الاعتماد على لاعب واحد ليس مصيره الإخفاق دائماً

  • 6/27/2018
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

تعد ندرة الأهداف شيئا ملحوظا وواضحا للغاية في كأس العالم 2018 بروسيا وخاصة إذا تحدثنا عن الجولة الأولى، حيث وصل معدل الأهداف في المباراة الواحدة إلى 2.33 هدف، مقارنة بـ3.21 هدف في المباراة الواحدة لدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي و2.67 هدف في المباراة الواحدة في الدوري الإنجليزي الممتاز. وكان أقل معدل لتسجيل الأهداف في تاريخ كأس العالم قد حدث في مونديال إيطاليا عام 1990 بـ2.21 هدف في المباراة الواحدة.لكن هل يعني هذا أن كأس العالم الحالية ضعيفة المستوى؟ في الحقيقة، يعد هذا سؤالا مختلفا بعض الشيء، لأن الجولة الثانية وما تم لعبه حتى الآن في الجولة الثالثة شهدت عددا من الأهداف يفوق ما تم تسجيله في الجولة الأولى. يضاف إلى ذلك أن مستوى كأس العالم لا يتوقف على المستوى الفني وحده، لكنه يتوقف بنفس القدر تقريبا على أمور أخرى مثل الأحداث الدرامية والمفاجآت التي يشهدها، وقد رأينا بالفعل عددا من الأمور المثيرة حتى الآن، بدءا من إقالة المدير الفني للمنتخب الإسباني جولين لوبيتيغي قبل انطلاقة البطولة بـ24 ساعة فقط مرورا بالمستوى القوي وغير المتوقع للبلد المستضيف للبطولة روسيا رغم الهزيمة أمام الأوروغواي في الجولة الثالثة، ووصولا إلى المعاناة الكبيرة للمنتخب الأرجنتيني بقيادة نجمه ليونيل ميسي.لكن الشيء الواضح هو أن البطولة بشكل عام تشهد معدلا منخفضا لإحراز الأهداف. وفي الحقيقة، لم تظهر مشكلة قلة الأهداف في هذا المونديال فقط، لكن هذه المشكلة ظهرت منذ ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمان على الأقل، وهذا شيء طبيعي بسبب عدم حصول المديرين الفنيين للمنتخبات على الوقت الكافي لكي يطوروا الخطط الهجومية ويدربوا اللاعبين عليها، وبالتالي يعطون أولوية للخطط الدفاعية على حساب النواحي الهجومية. وعلاوة على ذلك، فإن الخطط الدفاعية قريبة من بعضها البعض في جميع أنحاء العالم تقريبا، وبالتالي فإنها تتطلب وقتا أقل من أجل تدريب اللاعبين عليها، على عكس الخطط الهجومية التي تحتاج لوقت أكبر لإتقانها.وتكون النتيجة هي أن سرعة المنتخبات في الهجوم تكون أقل ويكون التفاهم أقل مما نراه في مباريات الأندية، لأن كل تمريرة يمكن أن تستغرق وقتا أطول بأجزاء من الثانية لأن اللاعبين لا يحفظون بعضهم البعض جيدا في المنتخبات، وهو ما يجعل من السهل على مدافعي الفرق المنافسة تنظيم أنفسهم والدفاع بشكل أفضل. وعلاوة على ذلك، هناك فارق واضح في المستوى بين المنتخبات الكبرى والمنتخبات الصغرى في كأس العالم، وهو ما يجعل الفرق الصغيرة تكدس لاعبيها في الناحية الدفاعية وداخل منطقة الجزاء، وهو ما يؤثر بالتالي على سرعة ومهارة لاعبي الفرق المنافسة ويصعب المهمة كثيرا على المهاجمين، وقد رأينا كيف لعبت إيران أمام إسبانيا في الجولة الأولى، حيث دفعت بأربعة لاعبين في الخط الخلفي وأمامهم بقليل خمسة لاعبين في خط الوسط لتتحول طريقة اللعب في بعض الأحيان إلى 6 - 3 - 1. وهو الأمر الذي أغلق المساحات تماما أمام لاعبي المنتخب الإسباني وجعل من الصعب عليهم اختراقها رغم المهارات الرائعة التي يمتلكونها. إلا أن تكثيف المنتخب الإيراني للجانب الدفاعي قلت حدته وخاصة في المواجهة أمام البرتغال في الجولة الثالثة.