منذ صغري إلى هذه اللحظة، تشدني زيارة المكتبات والتعرف على أحدث الإصدرات الروائية في العالم، حيث إنني أفضلها على الدوام، مهما كان حجمها وحبكتها وأسلوبها، لاسيما إذا كان الأمر يتعلق بروائي ترك بصمة ذات أثر كبير في كياني، كيف لا وهي أداة معرفة بالنسبة لي في أغوار هذه الحياة المعقدة.على الرغم من تأخر ظهور الرواية العربية إلا أنني أرجحها على الروايات المترجمة، ولو رجعنا إلى التاريخ، فسنجد أن الشعر تفوق عليها عند العرب، كيف لا وهو احدى عاداتهم، وهو أحد أسباب تأخر ولادتها، فأول ظهور لها كان في العام 1867م، حيث تضمنت على الكثير من الأساليب البلاغية بطريقة غير متجانسة بالإضافة إلى المعلومات غير الصحيحة والخيالية.وتعتبر روايات جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة أنها أولى الروايات التي أحدثت تطورا ملموسا في تاريخ الرواية العربية، لما احتوت من مضامين إنسانية وتاريخية وثقافية. إلى ذلك، فإنه في العام 1914 حصل للرواية نقلة نوعية مهمة على يد الكاتب محمد حسين هيكل عن روايته «زينب»، لتوفر العناصر الفنية الأساسية الروائية وفقا للمدرسة الغربية فيها. ويصعب أن نتجاهل بقية الرواد ومنهم طه حسين ونجيب محفوظ الذي يعد أمير الرواية العربية كما لُقب.يسلط الكاتب عبدالرحمن منيف في كتابه «الكاتب والمنفى» الضوء على موضوع الرواية العربية وعلاقتها بالمتغيرات والظروف السياسية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة العربية وبالأخص الخليجية، حيث يورد ثغرات يلحظها في كتابة الرواية وبنائها السردي. أولها كتابة الحوارات الداخلية في لب النص، اذ انه يُشكل كتابته باللغة الفصيحة أو بالعامية إجمالا، و يرى أن يتم المزج بينهما،ليفهم القارئ الحوار بالشكل المطلوب.يذكرني كلام منيف بحوار مفتوح حضرته العام الماضي للكاتب والمترجم ناصر الظفيري، فقد كان حديثه يدور حول نفس الإشكالية في الحوارالداخلي للنص،خصوصا أنه عندما يقوم بعملية ترجمة النصوص غير العربية، فإنه يقع في المشكلة ذاتها، والصعوبة تبدأ في المفردات العامية وترجمتها بحرفية عالية إلى لغة أخرى ترقى للمستوى المناسب.وبالرجوع إلى منيف، فإنه يتحدث عن ثغرة أخرى في الرواية، وهي أن يتغير المفهوم التقليدي لشخصية البطل داخل الحبكة الروائية والتي تقتصر دوما أن يكون البطل ملكا أو حكيما، بل يجب أن يتخلص الروائي من هذا التفكير،و أن تتوزع الأدوار بشكل صحيح وحتى إن كانت شخصية ثانوية. ما يعيه أن يكون الروائي المعاصر ملتصقا بهموم الناس ومشاكلهم وكل ما يدور في حياتهم.ويضيف أيضا أن من المظاهر اللافتة في الرواية العربية وجود مقدار هائل من الزخرفة اللغوية، بمعنى وجود زخم كبير من الألفاظ والمفردات الصعبة التي لا تتناسب مع بيئة النص بل تزيده تعقيدا وغموضا، كذلك يكثر تواجد كلمات وجمل أقرب إلى الشعرية وهذا ما يحول على القارئ فهمها ولا يمد بصلة بالبنية الروائية التي تختلف اختلافا كلياً عن البنية الشعرية، فاللغة الأدبية لا تعتبر رصينة بسردها من القاموس اللغوي بقدر رصانة أسلوب كاتبها.أنا اليوم تفرحني حقا عندما تتصدر الإنتاجات الأدبية الواعية صالات المعارض الثقافية وتزدان لو كانت شابة، ولكني أقول اننا نحتاج المزيد من المساحة، لتخلد الرواية العربية عنوانا للأمل والسلام والحب على امتداد الزمن.* كاتبة بحرينية
مشاركة :