فازت منذ بضعة أشهر، الفتاة السعودية “دنى الغامدي” ببطولة القائد الدولية للملاكمة لعام 2018، متفوقة على غيرها من المنافسات من الدول الأخرى. من المثير للدهشة، أنَّ “دُني” لم تكن فتاة رياضية ذات قوام مثالي كما قد يعتقد البعض، بل كان وزنها يتعدى المائة كيلو جرام، علاوة على نشأتها في ظل المجتمع السعودي المحافظ، وحديث العهد فيما يخص السماح للنساء بممارسة أنواع الرياضة المختلفة، خاصة تلك التي تقتصر على الرجال كالملاكمة وغيرها؛ فكيف كان لكل من الحظ والإرادة دور بارز، سطر نجاح تلك الفتاة التي لُقبت بـ”بطلة العرب” وهي ابنة العشرين ربيعًا؟. بداية بائسة منذ أربع سنوات فقط، لم يكن هناك ثمة صلة بين “دُنى” ومجتمع الرياضة برمته؛ إذ لم تكن سوى فتاة بدينة، بل ومفرطة البدانة، تزن 155 كيلوجرامًا؛ فكفى بهذا الواقع الأليم أن يجعل منها فتاة يائسة وناقمة على مظهرها وحاضرها ومستقبلها. قرار التغيير في لحظة ما، قررت “دُنى” ألا تستسلم لمزيد من المشاعر السلبية التي أفقدتها بريقها ورعونة شبابها، فعزمت على أن تتغير للأفضل، فالتحقت برياضة الـ “كيك بوكسينج”، ووقع اختيارها على مدرب أردني للرياضات القتالية في المملكة العربية السعودية. مسار آخر كان الهدف الأول والأخير لـ”دُنى” هو تقليل وزنها، إلا أن مسارًا آخر بدا في الظهور؛ ففي غضون 9 أشهر فقط- وبجانب ما فقدته من وزن بلغ 80 كيلوجرامًا- أبلت بلاءً حسنًا في تلك الرياضة؛ حتى أن أمارات التفوق والاحترافية بدت تظهر بوضوح. تجاوز الصعاب بدأت “دنى” تحقق نجاحات تلو الأخرى في مباريات الـ”كيك بوكسينج”، فلم تمنعها قيود المجتمع السعودي على الرياضة النسائية، من مواصلة هدفها الذي تعاظم؛ ليشمل المنافسة على المستوى الاحترافي جنبًا إلى جنب مع الاستمرار في قفدان الوزن. أخذت دُنى تسافر بانتظام إلى الأردن؛ حيث المعسكرات الممتدة على مدار أشهر؛ كي تكتسب من المهارات والتدريبات ما كان يقودها إلى اجتياز البطولات وإحراز الميداليات؛ حتى باتت قاب قوسين أو أدنى من مرحلة “الاحتراف”. مرحلة الصعود وفي شهر فبراير المنصرم، استضافت الأردن بطولة القائد الدولية للملاكمة لعام 2018 ؛ حيث نافست “دُنى” ملاكمات من مصر وفلسطين والإمارات، والأردن، ولبنان، والكويت، والنرويج، وغيرها؛ لتحرز نجاحًا منقطع النظير، وتفوز بالميدالية الذهبية بعد تغلبها على منافستها الأردنية في المباراة النهائية . وهكذا، أصبحت دُنى الغامدي أول سعودية تنافس على الصعيدين المحلي والدولي، وتفوز ببطولة دولية للملاكمة، وتلقب بـ “بطلة العرب”؛ لتؤكد أن المرأة السعودية يمكنها تمثيل بلادها في مختلف المجالات وفي جميع المحافل الدولية. طموحات مستقبلية وفي الوقت الراهن تحلم البطلة السعودية بافتتاح مركز تدريب للملاكمة في الرياض، خلال هذا العام، والذي تستهدف منه، جميع فئات المجتمع: الرجال والنساء والأطفال، فضلًا عن تقديم خدمة التدريب مجانًا لذوي الاحتياجات الخاصة. أشهر أقوالها “سبق وأن أخبرنا أن الرياضة للجميع، ولكن الإنجازات لأصحاب العزائم فقط”. “رسالتي للسعوديات أنهن قادرات على تمثيل بلادهن في المحافل الدولية”. الدروس المستفادة 1. قرار التغيير: إن تأجيل قرار التغيير للأفضل- فيما يخص العادات أو المهارات الذاتية أو السمات الشخصية- يحرم كثيرين من فرص ذهبية قد تكون نتيجة تلقائية وغير متوقعة لهذا القرار؛ فلا تتردد واتخذ قرار التغيير بشأن الأمور التي تزعجك وتؤرقك. 2.المسؤولية المجتمعية: لا تقتصر المسؤولية المجتمعية على كبرى الشركات، بل إن أحد أبرز سمات رواد الأعمال تكمن في العطاء اللا محدود والرغبة المستمرة في مساعدة الآخرين، ودفعهم إلى ما وصلوا إليه من نجاحات. لذا بمجرد بلوغ رائد الأعمال ذروة نجاحه، واكتسابه الخبرة العلمية والعملية، يتجه مباشرة نحو خدمة مجتمعه ودعم تطوره ونموه، وهذا ما تسعى إليه “دُنى” خلال الفترة المقبلة، من خلال إنشاء مركز متخصص في تدريب رياضة الملاكمة. طريق النجاح وعر يسيء رائد الأعمال الظن، حينما يعتقد أن الطريق إلى النجاح -في أي مجال من مجالات الحياة- ممهد وخالٍ من الصعوبات والتحديات، بل إن طريق النجاح وعر؛ حيث تحفه المشكلات من كل جانب، وفي جميع مراحله. وإن لم ينجح رائد الأعمال في اجتياز تلك الصعاب، يكون الخيار البديل هو عودته إلى نقطة الصفر محملًا بالخيبة والحسرة والندم. لقد تحلت “دُنى الغامدي” باليقظة والإصرار؛ فتغلبت على ما واجهها من تقاليد مجتمعها، وسافرت ومكثت شهورًا متقطعة في بلد آخر؛ كي تُحقق حلمها الذي صار الآن واقعًا تفتخر به.الحصول على الرابط المختصر
مشاركة :