ولم يكن من الغريب أن المنتخبين اللذين كدسا لاعبيهما في الخط الخلفي ولعبا بشكل دفاعي بحت هما اللذان حققا أكبر مفاجأة في كأس العالم حتى الآن، وأعني بذلك منتخب المكسيك الذي تغلب على ألمانيا حاملة اللقب، وآيسلندا التي نجحت في فرض التعادل على المنتخب الأرجنتيني. وفي الحقيقة، فإن هذا الأسلوب الدفاعي القوي - بالإضافة إلى الاعتماد على تقنية حكم الفيديو المساعد التي أدت إلى احتساب عدد أكبر من ركلات الجزاء وربما إلى منع اللاعبين من إعاقة المهاجمين داخل منطقة الجزاء - يوضح السبب في أن نسبة كبيرة من الأهداف قد أحرزت من ضربات ثابتة، بنسبة 50 في المائة حتى المباريات التي أقيمت مساء يوم الجمعة الماضي، مقارنة بـ24 في المائة فقط في كأس العالم الماضية.نحن لا نلوم هنا المنتخبات التي تعتمد على النواحي الدفاعية من أجل تحقيق أفضل نتائج ممكنة، لكننا نتساءل فقط عن مدى تأثير ذلك على مستوى كأس العالم بشكل عام. ومن المتوقع أن نشاهد هذه الظاهرة بصورة أكبر مع زيادة عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم إلى 48 فريقا. ولا تقتصر هذه الظاهرة على بطولة كأس العالم وحدها، لكنها ظهرت بقوة في كرة القدم العالمية بصفة عامة بسبب الفجوة الهائلة بين المنتخبات الكبرى والصغرى أو الفرق الغنية والفرق الفقيرة، للدرجة التي جعلت المباريات في بطولة الدوري المحلي نفسها غير متوازنة تماما.ومن الواضح أن قلة الأهداف في كأس العالم لا تعني على الإطلاق أن المستويات بين منتخبات القارات المختلفة قد باتت متقاربة، وهو الأمر الذي أثاره المدير الفني لمنتخب إيران، كارلوس كيروش، عندما قال: «في قارة آسيا، عملية التطور تسير ببطء شديد على المستوى الأول ومستوى الشباب، وأعني بذلك كل شيء بالطبع، بداية من تعليم المديرين الفنيين وتطوير المواهب الشابة والبنية التحتية والمرافق، وكل شيء، ويمكن القول بأن أوروبا تأتي في المقدمة، ثم يتخلف الجميع عن الركب بعد ذلك». وأضاف: «المنتخبات الوحيدة التي يمكنها المنافسة في كأس العالم هي تلك المنتخبات التي يقف الحظ معها ويكون لديها لاعبون في الأندية الأوروبية. ولا ينطبق هذا الأمر على قارة آسيا وحدها، لكنه ينطبق أيضا على أفريقيا وكافة الأماكن الأخرى. يتحدث الناس عن قوة المغرب أو السنغال باعتبارهما منتخبين أفريقيين، لكنهما في الحقيقة عبارة عن لاعبين أفارقة يلعبون في أوروبا».