أثار عدم احتفال محمد صلاح بهدفه في مرمى السعودية الشكوك حول ما تردد عن استيائه من استغلاله سياسيا من قبل رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان خلال مشاركة مصر في كأس العالم الحالية في روسيا حيث استضافت غروزني عاصمة الشيشان مقر بعثة "الفراعنة".وتعرض قرار اختيار مصر للإقامة في غروزني للكثير من الانتقادات باعتبارها مدينة بعيدة عن قلب الأحداث في بطولة كأس العالم لكن الاتحاد المحلي أعلن أن قراره جاء لاعتبارات عديدة وفق نظم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) واللجنة المنظمة للبطولة.وأكد الاتحاد المحلي أن اختيار غروزني كان لأسباب فنية بتجاور ملعب التدريب مع فندق الإقامة حيث أنه ملاصق للفندق وباعتباره أفضل ملعب تدريب من الملاعب المتاحة ويبعد مقر الإقامة عن المطار بسبع دقائق فقط فضلا عن الهدوء.ونفى الاتحاد في بيان رسمي تحمل الشيشان لأي تكاليف من إقامة مقر البعثة على أرضها ، مؤكدا أن الفيفا هو من يتحمل إقامة المنتخبات المشاركة في البطولة بخصم التكلفة من الحصة الممنوحة لجميع الفرق المشاركة، بما لا يدع أي مجال لأي جهة أخرى دفع أي مستحقات مالية على المنتخب المصري.وفسر تاج الدين سلطان مدير فندق الذي أقامت فيه البعثة المصرية الأمر قائلا لوكالة الأنباء الفرنسية "تواصلت مع الفيفا لأخذ أي فريق مشارك في كأس العالم، لكن آنذاك كانت العقود منتهية.. عندما أدرك الفيفا موقع الفندق (يبعد خطوات عن ملعب أحمد آرينا) أعاد التواصل معنا، ثم أصرت مصر على المجيء إلى هنا".يضيف سلطان "أعتقد أن مصر فضلت هذه المدينة لأنها في جمهورية إسلامية محافظة، ولا مجال للسهر أو العثور على نواد ليلية، كما أن الطعام الحلال مهم جدا بالنسبة اليهم. لقد بحثوا في 5 أو 6 مدن قبل ان يتخذوا قرارهم".أزمة صلاحكل هذه الأزمات أثيرت فور وصول بعثة مصر إلى الشيشان وتحدثت عن شيء واحد هو استغلال قديروف لشعبية صلاح الطاغية في جميع أنحاء العالم لأهداف سياسية ، حيث استقبله ودار معه حول ملعب أحمد آرينا وحرص على التقاط عدة صور مع نجم ليفربول وهداف الدوري الإنجليزي الممتاز.وقبل مغادرة البعثة لغروزني منح وسام المواطن الفخري للاعب وذلك أثناء مأدبة لوداع الفريق الذي خرج من بطولة كأس العالم قبل مباراة على نهاية دور المجموعات.وكتب قديروف عبر قناته الرسمية على تطبيق تليغرام "محمد صلاح مواطن فخري لجمهورية الشيشان. نعم هذا صحيح! وقعت مرسوما بمنح لاعب كرة القدم العظيم ولاعب المنتخب المصري وليفربول هذه الجائزة الكبرى".وخلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) الأسبوع الماضي، نفى قديروف الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وسخر من تصور أنه يستغل وجود صلاح في أغراض دعائية.وقال "لا نستغل مثل هذه الأمور في السياسة... لم أوجه الدعوة إلى محمد صلاح أو المنتخب المصري، لقد اختارونا بأنفسهم".