أكد محللون نفطيون أن وضع السوق يطلب إجراء تخفيضات على أسعار البيع الرسمي للخام كما فعلت السعودية والعراق إلى جانب التوسع في اتفاقيات التسويق الجديدة لتنشيط الطلب، كما فعلت الجزائر، فيما توقع آخرون تحسن مؤشرات النمو في اقتصاديات الدول الصناعية بنسبة 0.8 في المائة بدعم من تراجع تكلفة الإنتاج. وخفضت السعودية - أكبر مصدر للنفط في العالم- أسعار البيع التي تحددها شهريا لشحناتها إلى المشترين في الولايات المتحدة وآسيا، وهي خطوة قال محللون، إنها تظهر أن المملكة تصعد معركتها للحفاظ على حصتها في السوق. يأتي ذلك في وقت تراجعت فيه أسعار العقود الآجلة لخام برنت إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات أثناء التعاملات الآسيوية أمس، متراجعة عن 66 دولارا للبرميل بعد أن منيت بخسائر بلغت أكثر من 4 في المائة في الجلسة السابقة بفعل مخاوف من تزايد وفرة المعروض. وبحلول الساعة 05:20 بتوقيت جرينتش سجلت عقود برنت تسليم كانون الثاني (يناير) 65.44 دولار للبرميل بانخفاض 75 سنتا أو ما يعادل 1.13 بالمائة عن الإغلاق السابق وهو أدنى مستوى لها منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2009. وتعليقا على ذلك يقول لـ"الاقتصادية" المحلل العراقى عامر البياتي، إن التراجعات الحادة في سوق النفط لا يمكن إنكار تأثرها بعوامل سياسية واقتصادية وربما تكون العوامل السياسية هي الأبرز، خاصة ما يتعلق بالصراع الأمريكي الروسي من جانب، والأمريكي الإيراني من جانب آخر. وأضاف أن وفرة المعروض في المرحلة الحالية تعد السبب الرئيس في تدني الأسعار، خاصة أن الولايات المتحدة قلصت وارداتها النفطية إلى حد كبير في مقابل التركيز على زيادة إنتاج النفط الصخري ولكن تبقى الصين والأسواق الآسيوية في مقدمة مستهلكي النفط. وأشار البياتى إلى أن تخفيض الأسعار أمر بات محتوما في ضوء الوضع الراهن لسوق النفط، مشيرا إلى قيام العراق بخفض سعر البيع الرسمي لخام البصرة الخفيف المتجه إلى آسيا والولايات المتحدة للتحميل في كانون الثاني (يناير) المقبل لكنه رفع السعر قليلا للخام المتجه إلى أوروبا اقتداء بالسعودية التي أجرت خفضا حادا لسعر البيع الرسمي لخامها المتجه إلى آسيا والولايات المتحدة. وأوضح البياتي أن ميزانيات الدول المنتجة ستتأثر بتراجع أسعار النفط خاصة في العام المقبل، موضحا أن المؤشرات ظهرت هذا الأسبوع بإعلان مصرف ليبيا المركزي أن إيرادات الميزانية الليبية لهذا العام تراجعت إلى نحو 15 مليار دولار في الفترة حتى تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي من 45 مليار دولار قبل عام. ونبه إلى ضرورة الاهتمام بالتسويق وفتح آفاق جديدة لتجارة النفط، مشيرا إلى المحادثات التي تتم حاليا بين تركيا والجزائر لشراء تركيا المنتجات النفطية والنفط الخام من الجزائر. من جانبه قال لـ"الاقتصادية" كريستيان شونبور المختص في الطاقة النمساوي، إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط له انعكاسات إيجابية على أوروبا والدول المستهلكة؛ لأنه سيؤدي إلى تسارع التنمية الاقتصادية وتقليل تداعيات الركود الاقتصادي الناتجة عن ارتفاع تكلفة الإنتاج في أوروبا. وأضاف أنه بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإن انخفاض أسعار النفط بنسبة تجاوزت 30 في المائة سيترجم إلى ارتفاع في النمو بالاقتصاديات المتقدمة بنسبة 0.8 في المائة. وأشار إلى أن الدول المنتجة دون شك تعاني من هذا التراجع إلا أن الكثير منها لديه استعدادات لمثل هذه الظروف وأعدت ميزانياته وفق أسعار للنفط منخفضة، مشيرا إلى أن إبقاء "أوبك" لمستوى الإنتاج عند 30 مليون برميل يوميا دون تخفيض يعكس قناعتهم بأن الوضع ليس خطيرا على اقتصاديات الدول المنتجة. وأوضح أن انخفاض أسعار النفط يصب في الأساس في مصلحة الدول الصناعية التي لا تنتج كميات كبيرة من النفط، ففي ألمانيا على سبيل المثال ستتمكن الشركات والبيوت من توفير 35 مليار يورو في العام المقبل بسبب انخفاض أسعار النفط، كما سيسهم الأمر في خفض تكلفة الإنتاج لدى الشركات وزيادة القدرة الشرائية للمستهلكين. ويقول الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية المتوسطية للطاقة لـ"الاقتصادية"، إن من الصعب القول، إن "أوبك" قادرة على التحكم في أسعار النفط، مشيرا إلى أن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الماضية كان بسبب كثرة الطلب خاصة من جانب الدول الآسيوية، وليس بسبب تدخل "أوبك". وأضاف أن الوضع الحالي من تراجع حاد للأسعار ناتج عن دخول منتجين جدد إلى السوق خاصة مع توصل الولايات المتحدة إلى تقنيات حديثة تمكنها من إنتاج النفط والغاز من الطبقات الصخرية العميقة التى كان من المستحيل الوصول إليها في السابق وهو الأمر الذي تسبب في زيادة المعروض، كما تسبب في تقليص الولايات المتحدة للواردات النفطية وهي التي كانت السوق الأكبر في الاستهلاك. وقال، إن حصة "أوبك" في سوق إنتاج النفط العالمي تراجعت عن السابق بكثير حيث كانت تستحوذ على 40 في المائة من الإنتاج وهو ما يعني أن محاولتها الحالية للحفاظ على حصتها من السوق بتثبيت الإنتاج مشروعة وطبيعية ومتوقعة. وأظهرت بيانات صدرت في وقت سابق، أن صادرات الصين ارتفعت بنسبة 4.7 في المائة عن العام السابق في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مخالفة التوقعات للزيادة 7.9 في المائة، في حين انخفضت الواردات بنسبة 6.7 في المائة، مقارنة مع توقعات لزيادة قدرها 3.5 في المائة. واتسع الفائض التجاري للبلاد ليصل إلى 54.5 مليار دولار الشهر الماضي من 45.4 مليار دولار في تشرين الأول (أكتوبر) مقارنة مع تقديرات للفائض 43.2 مليار دولار. وبشكل منفصل، أظهرت بيانات معدلة أن الاقتصاد الياباني انكمش بنسبة سنوية تبلغ 1.9 في المائة في الربع الثالث، أكثر من التقدير الأولي للانخفاض 1.6 في المائة. وعلى أساس ربع سنوي انكمش الاقتصاد بنسبة 0.5 في المائة في الأشهر الثلاثة حتى أيلول (سبتمبر) الماضي، مقارنة بالتقديرات الأولية لانكماش بنسبة 0.4 في المائة.
مشاركة :