أرباح قناة السويس وخسائر شهادات استثمار المصريين

  • 6/26/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في العام 2014 ، سجلت عائدات قناة السويس رقماً قياسياً بلغ 5 بلايين و465 مليون دولار، وهي قيمة الرسوم المحصلة من السفن العابرة والتي بلغ عددها 17148 سفينة، وكان عاماً استثنائياً، والأفضل في تاريخ القناة منذ نحو 149 سنة. لكن هذه العائدات تراجعت في السنوات اللاحقة الى 5.17 بليون دولار عام 2015، ثم الى نحو 5 بلايين عام 2016. ومع تحسنها في العام 2017 حيث بلغت 5.3 بليون دولار، لم تصل الى الرقم القياسي التاريخي الذي سجلته منذ أربع سنوات. وتأمل إدارة القناة بأن تتجاوزه في العام الحالي، استناداً الى عائدات الأشهر الخمسة الأولى (كانون الثاني - يناير ـ أيار- مايو) والبالغة 2.33 بليون دولار، بزيادة 13 في المئة عن الفترة ذاتها العام الماضي. منذ افتتحت مصر القناة في السابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1869، في عصر الخديوي إسماعيل، زادت الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر، وجعلت منه صلة الوصل بين المحيط والبحر المتوسط، وأحدثت تطوراً كبيراً في حركة التجارة العالمية التي كانت تشهد ازدهاراً غير مسبوق بسبب الثورة الصناعية، وأصبحت معبراً إستراتيجياً بين آسيا وأوروبا، وواحداً من أهم المعابر البحرية في العالم، وتشكل إيراداتها مصدراً رئيسياً للخزينة المصرية. ترتبط عائدات القناة بتطور ثلاثة عوامل رئيسية: أولاً، معدل نمو الاقتصاد العالمي، وتطور حركة التجارة العالمية التي تعتمد بشكل رئيسي على النقل البحري، فإذا تسارعت حركة الإنتاج في الصين والولايات المتحدة، وزادت معدلات الاستهلاك في أوروبا، ترتفع حركة المرور في القناة، ويحصل العكس مع تراجعها وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي. ثانياً، تطور أسعار النفط العالمية، بما ينعكس على حركة مرور الناقلات وقيمة الرسوم المحصلة. ثالثاً، تعديل قيمة الدولار أمام حقوق السحب الخاصة SDR، وهي العملة المتعامل بها في تسديد رسوم المرور في قناة السويس. ويتم تحديد قيمتها باستعمال سلة من العملات، على ان تراجع كل خمس سنوات للتأكد من أن العملات الداخله فيها هي المستعملة في المبادلات الدولية، وإن قيمتها وأوزانها تعكس أهمية هذه العملات في الأنظمة المالية والتجارية، وتقوم هيئة القناة كل عام عند اعداد دراسات الرسوم بتوقع قيمة الـ SDR خلال السنة التالية، وذلك سعياً للتحوط من تقلبات اسعار صرف العملات الدولية والحفاظ على حصيلة الرسوم. بما أن أموال عائدات القناة تدخل خزينة الدولة وفي موازناتها السنوية، فقد ترجمت أرباحاً مضاعفة في حساباتها المالية بالجنيه المصري، إذ بلغت في موازنة العام 2014 - 2015 نحو 39 بليون جنيه، وزادت سنوياً بشكل تدريجي الى أن بلغت 91 بليون جنيه في العام المالي 2017 - 2018، وقدرت بأكثر من 103 بلايين جنيه في العام 2018 - 2019 الذي يبدأ في الأول من تموز (يوليو) المقبل. وهكذا يلاحظ أن الفارق الكبير في عائدات القناة ناتج عن تدهور سعر صرف الجنيه من 8 جنيهات للدولار عام 2014 الى 18 جنيهاً حالياً. سبق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ان افتتح في السادس من آب (اغسطس) 2015، وبحضور بعض رؤساء دول العالم قناة السويس الجديدة، وخلال فترة قياسية لم تتجاوز السنة، وهو مشروع ضخم يتعلق بازدواج القناة بما يسمح بمرور 97 سفينة يومياً بحلول عام 2023 مقارنة بـ49 سفينة حالياً، كما أن هذا الشريان المائي العالمي سيسمح بسير السفن في الاتجاهين، وسيقلل من ساعات الانتظار، وتشير التقديرات إلى زيادة مرتقبة في الإيرادات لتبلغ 13.2 بليون دولار سنوياً في العام 2023 ، فضلاً عن استثمارات ضخمة في مشاريع متعددة ومتنوعة، تجارية وصناعية وموانئ وخدمات مختلفة. وتبرز أهمية هذا المشروع العملاق كونه يشكّل إنجازاً ستنعكس نتائجه على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس في مصر وحدها، بل سيخلق صرحاً اقتصادياً مهماً في المنطقة العربية، وسيفتح آفاقاً من التعاون الاقتصادي والاستثماري بين مصر وسائر دول الوطن العربي، وبما يعزز مسيرة التكامل بين الدول العربية، ويبرز دورها المحوري في الاقتصاد العالمي. وللمرة الأولى، لجأت الحكومة الى مدخرات المصريين لتمويل كلفة هذا المشروع البالغة نحو 8 بلايين دولار، عن طريق اطلاق شهادات استثمار في أيلول (سبتمبر) 2014، ولمدة خمس سنوات بفائدة 12 في المئة، ثم رفعت الى 15.5 في المئة، تنتهي في العام المقبل. ونتيجة الاندفاع الكبير للمصريين، تم جمع 64 بليون جنيه خلال فترة 8 أيام فقط، في ظل حماس كبير للمساهمة في تمويل مشروع عملاق قومي، لا تقتصر فوائده على مصر فقط، بل المنطقة العربية والعالم. ولكن مع تدهور سعر صرف الجنيه، برزت خسائر المصريين المساهمين بشهادات استثمار قناة السويس الجديدة، بفارق كبير نتيجة ارتفاع التضخم إلى أكثر من 30 في المئة، متجاوزاً نسبة الفوائد المتحققة، إذ انخفضت قيمة مدخراتهم. وبما أن معظم نفقات تنفيذ المشروع هي بالدولار، فإن المبلغ المجمع بالجنيه لم يكف لتغطيتها، لذلك اضطرت إدارة القناة إلى اقتراض نحو 1.4 بليون دولار من البنوك المصرية. وفي الوقت ذاته، أكدت وزارة المال إستعداد الحكومة لسداد أصل تلك الشهادات قبل موعد استحقاقها.

مشاركة :