تقدّم الشاعرة السعودية منال العويبيل الحياة باعتبارها مصحا جماعيا، وتنطلق فيها من شعورها بمسؤولية الفن وقدرته على تجاوز هموم الأسئلة التي تحاصر الشاعر، لهذا فهي تقبض بكفها على الشعر والسيناريو والتشكيل باحترافية وإتقان لتقدّم مشروعها الإبداعي بتشكّلات مختلفة وبوعي مضاعف. “العرب” توقفت معها في حوار حول تجربتها الأخيرة وحول بعض القضايا الثقافية الأخرى. صدرت مؤخرا عن دار أثر السعودية مجموعة “العلاج بالكتابة: الحياة باعتبارها مصحا جماعيا” للشاعرة السعودية منال العويبيل، وتأتي هذه المجموعة الشعرية بعد عدة اشتغالات إبداعية تنوّعت بين الكتابة الصحافية والتحرير الثقافي والاشتغال التشكيلي في الرسم والتصميم، بالإضافة إلى إشرافها على ورش في صناعة السيناريو وكتابته، حيث يتم حاليا تصوير نصّها السينمائي الأول “شرشف” مع المخرجة السعودية هند الفهّاد، راوية من خلاله حكاية السينما في أزقة الرياض خلال حقبة نهاية السبعينات الميلادية عبر بطلة الفيلم هيلة. العلاج بالشعر تحمل مجموعة “العلاج بالكتابة” عوالم من الأسئلة الكونية التي تحاكي سيرة لشاعر يقف على ضفة الهاوية/الوداع، ويرتّل وصاياه الأخيرة أمام العالم مثل مانفستو توضيحي للخاتمة. وكأن المجموعة كلها محاولة لتأثيث الأمكنة بتفاصيل جديدة يبتكرها الشاعر في عزلته وتأملاته. وجود النص الجيد في الدراما هو خطوة أولى لكنها لا تكفي ولا تغني عن عدم وجود منظومة للنجاح بفريق متكامل وفي سبيل الوصول إلى دلالات النص المفتوحة التي تشكّلها الشاعرة في تجربتها يمكن للقارئ أن يعود إلى العناوين الفرعية في المجموعة ليستخدمها كعتبات نصية لفهم فضاءات النص، حيث تجنح العناوين للالتفات لكائنات الظل في تفاصيلها اليومية الغائبة في يقظة المشاهد، فيرى مثلا: حياة تسد أذنيها بقطن الدورة الشهرية، وخيار الوجهة في تطبيق سيارة الأجرة، ودورة الحياة لزهرة بلاستيك. هذه العناوين وغيرها تفتح بوابات عوالم العويبيل المسكونة بسلسلة طويلة من الدراما الشعرية، والصور المتخيّلة في فلاشات متتالية تملك اللحظة وتأخذ بيد الكلمة للمعنى. في المجموعة نصوص ممتلئة بالأسئلة، ثقيلة بالدلالات المفتوحة المنفرجة على الاحتمالات حيال موقف الشاعر من قضاياه اليومية العميقة والسطحية معا. تقول منال العويبيل “في الشعر نملك ذاكرتين؛ ذاكرة النص التي تحفر في الشاعر وتستظهر باطنه، وذاكرة الشعر نفسه التي تنساك وكأن لم تكن بعدما تسلّم نصوصك جثثا ساخنة، أو زهورا مقطوفة. وفي كلتا الحالتين يصبح الشعر خلاص قارئه فقط. لقد كنت رهينة نوبات قلقي، وكان عليّ مواجهة العالم بحثا عن مخرج، حتى ولو كان المخرج باتجاه هاوية”. الكتابة للعلاج المعرفي الكتابة للعلاج المعرفي وعن مناخات “العلاج بالكتابة” تقول “خلال ثلاثة أعوام ماضية لإصدار المجموعة بدأت تجربة ‘العودة‘ إلى عنق الزجاجة، بعد مرحلة طويلة من محاولة الخروج من أحداثها وأشخاصها، بمعنى الرجوع إلى اللحظة البكر لحالات النصوص، ومن ثمّ إعادة خلقها بطريقة أقرب إلى هولوغرام يجسّم لحظات من الحب والفقد والحنين وما تقوله سطور الترجمة أسفل مشاهدنا الصامتة. كانت النصوص تتراكم هنا وهناك، وصولا إلى فترة محددة بعد تشخيصي بعارض القلق الاكتئابي، وكان أحد خياراتي الخاصة للعلاج المعرفي هو الكتابة، فعدت بتركيز أكبر لإنجاز النصوص وإصدار المجموعة، وأدّعي أني نجحت”. وفي سؤال عن قراءتها للمشهد الشعري الشبابي السعودي، وعن همومه وأسئلته، تجيب الشاعرة “لا أدري إذا كان بإمكاني الحديث عن جيل شعري، لكني سأحاول تخصيص الإجابة حول تجربتي كي أكون منصفة، فقد تشكّلت الذائقة