لم يكره الطابع بأمر الله شيئاً مثل الحديث بضمير (الأنا) مباشرة! ولطالما سخر منه، وحمَّله مسؤولية مرور كتاباتنا دون تأثير؛ مرور الكرام، وأمن الطرق! فما أسهل شخصنة طرحنا: الكاتب زعيط ينتقد التربية والتعليم لأنهم لم ينقلوا قريبته! ومعيط يشرشح البلدية لأنها تحفر أمام بيته! ونطاط الحيط ينتقد التعليم العالي لأنهم لم يتجاوزوا عن شرط المعدل التحصيلي لابتعاث ابنه! كل هذا لأننا استسهلنا الكتابة بأسلوب: أنا قلت.. أنا مبسوط.. أنا ممسوط.. أنا لا أرى لكم إلا ما أرى.. في مقالاتٍ لا تختلف عن سوالف يومية تافهة، لا تعني شيئاً ولا تهم أحداً! والمصيبة أن أسلوب السوالف هذا أصبح هو النموذج لأقلام (كل شي بتغريدة)، التي فتحت الغطاء وقررت فجأةً أن تصبح أقلاماً مهمة، ومؤثرة، ومؤهلة للتنظير، والتحليل، والوصاية على المجتمع: من أسعار البترول والميزانية العامة، إلى قيادة المرأة للسيارة في السوني!! ومن يعجب بي فهو (like) وعبقري لأنه ارتقى إلى مستواي! ومن لم يعجب بي فهو (dislike) ويضرب رأسه في أول (block) أضعه على تعليقاته!! أعود إلى الأخخخ/ أنا، فأقول بعد فاصلٍ من النحنحة، والحقحقة، والطبعنة، والحوقلة والرجعنة (لأن غازي القصيبي مات وهو يكره هذه الأواني اللغوية المستطرقة): لطالما عانيت من الرقابة وعانت مني! ولطالما جنيت من الأصداء، وأساتذتي وزملائي (الرقباء ورؤساء الرقباء) يعانون الأصداع!! ولكننا (بشهادتهم في الوطن والمدينة والشرق واليمامة وفواصل ومكة) كنا نمارس الاحترافية (قَطْرَ المُستدَاع)! والاحترافية تعني الحرية، والحرية تعني المسؤولية، والمسؤولية تعني القانون، والقانون يتيح لك أن تقول ما تشاء، وقتما تشاء، كيفما تشاء، ولكنه في الاتجاه نفسه، والمقدار نفسه يتيح للآخرين أن يرفضوا ما قلت، بل يحاكموك إن تضرروا منه! ولأن هذا القانون غائب (فيذا) حتى الآن، يصبح الرقيب، في أحيان كثيرة، كجرَّاحٍ يضطر لاستخدام مشرطه، مع إحساسه وتقديره لـ(أم المريض)، وهي ترى (فلذة كبدها) تُقَطَّع، ويرمى جزء منها للكلاب والقطط! وهو ما حدث في مقالة أمس: (أحلام: من البراطم إلى الحذاء)؛ فهل شعر قارئٌ ما، أو قارئة أم بشيء مفاجئ؟ كاستهداف الحذاء لرأس جورج بوش مثلاً ؟!! نقلا عن مكة
مشاركة :