الطبقة الوسطى في إيران تعاني الفقر الشديد

  • 6/27/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

خلال الأيام الأخيرة من عام 2017 حدثت تظاهرات صغيرة في إيران تضخمت بسرعة وانتشرت في جميع أنحاء الدولة، وفي النهاية عمت 85 مدينة. وساد اعتقاد بأن التظاهرات أسهمت في تحريض طبقة العمال الفقيرة ضد الإدارة السيئة للاقتصاد، والانحدار المالي الذي يعانونه. وكان هذا التحول في الأحداث مترابطاً منطقياً، فهؤلاء العمال كانوا المعقل الأخير للجمهورية الإسلامية، وقد كانوا مرتبطين بالنظام عن طريق المساعدات التي تقدمها الدولة والشعور بالورع الديني. ويبدو أن فساد النظام وإنفاق الكثير من موارد إيران على الحروب الأهلية في العالم العربي، قد أفقداه القطاع الأخير من الدعم. مجموعة مختلفة من المظلومين تراجع متوسط الدخل العام جاءت أحدث التظاهرات الشعبية الإيرانية وسط سخط كبير على النظام، وبات متوسط الدخل العام الإيراني أقل مما كان عليه في عام 2007 بنسبة 15%. وأشار استطلاع للرأي أجرته وكالة «أفتاب نيوز» المقربة من الرئيس روحاني، في إيران، خلال فبراير 2018، إلى أن 75% من الإيرانيين غير راضين عن حالة بلادهم، وقال 31% إن الإصلاحات لا يمكن أن تحسن الوضع، أما أكثر الساخطين على النظام فكانت نسبتهم 41% إذ قالوا إنهم مستعدون للخروج في تظاهرات عامة ضد النظام، وقال 31% آخرون إنهم لا يعتقدون أن التظاهرات قادرة على إحداث التغييرات الضرورية. هاجمت شعارات المسيرات الاحتجاجية الأخيرة مجموعة من النخب الإيرانية، من البراغماتيين المزعومين إلى المتشددين، وكان هناك تظلمات اقتصادية على الخبز والوظائف والحرية، وفي نهاية المطاف دعا المتظاهرون إلى الإطاحة بقادة البلاد، وأطلقوا شعارات قالوا فيها «اعذرنا سيد علي خامنئي، فقد آن الأوان كي ترحل». يُلقي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران في 8 مايو والعقوبات التي يتوقع أن تفرضها واشنطن على إيران، ظلالاً جديدة من الشك بقدرة الرئيس الإيراني حسن روحاني على تحقيق هدفه في فتح الاقتصاد على الاستثمارات الأجنبية. ولكن النظر عن قرب إلى تلك الأحداث بعد مرور أربعة أشهر يكشف عن وجود مجموعة مختلفة من السكان المظلومين، أدت إلى احتجاجات نهاية العام، وإن كانت لاتزال تمثل مشكلة للجمهورية الإسلامية. لقد كان تمرداً من قبل مجموعة ينطبق عليها أفضل وصف بأنها الطبقة المتوسطة الفقيرة، وبدأ ظهور هذه الطبقة منذ تسعينات القرن الماضي، عندما شهدت إيران أكبر توسع في نظامها الجامعي. ومن ناحية كان هذا التوسع يمثل إشارة إلى نجاح الحكومة، أي الإيفاء بالوعود لتوسيع فرص التعليم، ولكن وجود هذا العدد من الخريجين فاق قدرة الاقتصاد على التوظيف. وأشار وزير العمل الإيراني علي ربيبي عام 2014 إلى أنه يوجد نحو 2.5 مليون شاب إيراني عاطلين عن العمل، منهم 1.1 مليون خريج جامعي، ويعتقد أن هذا الرقم أصبح أكبر الآن، ويعتبر هؤلاء الأشخاص من الطبقة الوسطى من حيث تعليمهم، ومزاجهم الثقافي، والبصمة الاجتماعية، وهم فقراء بمعنى أنهم غير قادرين على إيجاد التوظيف الملائم، ويعيش العديد منهم في أكواخ على أطراف المدن. ويبدو أن الجمهورية الإسلامية لا تملك حلاً لهذه المشكلة، فالاقتصاد لايزال يعتمد على تصدير النفط في وقت تتغير أسواق الطاقة العالمية. وربما لن يتوقف النفط عن كونه محركاً للاقتصاد العالمي، كما أن الارتفاع الأخير لأسعار النفط سيؤدي إلى تحسين وضع كبار المنتجين، ولكن النفط سيصبح في حالة تنافس مع مصادر أخرى من الطاقة، وهذا يعني أن أسعار النفط يمكن أن تنخفض. ويلقي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران في 8 مايو والعقوبات التي يتوقع أن تفرضها واشنطن على إيران، ظلالاً جديدة من الشك بقدرة الرئيس الإيراني حسن روحاني على تحقيق هدفه في فتح الاقتصاد على الاستثمارات الأجنبية، وفي الوقت ذاته فإن مغامرات إيران في صراعات إقليمية مثل دعم النظام في سورية والحوثيين في اليمن، وسوء إدارة الاقتصاد، والفساد المستشري، قد كلف النظام ما بين 7 و15 مليار دولار، في وقت تعيش إيران تحت ضغط الحاجة الشديدة، وسيتواصل حتماً المزيد من الاحتجاجات، وسيكون عدم الاستقرار هو المستقبل الأكثر احتمالاً لإيران. وخلال وجوده في السلطة منذ أربعة عقود ابتلي النظام