ميشيل فوكو.. فيلسوف المهمشين

  • 6/25/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هو واحد من المفكرين الذين تحتار في تصنيفهم العلمي وحتى الأكاديمي، انه ميشيل فوكو الذي تمر اليوم 25 يونيو ذكرى وفاته، ولد فوكو في "بواتيه" بفرنسا في 15 أكتوبر 1926، بدأ دخول الحياة الأكاديمية في حقبة الستينيات حيث شغل عدة مناصب في الجامعات الفرنسية قبل إنتخابه عام 1969 للتدريس في الجامعة الفرنسية "الكوليج دي فرانس" والتي تعد أهم جامعات فرنسا، حيث عمل أستاذا لتاريخ نظم الفكر حتى وفاته. ومنذ العام 1970 أصبح فوكو ناشطا على المستوى السياسي حيث كان المؤسس لجمعية أخبار السجون وتظاهر دفاعا عن حقوق المثليين والمجموعات المهمشة الأخرى، حاضر فوكو كثيرًا خارج فرنسا وخصوصا في الولايات المتحدة وفي 1983 وافق على أن يدرس بشكل سنوي في جامعة كالفورنيا بيركلي. نشرت بعض أعماله أثناء حياته، وتم نشر محاضراته في الكوليج دي فرانس بعد وفاته وهي تتضمن توضيحات وإمتدادات لأفكاره.ويعد من الصعوبة كما أشرنا في البداية التفكير في فوكو كفيلسوف. فتكوينه الأكاديمي في مجال علم النفس وتاريخه بنفس القدر في الفلسفة. كتبه في الغالب هي تواريخ للعلوم الطبية والإجتماعية، كان شغوفا بالأدب والسياسة.هناك حالة من التشابه أو ان شئنا الدقة حالة من التقارب بين سارتر وفوكو، حيث بدأ فوكو كما سارتر بكراهية شديدة للمجتمع البرجوازي وثقافته وبتعاطف عفوي مع الجماعات المهمشة على جوانب المجتمع البرجوازي مثل الفنانين والممثلين والسجناء والمثليين وأمثالهم. كما أن الإثنين متشابهان في إهتمامهما بالأدب وعلم النفس كما الفلسفة، وكلاهما أيضا، تحولا إلي ناشطين مؤثرين بعد عزوف مبكر نسبيا عن السياسة. ومع هذا التشابه، كان فوكو مصرًا -في النهاية- على تعريف نفسه بالتضاد مع سارتر. فعلى الصعيد الفلسفي مثلا. رفض فوكو مركزية الذات عند سارتر "والتي هزأ بها بوصفها نرجسية"، كما رفض فوكو على صعيد شخصي وسياسي دور سارتر "كمفكر عالمي" حيث يحكم الأخير على المجتمعات من داخل "مباديء كونية/متعالية". هناك مجموعة من العوامل التي شكلت فلسفة فوكو أو على الأقل كانت الأكثر أهمية وإيجابية بالنسبة لفوكو. الأول كان التراث الفرنسي في تاريخ وفلسفة العلم، ممثلة بأعمال جورج كانجيلهام، أحد الرموز القوية والمؤثرة في المؤسسة الجامعية الفرنسية، إذ قدمت كتاباته في تاريخ وفلسفة البيولوجيا، نموذجًا للكثير مما سيقوم به فوكو بعد ذلك في تاريخ العلوم الإنسانية. أشرف كانجيلهام على أطروحة فوكو للدكتوراة عن "تاريخ الجنون" وظل أحد أهم المؤيدين والمناصرين لفوكو طوال مسيرته، كان منظور كانجيلهام لتاريخ العلم "وهو منظور طوره من كتابات جاستون باشلار"، خير عون لفوكو إذ أمده بحس قوي كوني بالقطيعات في تاريخ العلم، وفوق هذا أمده بفهم"عقلاني" للدور التاريخي للمفاهيم. هاتان القدرتان جعلتهما متحررين من الوعي الفينومينولوجي المتعالي.وكذلك وجد فوكو مايدعم هذا الفهم في اللسانيات البنيوية وعلم النفس اللذين طورهما فريناند دي سوسيو وجاك لاكان وأيضا في عمل جورج دومزيل البنيوي الأول من نوعه في "الدين المقارن"، كل هذه المواقف المضادة للذاتية أوجدت السياق لتهميش فوكو للذات في "تواريخه البنيوية، ميلاد العيادة "في أصول الطب الحديث"، الكلمات والأشياء "في أصول العلوم الإنسانية الحديثة".