وتابع: «أنا أعمل في عالم التدريب منذ 37 عاما، ويمكنني أن أقول إن الفجوة بين أوروبا وباقي أنحاء العالم تتزايد بمرور الوقت. فقبل ثماني سنوات كانت الأمور سيئة، وقبل أربع سنوات كانت أسوأ، والآن تزداد سوءا». وعندما يتحدث المدير الفني لمنتخب إيران عن «أوروبا» فإنه لا يشير إلى كافة البلدان التي تنتمي للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، لكنه يتحدث عن الأربعة أو خمسة دوريات التي تمتلك الأموال اللازمة لكي تجذب أفضل المواهب في العالم، وهو الأمر الذي يعني أن المواجهات ستكون غير متكافئة تماما، أو كما قال الصحافي الروسي، فاسيلي أوتكين، عن منتخب آيسلندا بأنه «يكتفي بمقاومة النيران بأسلحة المدفعية».ومن بين المنتخبات التي تلعب كرة هجومية في كأس العالم نجد منتخبا مثل الأرجنتين، الذي انهار تماما أمام منتخب كرواتيا وتلقى هزيمة قاسية بثلاثة أهداف دون رد ولم ينجح أبدا في تطبيق طريقة 2 - 3 - 3 - 2 التي كان المدير الفني خورخي سامباولي يعتزم الاعتماد عليها، واعتمد في نهاية المطاف على طريقة 4 - 4 - 2 للتوفيق بين رغبة سامباولي في الاعتماد على الضغط المتواصل على الفريق المنافس وبين بطء الخط الدفاعي لفريقه. وبالتالي، يمكن القول إنه من المستحيل على أي مدير فني أن يطبق طريقة اللعب التي يريدها خلال الوقت القصير الذي يحصل عليه قبل وأثناء البطولات الكبرى. ويجب أن نشير إلى أن ما حققه سامباولي مع منتخب تشيلي كان يعود إلى حد كبير إلى سنوات الإعداد من جانب المدير الفني الأسبق مارسيلو بيلسا.وقد حذر ليونيل ميسي من أن طريقة 3 - 4 - 3 لا تناسبه لأنها تسحب المدافعين ناحية اليمين التي يلعب بها، وهو ما ثبت صحته بالفعل، كما أدى الإصرار على تقدم ظهيري الجنب إلى الأمام ضد آيسلندا إلى معاناة الأرجنتين بقوة من على أطراف الملعب. ويمكن لسامباولي أن يلعب بنفس الطريقة التي كان يلعب بها مع تشيلي لأن فريقه يمكنه الضغط بصورة جيدة على الفريق المنافس وإجباره على التراجع إلى نصف ملعبه، لكن في المقابل يفتقد المنتخب الأرجنتيني للسرعة والتنظيم وحتى الرغبة في القيام بذلك. وقد تلقت الأرجنتين درسا قويا للغاية، لكن العمل مع المنتخبات يتطلب ظروفا معينة واستقرارا كبيرا والعمل على المدى البعيد من أجل تطبيق الخطط التكتيكية المعقدة، وهو الأمر الذي لا يتوافر في المنتخبات بقدر ما يتوافر في الأندية.وفي مقابل ذلك، هناك بعض المنتخبات التي تعتمد على لاعب واحد بقدر كبير، وقد ينجح ذلك الأمر في بعض الأحيان مثلما هو الحال مع منتخب البرتغال ونجمه كريستيانو رونالدو، وقد لا ينجح بنفس الدرجة مع منتخبات أخرى وخاصة إذا كان أبرز نجومها يلعبون بعيدا عن منطقة الجزاء، وهو الأمر الذي يعرضهم لرقابة لصيقة من جانب أكثر من لاعب في منطقة منتصف الملعب، كما هو الحال مع ليونيل ميسي مع الأرجنتين ونيمار مع البرازيل وروبرتو ليفاندوفسكي مع بولندا ومحمد صلاح مع المنتخب المصري. ولكن هذه هي الصعوبات الأساسية لكرة القدم على المستوى الدولي، والتي لا تزال تعتمد على الأداء الجماعي في المقام الأول، لكن عندما تترك المهام الهجومية للأفراد بعيدا عن اللعب الجماعي وعندما تسود الخطط الدفاعية فإن عدد الأهداف سيقل، كما هو الحال في كأس العالم الحالية حتى الآن.

مشاركة :