كرة القدم والاستغلال السياسيوسبق لقديروف أن استقبل العديد من أساطير كرة القدم في غروزني ، حيث التقى من قبل مع دييغو مارادونا ورونالدينيو لكن مع استضافة روسيا لكأس العالم ولمعان اسم صلاح في سماء العالم زاد من الانتقادات في ظل العلاقات المتوترة بين بريطانيا وروسيا وانتشار هذه الانتقادات والهجوم على صلاح في الإعلام البريطاني باعتباره نجم كبير ولا يجب أن يقع في مثل هذه الهفوات التي تجعله عرضه للانتقادات.لكن لماذا أثير أمر استغلال قديروف لصلاح؟ ففي مدينة غنية بالنفط دمرتها حربان طاحنتان في التسعينات، تعد كرة القدم رياضة شعبية لذلك يتم استغلالها في تلميع صورة قديروف.لم يفوت قديروف (41 عاما) الذي يوصف بـ "الفتى المدلل" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فرصة لإعلاء شأن الهوية الرياضية لمدينته حيث افتتح في 2011، ملعب "أحمد آرينا" بسعة ثلاثين ألف متفرج وكلفة 280 مليون دولار أمريكي ، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، مطلقا عليه اسم والده الذي قتل في عملية اغتيال عام 2004 في ملعب دينامو السابق.قديروف افتتح الملعب بمباراة بين فريق من القوقاز شارك في صفوفه بنفسه وسجل ثلاثية، ضد فريق من النجوم العالميين السابقين ضم الأرجنتيني مارادونا والبرتغالي لويس فيغو والإيطالي فرانكو باريزي.كما احتفل قديروف الذي تتهمه منظمات غير حكومية بانتهاكات لحقوق الانسان، وهو ما ينفيه، بعيد ميلاد بوتين الـ65 في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بمباراة استعراضية شارك فيها نجوم إيطاليا السابقون باريزي ودينو باغيو وسالفاتوري سكيلاتشي، في ما وصفه معارضوه بأنها محاولة لتلميع صورته أمام السكان الذين يعتقدون أن بوتين كان سببا في تدمير مدينتهم في حرب الشيشان الثانية.وفي نوفمبر/ تشرين الثاني2016، استقبلت غروزني أول مباراة لمنتخب روسيا في كرة القدم، ففازت وديا على رومانيا بهدف لمحمد أوزدوييف المولود في غروزني وفي 2004 صعد فريق تيريك غروزني إلى الدرجة الروسية الأولى، وأحرز لقب الكأس بعد نهائي مثير ضد كيريليا سوفيتوف وتأهل إلى الدوري الأوروبي (خرج من الدور الثاني). وأشرف قديروف على النادي وتعاقد مع الهولندي رود غوليت مدربا للنادي لكن نجم ميلان السابق قال في المؤتمر الصحافي لتقديمه إنه لم يكن يعرف شيئا عن النادي. وأقيل بعد ستة أشهر بسبب سوء النتائج.غير قديروف اسم النادي إلى أحمد غروزني مطلع 2017، كما فعل في بعض أندية الألعاب القتالية نسبة إلى والده الراحل وأشار النادي إلى أن جماهيره طالبت بالتغيير تكريما لقائدهم الراحل.روسيا المستهدفة من الهجوم على قديروف لا يجب أن إغفال العلاقات المتوترة حاليا بين روسيا والغرب خاصة بريطانيا بسبب حادثة تسميم الجاسوس السابق سيرجي سكريبال، الكولونيل السابق في المخابرات العسكرية الروسية، وابنته يوليا خارج مركز تجاري في مدينة سالزبري بجنوب بريطانيا في الرابع من مارس/ آذار الماضي.ومنذ هذا التاريخ وهناك حرب إعلامية بين البلدين حيث يقف الغرب إلى جوار بريطانيا التي استغلت كأس العالم للهجوم على كل ما هو روسي وكان الهجوم على قديروف واستغلاله لصلاح سياسيا أحد أدوات هذه الحرب حيث انتقدت صحف بريطانية عديدة منها "تايمز وغارديان" موقف صلاح بينما قالت شبكة "سي.إن.