أما العامل الثالث فهو الذي فتن به فوكو الأدب الفرنسي خصوصا كتابات جورج باتاي وماريو بلانشو، فوجد فيه الواقعية التجريبية للوجودية الفينومينولوجية سالمة من التترس بسياجات الافتراضات الفلسفية المشبوهة عن الذاتية. وعلى جانب خاص من الأهمية كان الإستحضار الأدبي "للخبرات-المحدودة".ومن بين الكتب التي تناولت حياة ميشيل فوكو الشخصية والفكرية كتاب "فوكو، فكره وشخصيته"، تأليف: بول فين، حيث يؤكد المؤلف، أنه رغم نزعة الشك الكبيرة الموجودة لدى فوكو، أنه كانت لديه قناعة ثابتة حول أن الإنسان كائن غير مستقر، وكان يرى أن الحياة قد وصلت مع الإنسان إلى كائن حي لا يوجد أبدا في الموقع الذي ينبغي أن يكون فيه، هذا فضلا عن أنه محكوم عليه بالتيه وبأن يكون مخدوعا.ومن الأفكار الأساسية التي يقدم فيها بول فين، صورة مغايرة لميشيل فوكو من الصورة المألوفة تأكيده أن هذا الفيلسوف، خليفة نيتشه، لم يكن مقتنعا أبدا بعدد من القيم التي وصفتها حقبته بأنها كونية، خاصة تلك المتعلقة بـ "الديمقراطية وحقوق الإنسان، ودون نسيان المساواة بين الجنسين".أما على صعيد الأفكار السياسية إن فوكو يتم تقديمه كـ «محارب» أكثر مما هو فيلسوف، ولكنه محارب تحركه حميته الشخصية وغضبه، محارب ولكن أيضًا فنان، وفنان متوحد.ولا شك ان فوكو ما زال حتى الأن يمثل سطوة كبرى في مجال الدراسات الفلسفية الغربية، ومازال خطابه يمتلك سلطته المؤثرة على فلاسفة الغرب المعاصرين، فهو يمثل ظاهرة في الفكر العالمي، اذ استطاعت اطروحاته ان تحدث تحولات كبيرة في المجالات التي تصدى لها سواء كان في مجال الفلسفة والنقد الادبي، وعلم النفس، والتاريخ السياسي، والطب، أوالحقوق.وينطلق الكاتب المغربي د. الزواوي بغورة، في دراسته عن فوكو، من ان مفهوم الخطاب يعد مقاربة فلسفية صالحة لقراءة فلسفة فوكو من جهة، واستنباط طريقة للبحث الفلسفي من جهة اخرى، مقاربة لا تشكل اجابة على بعض اسئلة فلسفة اللغة فحسب، ولكنها اجابة على جملة من الاسئلة المعرفية والسياسية والاخلاقية، كما تبين له هذه المقاربة ايضًا ان الموضوعات الكبرى التي ناقشها فوكو، وهي المعرفة والسلطة والاخلاق، قد تم تحليلها بواسطة الخطاب، الذي يتميز عن اللغة والنص والاثر والفرع المعرفي، وذلك ضمن مجالين اساسيين هما: التاريخ والفلسفة.ويعد كتاب "الكلمات والاشياء" لفوكو خلاصة نظرته الفلسفية، وتتويجًا لهذه النظرة ايضًا، اذ يعكس تصوره عبر مستويات ثلاثة هي: المستوى الذاتي والادبي، والمستوى العلمي والتاريخي، والمستوى الفلسفي، حيث ارتبطت اللغة عنده بقضايا فلسفية كالتناهي والكينونة والانسان، وفي هذه النقطة ظهرت خصوصية فوكو مقارنة بنيتشه وهيدجر، وبالتيارين التأويلي والتشكيلي. هذه الخصوصية قائمة على البحث الاركيولوجي في اللغة، وفي تجارب لغوية خاصة كتجربة الجنون والمرض. الا ان هذا التصور للغة لم يشكل الا مرحلة فكرية من حياة فوكو، ارتبط فيها بالادب وبالنزعة البنيوية في بعض اطروحاتها، لينتقل الى مستوى اخر من التحليل بعدئذ، هو مستوى مفهوم الخطاب.

مشاركة :