بالتعديل الثالث لقانون الانتخابات في مجلس النواب، وبحكم المحكمة الاتحادية بصلاحية هذا التعديل، قد ثبت بالدليل القاطع والبيّنة الجليّة مرّة أخرى أنّ الانتخابات البرلمانية الأخيرة قد جرى التزوير فيها، ابتداءً وانتهاءً. ما عاد ثمة مجال للجدال والنقاش في هذا. هذه ليست المرة الأولى التي تُزَوَّر فيها الانتخابات، ولا هي الثانية. منذ أول انتخابات كان التزوير سيد الموقف في كل عملية انتخابية. لكنّ الطبقة السياسية المتنفّذة كانت تتوافق في ما بينها فيتستّر بعضها على بلايا البعض الآخر وعلى دوره في التزوير.. كلهم مزوّرون في الانتخابات، كما في الشهادات والوثائق وسواها. مجلس النواب شكّل هيئة مفوضين جديدة لإدارة عملية العدّ والفرز، والمحكمة الاتحادية صدّقت على هذا، لكن لا المجلس ولا المحكمة بيّنا لنا كيف سيُمكن ضمان الكشف عن حالات التزوير ونبذها والإبقاء على الأصوات غير"الملعوب"بها!.. هل ثمة ما يُقيم الدليل على وقوع التزوير في هذا الصندوق من دون غيره وفي ذاك المركز الانتخابي من دون سواه وفي تلك المحافظة أو المنطقة من دون غيرها؟ عمليّات التزوير لم ترتكبها أجهزة العدّ والفرز الإلكترونية من تلقاء نفسها كما يُراد أن يُوحى لنا.. التزوير مارسه البشر، وهم موظفو المفوضيّة المبثوثون في مراكز الاقتراع، وخلفهم تقف القوى السياسية المتنفّذة التي عيّنتهم ومسؤولوهم، بمَنْ فيهم أعضاء مجلس المفوضية، فكيف للقضاة التسعة الذين أوكلت إليهم مهمة إدارة المفوضية أن يكتشفوا مَنْ ذا الذي زوّر ومَنْ ذا الذي كان شريفاً ونزيهاً ووطنياً فرفض التورّط في ارتكاب هذه الجريمة؟ وكيف للقضاة التسعة ضمان أنّ حليمة (موظفي المفوضية الذين كانوا أداة للتزوير لصالح الأحزاب التي عيّنتهم) لن تعود إلى عادتها القديمة هذه المرّة أثناء عمليات العدّ والفرز اليدوي؟... في الانتخابات السابقة كلها كان العدّ والفرز يجريان يدوياً، وكانت تجري معهما عمليات التزوير والتلاعب. فضلاً عن هذا، هناك عمليات تزوير يستحيل الكشف عنها بمجرد إجراء عملية العدّ والفرز يدوياً، منها مثلاً أنّ قوى سياسية وميليشيات أرغمت الناخبين في عدد من المناطق على الاقتراع لصالح مرشحين بعينهم، وهناك جهات ومرشحون اشتروا أصوات بعض الناخبين بالمال أو بالمواد العينية أو بوعود التعيين في وظائف، وهناك مَنْ اشتروا بطاقات انتخابية مسبقاً واستخدموها في يوم الاقتراع لصالح مرشحين بعينهم، وهناك موظفون في المراكز الانتخابية قدّموا"مساعدة"مُغرضة لناخبين، وبخاصة من كبار السنّ والمرضى والأميين، فجيّروا أصواتهم لصالح مرشحين عن الأحزاب والقوى التي جاء منها هؤلاء الموظفون. يبقى السؤال الأهمّ: كيف سيضمن تسعة فقط من القضاة أنّ مياه التزوير لن تجري من تحت أقدامهم هذه المرّة؟ العلّة الحقيقية ليست في أجهزة العدّ والفرز الالكترونية ولا في مجلس المفوضية العليا ولا في موظفي المفوضية.. العلّة في النظام السياسي الذي بُنيَ على أساس باطل: المحاصصة.. وكل ما يُبنى على باطل باطل. وعليه فإن كل هذه"الخبصة"البادئة بإجراء الانتخابات والمنتهية بتعديل قانون الانتخابات وحكم المحكمة الاتحادية بشأنه، ليس لها سوى مآل واحد، هو إعادة تدوير نفايات العملية السياسية الفاسدة والباطلة في الأساس.
مشاركة :