إن" الأمريكية إن مهاجم منتخب مصر ينوي الاعتزال دوليا بعد كأس العالم بسبب ما وصفته بأنه "استغلال سياسي" لشعبية نجم ليفربول".الرئيس الشيشاني أعلن في أكثر من مناسبة أنه يهب حياته دفاعاً عن روسيا، وعن الرئيس بوتين ودائما ما يردد أمام جيشه وجنوده؛ بأن رئيس الشيشان وجنود الشيشان جميعهم مستعدون للتضحية من أجل الرئيس بوتين، ومن أجل الدفاع عن روسيا، كما ظهر في شريط مصور أمام حشد كبير من الجنود الشيشانيين، وهو يؤكد أنه مستعد للموت من أجل روسيا والرئيس بوتين.العلاقة بين قديروف وبوتين قوية للغاية لدرجة حصول قديروف على ميدالية "بطل روسيا" من الرئيس بوتين مقابل مواقفه الشجاعة وخدمته روسيا الاتحادية ومشاركته في حماية وسلامة الأراضي الروسية، ويعد وسام "بطل روسيا" أرقى وسام تمنحه المؤسسة العسكرية في روسيا ويحصل عليه الأبطال الذين خدموا روسيا ويمنحه الرئيس الروسي شخصياً.محاربة بوتين قبل التحول لدعمهقديروف قاد مع والده الراحل جهاديين مسلمين متمردين بهدف الانفصال عن الحكومة الروسية، خلال حرب الشيشان الأولى في الفترة ما بين عامي 1994 و1996، إلا أنهما عادا وانفصلا عن باقي الجهاديين بسبب خلافات بين الميليشيات الانفصالية، ووقفا بجانب القوات الفيدرالية الروسية فى حربها مع الجماعات الإسلامية الشيشانية.في الحرب الشيشانية ضد الروس، قاد الشاب رمضان ميليشيا عسكرية كانت تسمى بـ"قديروفيتسي"، إلى أن دب الانقسام بين الانفصاليين بسبب رفض الأب مشاركة المجاهدين العرب في الحرب.انتهى الأمر بانضمامهما إلى صف القوات الروسية ضد الانفصاليين والعرب. وتحوّلت ميليشيا "قديروفيتسي" في ما بعد إلى قطاع الحراسة الخاصة به، محافظة على الاسم نفسه.جنى الوالد أحد قديروف ثمار مواقفه في الحرب الشيشانية الثانية باختياره رئيساً لجمهورية الشيشان المستقلة عام 2003، لكنه لم يهنأ بالمنصب كثيراً واغتيل بعدها، تسلم الابن راية القيادة تدريجياً بدعم من الرئيس الصاعد بوتين، فعُيّن عام 2004 نائباً لرئيس الوزراء ثم رئيساً للوزراء.لم يكن قد مضى على إتمامه الثلاثين من عمره إلا ثلاثة أشهر فقط حين عُيّن رئيساً مؤقتاً للشيشان في فبراير/شباط 2007، بعد تنحية علي ألخادوف، وهنا يظهر بوضوح استغلال بوتين لبلوغه الثلاثين، الحد الأدنى لتولي مقاليد الحكم في الشيشان.هل يحتاج قديروف لتلميع صورته؟فرض قديروف نفسه كرجل دولة قوي منذ اللحظة الأولى بحربه الشرسة على العناصر المتمردة في القوفاز وبإعادة إعمار الشيشان، فحوّل غروزني من مدينة جبلية إلى عاصمة جميلة حضارية، بجانب بناء أكبر مسجد في أوروبا. كل ذلك عوامل جعلته يحظى بتعاطف شعبي كبير وكسب ثقة بوتين.وقالت "بي.بي.سي" إن قاديروف يفرض منذ تعيينه رئيساً لوزراء جمهورية الشيشان، قيوداً على الحريات الشخصية، وتحديداً المتعلقة بالنساء، فقد بارك قديروف زيجات كثيرة لمراهقات بضباط شرطة يكبروهن بعقود، إرضاء لرجاله المخلصين، كما شكل لجنة لتعيد الأزواج المطلقين إلى بعضهم، مبرراً رفضه للطلاق بحجة أن الأطفال الذين يأتون من أسر مفككة سيكونون أكثر عرضة للتطرف والتجنيد من قبل المتطرفين في القوقاز.
مشاركة :