كتبت قبل أيام في موقع (تويتر) تغريدة ناقدة أشرت فيها إلى وفاة عالِم جرثوميات عربي كبير، نعاه بيل غيتس قبل أن ينعيه العرب أو يعلموا بوفاته، أو حتى يعلموا بحياته! وقد حققت التغريدة غرضها فحظيت بعدد جيد من إعادة التدوير (ريتويت) والتعليقات. لكني فوجئت بأن عدداً قليلاً من تلك التعليقات كان مستاءً من التغريدة إذ اعتبرها من (جلد الذات) الذي آن أوان التوقف عنه! وبعد تأمُّل غير طويل توصلت إلى أني أمام أحد أمرين: إما أن هؤلاء لا يعرفون معنى جلد الذات، أو أني لا أعرف معنى النقد الذاتي. برأتُ نفسي سريعاً من التهمة الجزافية لأني أعرف صفات جلّادي الذات الذين لا يرون شيئاً حسناً في حضارتنا أو ثقافتنا أو واقعنا، فنحن عند هؤلاء الجلادين أصحاب ماضٍ مظلم وحاضر بليد ومستقبل رجعي. ونحن، بحسب زعمهم، لم نصنع شيئاً حسناً لهذه الحضارة البشرية، لا في ماضينا ولا حتى في مستقبلنا لأن التخلف، كما يظنون، هو جين وراثي في جنسنا العربي، هكذا يقول جلّادو الذات في بلادنا العربية. لكن مقاومتنا المشروعة لهؤلاء الجلادين/ المثبّطين، الذين يرون أن كل شيء على ما (لا) يرام، لا تعني التوقف التام عن نقد أنفسنا في حدود اللوم الذي يدفع إلى الإصلاح، لا اللوم الذي يدفع إلى الإحباط. ولكن بكل أسف، وكعادتنا في ممارسة النقائض، فقد تنامى في الآونة الأخيرة تيار نقيض للجلادين مهمته إقناع الناس بأن كل شيء على ما يرام، وشعاره الترفّع عن قبول أي نقد أو لوم، واعتبار ذلك فوراً من (جلد الذات) الذي توسعت مساحته وأصبح يحوي كل نقدٍ مهما خفّ أو صدق. ويتخذ كثيرٌ من أتباع هذا التيار (المثالي) أسلوب (التنمّر) في ردودهم وتعقيباتهم على كل من يقول شيئاً لا يوافق هواهم أو توجهاتهم. ووسيلتهم الأكثر تداولاً في ما بينهم في ساحة تويتر خــصوصاً هي تَنَاديهم بقول: «اجْلِد»، وكأنه قد حُكم على (المتوتر) العربي أن لا يترك السوط من يده، فهو إما جالدٌ لذاته أو جالدٌ لغيره! إصلاح واقعنا المتردّي لن يتحقق بالجَلْد، بل بجناحَيْ: التصالح مع الذات والتسامح مع الآخر. أما التجمّل بجلد أنفسنا أو بسلخ الآخرين فهو لن يحقق لنا سوى مزيد من الإحباط والاحتقار والاحتقان. أما آن لنا أن لا نُذيب أنفسنا بالشتم والتحقير المرهِق، ولا ننفخها بالمدح والتعظيم المخادع. أيها المتوتر ون: استخدموا، في تعليقاتكم وردودكم، الصوت لا السوط! * كاتب سعودي
مشاركة :