صحيح أنه في أول التجارب، حديثو العهد بالتقنيات العلمية الجديدة يصعب استساغتهم لكل النتائج المترتبة على أي تطبيق جديد، سيما المتضررين منه، وصحيح أن كرة القدم لعبة جماهيرية تتميز بالعاطفة الحماسية المنحازة والمفاجآت والتنافس والمتغيرات، إلا أن شكلها عبر مائة السنة الماضية أوصلها الى ما يمكن عده الأفضل وفي أقل الأضرار، بعد أن كان ومازال التحكيم يشكل الحلقة الأضعف والأكثر تأثيرا على مجريات المباراة، علاوة على ما يشكله من سيادة للقانون وهيبة اللعبة رسميا وشعبيا وإعلاميا، ذلك فتح الباب على إمكانية البحث عن كل المستجدات التي يمكن ان تساعد الحكم على إتمام مهمته بأقل الأخطاء في ظل مميزات ذكرناها آنفا، إذ يصعب التقيد بكل ما يمكن أن نسميه قانونيا، سيما في قرارات لحظية مضغوطة بشكل كبير مؤثر تتخذ فيها القرارات الحاسمة والفاصلة وغير القابلة للنقض، ما أحدث لنا مشاهد دوّنها التاريخ من الظلم الذي وقع على منتخبات وفرق ولاعبين، ليس بسبب انحياز الحكام أو قصديّتهم أو قلة خبرتهم، بقدر ما هو يمثل نتاج حالة متشنجة عصبية مزاجية مضغوطة جدا تصدر بلحظة تستبطن الخطأ والصواب التقديري الذي يتطلب منه قيادة المباراة الى بر الأمان وفق رؤية تحكيمية شخصية تقديرية، وان كان الظلم واضح فاضح فيها على أحد الفريقين. في مونديال روسيا 2018 تم اعتماد تقنية «الفار» أو الفيديو التي يقودها حكام أيضا لمساعدة حكام الساحة لتقليل الظلم الواقع على الفرق في جزيئيات ربما يصعب على الحكم متابعتها بالعين المجردة او اتخاذ الموقف السليم لحظيا، في خطوة عدها البعض جيدة ومفيدة وتحمل حسنات كثيرة إذا ما طورت ودرست بالمستقبل، لكن الأحداث الجارية والمتابعات والمشاهد أظهرت أخطاء كارثية وربما انتقائية باتخاذ القرارات والعودة الى الفار والتأثير الواضح على سير المباريات، وكذا ما يحدثه من إرباك لإضاعة الوقت والتأخير وقتل المتعة وحتى التأثير على المجرى الفني للمباراة، إلى جانب ما يضعفه من ثقة الحكام بأنفسهم وجعلهم عرضة لضوغطات ما في الملعب، وربما حتى من يديرون أجهزة الفيديو الذين على ما يبدو ستكون سلطتهم يوما بعد يوم في تصاعد وتعاظم في وقت سيشهد الحكم تراجعا لا يمكن تجاهله، سيما في التأثير النفسي والمعنوي الذي حتما سيكون لها مردودات سلبية على اتخاذ القرارات الفنية. ليلة الإثنين من يوم 25 يونيو 2018 من أيام مونديال روسيا سوف لن تُمحى من الذاكرة التحكيمية والجماهيرية والإعلامية بسهولة، بعد مباراتي المغرب وإسبانيا وإيران والبرتغال التي كان لـ«الفار» أثر كبير بتغيير مجرى المباريات والتأثير على قرارات الحكام الذين بدوا كأنهم أداة أو ألعوبة بيد الفيديو ومن يسعى إلى الإفادة منه عبر الضغط على الحكم، ما أدى الى تأثيرات وتغيرات كادت تعصف حتى بالمنتخبات المرشحة لكأس البطولة. وقد قال كيروش مدرب إيران الذي اشتكى من قرارات حكم: «تقنية الفيديو المساعد لا تتحلى بالشفافية، وضربة بالمرفق تستحق بطاقة حمراء. اللوائح لا تقول ماذا لو كان رونالدو أو ميسي. إنها بطاقة حمراء. القرارات يجب أن تكون واضحة»، مضيفا «نحتاج إلى معرفة ماذا يجري ولا أحد يسمح لنا بذلك. هناك نظام يكلف ثروة، ولا أحد يتحمل المسؤولية. عندما يتم اتخاذ قرار بمساعدة الفيديو، نحتاج إلى معرفة من يحكم المباراة». لذا ما يطرح يحتاج من الفيفا أن يدرس بجرأة وشجاعة ومهنية علمية عالية ما آل إليه نظام تطبيق الفيديو؛ من أجل حماية اللعبة والحكام، فإن الكثير من القرارات المتخذة بهذا الشأن والنتائج المتأثرة به لم تمحُ الظلم أو تقلل مساحة تأثيره على بعض الفرق، وربما زادت منه تحت عنوان العلم وربما وصايته.
مشاركة :