العامة في مطلع الألفية بتأثيرٍ كبير لإرث ثقيل حمل القضايا القومية، والإرث العاطفي بمختلف أنواع الضغوطات التي أثقلت المنتَج الأدبي. لكن النسق العام خلال تلك الفترة وبتأثير مباشر من المعاصرة وانفتاح الاتصال تحوّل إلى أسئلة وجودية تتأمل التفاصيل من أقصاها إلى أدناها، خاصة في وقت وجيل أصبحت فيه أكبر خيباتنا هي ذواتنا”. ترى العويبيل أنه من الإجحاف الاعتقاد السائد بأنه لا وجود لتجارب شعرية نسائية في الخليج تستحق الإشادة والمتابعة، وأن الجيل النسائي الشعري الجديد يأتي ضمن مشهدية ثقافية متشابهة ولا تمتلك بصماتها الإبداعية الخاصة، وأن هذا الرأي يظلم الأصوات الشعرية التي ساهمت في صنع ثقافة الخليج ومنجزها الأدبي الرجالي والنسائي. كتابة الدراما تعاونت شاعرتنا مع قنوات تلفزية عربية كرئيسة ورش لكتابة النصوص التلفزيونية منذ 2010 حتى 2015. ويذهب بعض المتابعين إلى الاعتقاد بأن هنالك إشكالية “غياب النص” في الأعمال الدرامية السعودية التي يشتكي منها المخرجون في العادة، حين يعزون ضعف الأعمال إلى غياب النص الجيد. وعن هذا الشأن تقول “الغائب في الفن المحلي هو الاحتراف، فوجود النص الجيد هو خطوة أولى لكنها لا تغني عن عدم وجود المنظومة المتكاملة للنجاح بفريق عمل متكامل ومحترف، أتكلم هنا عن مخرج برؤية فنية، وممثل يمتلك أدواته بإتقان، ومنتج مبدع”. وعن رأيها الشخصي في مستوى السيناريو والدراما السعودية والخليجية المقدمة في الأعمال التلفزيونية تقول الشاعرة “سأتحدث من خبرتي على مستوى السيناريو، فعلى المستوى الخليجي وفي بعض الدول العربية يتم انتقاء النص بناء على حالة أو التوازي مع فكرة أو قصة أكثر من مفهوم التقاطع معها، وإعادة تشكيلها، بحسب الغرض الدرامي. عدا عن شخصيات يتم رسمها بشكل مسطح لا تتجلى عبرها سوى عقد خارجية متخبطة، وتغيب العقد الداخلية التي تجعل الشخصيات بعمق أكبر وثقل درامي مؤثر”. من الإجحاف الاعتقاد السائد بأنه لا وجود لتجارب شعرية نسائية في الخليج تستحق الإشادة والمتابعة ولها بصمتها وإضافتها وتضيف في الشأن نفسه “إذا غضضنا النظر إلى حد ما عن لعنة الثلاثين حلقة، نجد أنّ مشكلة أكبر تظهر على مستوى انتقاء العقد عبر الحلقات، ففي المسلسلات ذات الحلقات المتصلة توجد خطوط متشابكة عبر الأحداث تتصاعد بتواتر، حيث تمر بمرحلة أولى تدعى الإحماء، والتي تعرّف المشاهد على القصة وشخصياتها، مرورا بمرحلة الذروة التي يتم فيها التصعيد إلى أقصاه، وانتهاء بمرحلة الحل. وعلى مستوى مفكك عبر الحلقات نفسها غالبا ما يتم توزيع الأحداث عبر ثلاثةعقد في كل حلقة؛ أ رئيسية، ب مساندة، ج ثانوية، لكن ما يحدث على مستوى الدراما السعودية والخليجية هو التركيز على عقدة واحدة في كل 3 حلقات أو تزيد، وحشو الحوارات واللقطات الشارحة والمفصّلة والتحليلية لكل حدث لملء وقت الحلقة”. وتتابع “هنالك مشكلة جوهرية أخرى هي الإجرام في حق النص بالحذف أو الحشو، أو تمطيط سيناريو فيلم أو سباعية إلى مسلسل بأكثر من موسم لأجل الإعلانات، عدا عن تدخّل الممثلين في النص نفسه دون سبب منطقي، والذي يتضح في أعمال معروفة باسم الارتجال أو ادعاء الدراية”. من ناحية أخرى توضح العويبيل أن المشاهد السعودي اليوم تشبّع من المسلسلات ذات النسق منفصل الحلقات، إذ تراه أنه أشبه بإسطوانة مكررة لتجربة مرايا ياسر العظمة، وطاش، وسيلفي، وغيرها، لكن المشاهد -والكلام للعويبيل- ما إن استقبل إنتاجا ضخما كــ“العاصوف” صُدم بعقد محدودة خلال الحلقات، وحشد لهجات خليجية، وبطل خمسيني في دورِ شاب في العشرين، وغيرها من مشكلات هرمنا ونحن نبحث لها عن حلّ.
مشاركة :