الإيراني بالاحتجاجات الحاشدة، وعلى الرغم من أنه تمكن من قمعها، فإن شرعيته تتضاءل مع كل حادثة، ووقعت الاحتجاجات الأولى بعد الثورة مباشرة، وعندما حاول النظام تعزيز سيطرته. وكانت الثورة التي أطلقت الجمهورية الإسلامية قد تفجرت بمشاركة شتى أطياف الشعب الإيراني مثل الليبراليين، والعلمانيين، والإسلاميين، لكن حالما بدأ الإسلاميون يعملون على السيطرة على السلطة قاموا بتصفية حلفاء الأمس، ما جعل الجمهورية الإسلامية تواجه أول الاحتجاجات ضدها والتي استمرت طوال فترة وجودها في السلطة، واشتدت هذه الاحتجاجات بصورة مميزة في الفترة ما بين 1980 و1982، وهي الفترة التي يفضل البعض وصفها بالحرب الأهلية، والتي كسبها الإسلاميون بالنظر إلى تفوقهم في القدرة النارية واستخدامهم العنف بصورة عشوائية. ثورة الفقراء وأما الجولة التالية من الاحتجاجات على نطاق واسع فقد حدثت في بداية تسعينات القرن الماضي، والتي كانت ثورة الفقراء، وأدى استمرار الهجرة من الريف إلى المدن إلى ظهور عشرات الآلاف من المنازل غير الشرعية، والتي كانت السلطات ترغب في إزالتها بالقوة، ونجم عن ذلك ظهور أعمال شغب وعنف في العديد من المدن الرئيسة، وبصورة خاصة مشهد. ونظراً لإحجام الجيش عن قمع هؤلاء المتظاهرين، قام النظام بنشر قوات الباسيج شبه العسكرية، وتم قمع هذه التظاهرات في النهاية، ولكن أزمة نقص المنازل لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا، ولكن توسع دولة الرفاهية لم يواكب النمو السكاني، ولايزال الفقراء يفتقرون للرعاية الصحية والتعليم، في حين أن نظام التقاعد الحكومي يحتاج إلى إصلاحات منهجية. وثمة موجتان كبيرتان أخريان من الانتفاضات الشعبية على نطاق واسع، ويمكن اعتبارهما احتجاجات سياسية، حيث أدى إغلاق صحيفة إصلاحية إلى تحريض أعمال شغب قام بها الطلبة في عام 1999، لكن السبب الأساسي لهذه الانتفاضات هو الهجمات الوحشية التي قامت بها العناصر المتشددة المرتبطة بالنظام القضائي ومجموعات الحراسة، التي كانت في حينه تواجه محاولات الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي لجعل السياسة الإيرانية ليبرالية، حيث حاول خاتمي دعم حرية الصحافة، والمجتمع المدني. وبعد مرور عقد من الزمن أثار الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد تظاهرات الحركة الخضراء الكبيرة، والتي نجمت نتيجة المظالم الاقتصادية، لكن محركاتها الأساسية كانت فقدان الفرصة السياسية وتعطيل الإصلاحات. وهاجمت شعارات المسيرات الاحتجاجية الأخيرة مجموعة من النخب الإيرانية، من البراغماتيين المزعومين إلى المتشددين، وكان هناك تظلمات اقتصادية على الخبز والوظائف والحرية. وفي نهاية المطاف دعا المتظاهرون إلى الإطاحة بقادة البلاد، وأطلقوا شعارات قالوا فيها «اعذرنا سيد علي خامنئي، فقد آن الأوان كي ترحل»، وقال شعار آخر «فليسقط روحاني»، وأخيراً جاء رفض سياسة إيران في الهيمنة على الشرق الأوسط، وأطلقوا شعارات قالوا فيها «اتركوا سورية وشأنها»، و«انتبهوا إلينا»، و«لا غزة ولا لبنان حياتنا من أجل إيران»، وتشير هذه الشعارات إلى أنه لا يمكن فصل المظالم الاقتصادية عن السياسة. وفي هذه الأيام، لا تواجه الجمهورية الإسلامية السخط العام فحسب، بل حالة من الشلل الفكري أيضاً التي تعوق التخطيط الفعال. ويواصل روحاني تفاؤله بإمكانية إنعاش الاقتصاد عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية، وهي مهمة باتت تواجه تحديات كبيرة جداً بعد قرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات على إيران، وحتى عندما كانت الولايات المتحدة ملتزمة بالاتفاقية النووية، كان هدف روحاني في جذب الاستثمارات الأجنبية صعب المنال، بالنظر إلى بيئة إيران الطاردة للأعمال، وانعدام حكم القانون، والنظام المصرفي الذي لا يمكن الاعتماد عليه. وفي الوقت ذاته يواصل القائد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي العمل في «اقتصاد المقاومة» الخاص به، والذي يتضمن الاعتماد على الأسواق الداخلية لإيران والتجارة مع الدول المجاورة، مثل العراق وجمهوريات آسيا الوسطى. وتعتبر كل من رؤيتي خامنئي وروحاني غير عمليتين، وبالنظر إلى الخلافات مع النظام تفتقر الحكومة لمخطط متماسك، ولذلك ليس من الصعب تخيل وقوع حركة احتجاج أخرى.

مشاركة :