمعات التي تلتفت إلى أمراضها بشكل سريع وواعٍ، وتمتلك حساسية وممانعة لاستمرارها، فإنها مجتمعات قادرة على تطوير ذاتها وتجربتها بعيداً عن مبضع الجراح، وبدون كلفة كبرى. أما المجتمعات التي لا تلتفت إلى مشاكلها وتتغاضى عن أمراضها بدون فرق بين أن يكون هذا التغافل لعوامل ذاتية أو موضوعية، فإن هذه المجتمعات ستصاب بالمزيد من المحن والأمراض، بحيث بعد فترة زمنية، يصعب عليها معالجة أمراضها، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة في كل الجسم الاجتماعي. وحينذاك لا مناص من الوقوع في براثين المخاطر الكبرى التي تهدد كل عناصر الحياة في هذا المجتمع. من هنا فإن المطلوب دائماً من كل مجتمعاتنا ودولنا إلى الالتفات إلى النقاط التالية: 1 ليس عيباً أن نصاب بمشاكل وأمراض، ولكن العيب كل العيب حينما لا نبذل جهوداً نوعية في معالجة هذه المشاكل والأمراض. فتعالوا جميعاً نلتفت إلى هذه الحقيقة ونعمل من كل مواقعنا الوطنية بما ينسجم وهذه الحقيقة ومقتضياتها. 2 إن معالجة هذه المشاكل والأمراض، يحتاج بشكل دائم إلى تعاون وتضامن متبادل بين مؤسسة الدولة ومؤسسة المجتمع، حتى يتم التخلص من أمراض ومشاكل الراهن. فالمطلوب من الجميع أن يقوم بدوره في سبيل التخلص من الأمراض والمشاكل. 3 من الضروري أن يخرج الجميع في العالم العربي، من المعادلات الصفرية، التي لا تفكر إلا بلونين، ولا تتصور إمكانية التسوية، التي تبحث عن حلول ممكنة، بحيث تتجمع جميع الأطراف في منتصف الطريق. حينما يتخلى الجميع عن ذهنية المعادلات الصفرية، سيتخلص العالم العربي من الكثير من الحروب والمعارك العبثية، التي تدمر ما هو قائم، دون أن تتمكن من بناء الراهن والمستقبل. لمراسلة الكاتب: mmahfood@alriyadh.net

مشاركة :