بيروت – انديرا مطر | الجمود في ملف تأليف الحكومة اللبنانية عاد إلى مربع التعقيدات الأولى، التي يحاول رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري العمل على تفكيكها بعيداً عن الأضواء. غير ان التداعيات المباشرة لهذه المراوحة، بحسب مصادر وزارية، هي وصل ما انقطع في المراحل السابقة بين الحريري وكل من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، في ما بدا أشبه بتشكيل جبهة ثلاثية في مواجهة التيار الوطني الحر ومن ورائه حزب الله وحلفائه، الذين لا ينظرون بعين الرضا الى عودة الانسجام بين «الثلاثي»، بل يرون أنه نتيجة «ايعاز» سعودي من شأنه ان يعقد مسار التأليف، رغم التحذيرات المتتالية للحريري من خطورة الوضع الاقتصادي الذي يستدعي الإسراع بتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد. ولا تستبعد المصادر رداً على هذا الحلف عبر التلويح بالبحث عن بديل للحريري من «سنة» هذا الفريق. اللافت على هذا الصعيد كان أمس خفوت التصريحات العالية السقف التي تراشقتها القوى السياسية خلال الأيام الماضية على خلفية اتهامات بعرقلة التشكيل الحكومي، لاسيما على الساحة المسيحية. فـ«القوات اللبنانية» التزمت بما أعلنه رئيسها من بيت الوسط اثر اجتماعه بالرئيس الحريري بوقف السجالات من أجل المساعدة في تأليف الحكومة، قابله هدوء على ضفة التيار الوطني الحر. إسقاط التكليف غير أن المراوحة في ملف تشكيل الحكومة خرقتها أمس دعوة النائب جميل السيد الى توقيع عريضة من ٦٥ نائباً عبر المجلس إلى رئيس الجمهورية لاسقاط تكليف الحريري «كأنه لم يكُن، فالبُدَلاء كثيرون». السيّد اتهم جعجع وجنبلاط باحتجاز الحريري بدعم سعودي لعرقلة الحكومة. وزير العدل السابق اللواء اشرف ريفي رد على دعوة السيد بتوقيع عريضة نيابية لإسقاط تكليف الحريري بأنها «تُخالف الطائف وتُضاف الى دعواتٍ مماثلة لتحديد مهلة الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة، وهذا لعب بالدستور ومسّ جوهري به وبصلاحيات رئيس الحكومة»، محذراً من اللعب بالنار. القوات: لا حل على حسابنا العلاقة بين الرئيس الحريري وجعجع عادت إلى عصرها الذهبي. بهذا التوصيف تستهل مصادر قواتية الحديث عن أجواء اللقاء الذي جمع الرجلين مساء اول من أمس، لافتة الى ان التواصل لم ينقطع أكان عبر الوسطاء ام مباشرة وفقا للملفات التي يقتضي بحثها بالعمق. وتكشف هذه المصادر في اتصال مع القبس ان أمورا عدة استدعت هذا الاجتماع الذي كُرّس الجزء الأوسع منه للنقاش في مسار التشكيلة الحكومية، وكيفية تجاوز العقد القائمة والسقوف المطروحة. إضافة الى البحث عن هوامش تتيح تجاوز بعض العقد. وتطرق الحديث الى التحديات الاقتصادية الكبيرة التي تستوجب الاستعجال بالتأليف، لاسيما أن آمال الناس معقودة على هذه الحكومة، كما انه لا يجب تفويت الدينامية التي ولدتها الانتخابات النيابية الأخيرة. وعما اذا كان اللقاء احرز تقدما على خط الحلحلة الحكومية، تقول المصادر إن اتفاقا تم مع الرئيس الحريري على انه لا حل على حساب أي طرف من الأطراف، وتحديدا القوات اللبنانية، لافتة الى ان جعجع وضع رؤية «القوات» في تصرف الرئيس المكلف، مبدياً ارتياحه لإدارة الحريري مفاوضات التشكيل وتقديره للدور الكبير الذي يقوم به في هذه المرحلة من اجل تجاوز الأمتار القليلة التي تفصلنا عن ولادة الحكومة. غير ان المستجد الذي قد يفتح كوة في جدار التشكيل هو إعطاء الرئيس الحريري بعض الهوامش لكي يتحرك من ضمنها ان تحذو الأطراف الأخرى حذوها. وتذكر المصادر انها ملتزمة بالهدنة الإعلامية مع التيار الوطني الحر لان الأولوية اليوم هي لعملية تأليف الحكومة، بعيدا عن المواجهات التي لا تفضي الى أي مكان. عون واحترام الأحجام وأمس، أوضح مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، في بيان، أن «رئيس الجمهورية ميشال عون يتعاطى مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة، استناداً إلى صلاحياته المحددة في الدستور». وأضاف البيان: «الرئيس وإن لم يتدخل في آلية التشكيل إلا أنه ليس في وارد التغاضي عما منحه إياه الدستور من صلاحيات، وما درجت عليه الأعراف المعتمدة منذ اتفاق الطائف، لا سيما لجهة حق رئيس الجمهورية في أن يختار نائب رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء، يتابع من خلالهم عمل مجلس الوزراء والأداء الحكومي بشكل عام، انطلاقاً من قسمه الدستوري بالحفاظ على القوانين. وعلى الذين يسعون في السر والعلن إلى مصادرة هذا الحق المكرّس لرئيس الجمهورية أن يعيدوا حساباتهم ويصححوا رهاناتهم وينعشوا ذاكرتهم». وتابع: «الخيار الميثاقي يفرض على الرئيس حماية الشراكة الوطنية التي تتجلى في أبهى مظاهرها في حكومة تعكس أوسع تمثيل وطني ممكن، كما تحقق في خلال الانتخابات النيابية عبر قانون قائم على أساس النسبية، عمل رئيس الجمهورية من أجل إقراره للمرة الأولى في التاريخ السياسي للبنان. وهذه الانتخابات حددت أحجام القوى السياسية، وما على هذه القوى إلا احترام هذه الأحجام حتى تكون عملية تشكيل الحكومة مسهّلة». الحريري يرد على السيد: يروح يبلط البحر قال رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري رداً على مواقف النائب جميل السيد: يروح يبلط البحر! وأشار عبر «إل بي سي آي» إلى أن «سفر الرئيس بري لا يعني تعليق اتصالات تأليف الحكومة، لأنني باق على تواصل دائم معه، وسأزور رئيس الجمهورية في اليومين المقبلين». ورداً على مطالبة عبدالرحيم مراد بعدم جواز تجاهل تمثيل %40 من السنّة، قال الحريري: «أنا الرئيس المكلف، وأنا من أشكّل الحكومة».
مشاركة :