عاطف الغمري اتسعت دوائر الاهتمام بتضخيم نفوذ ما يسمى بتيار اليمين المسيحي، داخل إدارة ترامب، والتأثير على قراراته تجاه «إسرائيل» والفلسطينيين على وجه الخصوص خاصة قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل».ومن ثم صار من المهم أن يسلط ضوء كاشف، على حقيقة وتكوين وتوجهات هذه القوة داخل الولايات المتحدة. ولعل ما يشير إلى منطق تفكير هذه الفئة، ما سبق أن صرح به أحد أبرز قياداتها وهو القس جيرى فولويل بقوله: «إن من يقف ضد إسرائيل فهو يقف ضد الله». والمنتمون إلى هذا الائتلاف ليسوا بالضرورة من المتدينين، ثم إنهم ليسوا مدرجين في إطار الكنائس المسيحية العادية، لكنهم أصحاب أيديولوجية محافظة، وهم أصلاً قد انسلخوا عن كنائسهم الأصلية وخاصة الكاثوليكية والبروتستنتية لينخرطوا في تيار هذه العقيدة. ويعد موقفهم العقائدي، انعكاساً لمبدأ يؤمن بفكرة المجيء الثاني للسيد المسيح، بعد حرب كبرى تنشب بين العرب و«إسرائيل»، يتمنون منها انتصار «إسرائيل». وهم في غالبيتهم ينتمون إلى الحزب الجمهوري. وكانت البداية التنظيمية لليمين المسيحي، في أول الثمانينات، عندما تلقى جيرى فولويل ومنظمته «الأغلبية الملتزمة بالتعاليم الأخلاقية»، دعماً هائلاً من اليمين المحافظ المتعاظم داخل الحزب الجمهوري، ثم انتهى وجود هذه المنظمة في عام 1986، باتفاق عدد من رموز وقيادات هذا التيار، على تشكيل ائتلاف أوسع مدى، يكون له دور سياسي أكبر وعلاقات أوثق مع المؤسسات السياسية في واشنطن. ونتيجة لهذا، تأسس ما سمي الائتلاف المسيحي، والذي عرف - طبقاً لعقيدته - بالمسيحية الصهيونية. وأصبح لقادته اتصال وثيق مع القيادات السياسية للحزب الجمهوري، من خلال مجلس السياسات القومية الذي يجتمع مرتين في العام، ويضم في عضويته رؤساء عدد كبير من شبكات الإذاعة والتلفزيون، والإعلام المطبوع، وعدد من القيادات البارزة في الكونجرس، وأعضاء من عائلات الممولين الرئيسيين للقضايا التي تهم اليمين المحافظ. وبالرغم من أن اليمين المسيحي يؤمن بأن «إسرائيل» جزء من عقيدته الدينية، إلا أنه لا يمثل تياراً رئيسياً داخل المجتمع الأمريكي، وهو ما يقرره البروفيسور ويليام مارتن في دراسته عن هذا التيار، لكن نفوذه السياسي يأتي من التزامه جميعاً بالذهاب إلى صناديق الانتخابات، بحيث تصل نسبته التصويتية إلى 20% من أصوات الناخبين، مع ملاحظة أن أفراد باقي فئات المجتمع الأمريكي، لا يذهبون بشكل جماعي إلى صناديق الانتخابات. ورغم تصاعد نفوذه، إلا أن ذلك لم يمنع من وجود تيارات عديدة داخل المجتمع الأمريكي رافضة لأفكاره، وقد شهد الحزب الجمهوري قبل سنوات مراجعة ذاتية تصاعدت فيها الانتقادات لما سماه تطرف الحزب في تبني اتجاهات يمينية متعصبة، لا يرضاها الرأي العام الأمريكي، ومخالفة لاقتناعاته الأساسية، وأن الحزب قد انجرف إلى الانغلاق الأيديولوجي. ووصل هذا الرفض إلى الدوائر الاقتصادية عندما صدر بيان في عام 1999 يحمل توقيع رؤساء 500 شركة كبرى، بعضهم من سوق الأوراق المالية في نيويورك، يتهم زعماء الجمهوريين بالكونجرس، بأنهم أصبحوا داخل جيب اليمين المسيحي المتعصب. وتأكد هذا الموقف الرافض من نظرته إلى ائتلاف المسيحية الصهيونية، بأن تأييده ل«إسرائيل» ليس مجرد مسألة سياسية لها حسابات ترتبط بمصالح الدولة الأمريكية، ولكنها مسألة عقائدية أولاً وأخيراً. وبالرغم من أن نفوذ هذا الائتلاف كان يوازنه في السنوات الماضية، التزام الإدارات الأمريكية في قراراتها السياسية ببعض المبادئ، التي تراعي أحياناً مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، ومصداقيتها على المستوى العالمي، الذي يؤكده احترامها للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، إلا أن هذا التوازن قد اختل في الأشهر الأخيرة من حكم ترامب؛ نظراً لوصول نفوذ هذا التيار إلى داخل البيت الأبيض، ويتصدره مايك بنس نائب الرئيس، وهو أحد قيادات ائتلاف المسيحية الصهيونية.
مشاركة :