قد يكون حق الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية في أيامه الأخيرة بعد أن صوتت الهيئة القضائية الأعلى في البلاد ضد قانون تطبقه ولاية كاليفورنيا يقضي بإجبار "مراكز أزمة الحمل" على إعلام الحوامل بإمكانية الإجهاض، وخاصة بعد ابتعاد القاضي أنطوني كينيدي المعارض التقليدي لمنع الإجهاض عن المحكمة العليا واختياره التقاعد. منحت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية للمعارضين للإجهاض فوزا قيّما بعد أن حكمت ضد ولاية كاليفورنيا التي تفرض على مراكز الإجهاض إعلام الحوامل بإمكانية الإجهاض في أماكن أخرى . المحكمة العليا الأمريكية تعتبر القانون الذي تطبقه كاليفورنيا مخالفا للدستور قضاة محافظون، من جملة تسعة هم أعضاء المحكمة العليا الأمريكية المؤسسة القانونية الأعلى في كامل الولايات المتحدة، اعتبروا القانون السائد في كاليفورنيا مخالفا للدستور الأمريكي. في حين أعرب القضاة الأربعة المتبقين عن معارضتهم للقرار. قرار المحكمة العليا يهم أساسا "مراكز الأزمة لحالات الحمل" التي تشرف عليها مجموعات من المسيحيين والمحافظين وتعد بالمئات في كاليفورنيا وتنتشر في كامل الولاية الأمريكية. وتدّعي هذه المراكز أنها تقدم المساعدة والنصح إلى النساء اللواتي لا يرغبن في الحمل لكنها في الواقع تحاول بكل قوة منعهن من الإجهاض. في هذه المراكز أشخاصا يرتدون الزي الطبي وتتوفر فيها المعدات الطبية للقيام بالكشوفات خلال فترة الحمل، وسبق أن اتهمت هذه المراكز بأنها في الواقع مصحات مزيفة. كما تُتهم بأنها تدفع النساء الحوامل إلى الاعتقاد بأنه باستطاعتهن التمتع بعدة حلول طبية من بينها الإجهاض، لكن داخل هذه المراكز يتغير الخطاب. ولاية كاليفورنيا أجبرت هذه المراكز الخاصة على إعلام الحوامل بحقهن في الإجهاض أو الحصول على وسائل الوقاية من الحمل مجانا أو بأسعار منخفضة في مراكز أخرى تمولها الدولة. المعارضون للإجهاض في الولايات المتحدة لجأوا إلى القضاء في 2015 ضد هذا القانون الكاليفورني تحت ذريعة أنه يخالف حرية الوعي الذي يضمنه البند الأول من الدستور الأمريكي. وتعتبر المحكمة العليا الأمريكية، التي اعتبرت القانون الكاليفورني مخالفا للدستور، أقوى مؤسسة قضائية في البلاد كونها تضم 9 قضاة يعينون مدى الحياة، تفرض قراراتهم على الجميع من الرئيس الأمريكي إلى الكونغرس وكل الولايات الأمريكية الخمسين. رحيل القاضي المناهض لمنع الإجهاض .. الطعن في قانونية التشريع الكاليفورني من قبل المحكمة العليا الأمريكية قد يثير الشك حول مستقبل حق الإجهاض في الولايات المتحدة خصوصا بعد إعلان القاضي أنطوني كينيدي تقاعده من هذه المحكمة. هذا القاضي الذي تم تنصيه خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغن ويشغل هذا المنصب منذ أكثر من ثلاثين عاما. خصوصية هذا القاضي تكمن في ثقله في المحكمة نظرا لأن الهيئة القضائية العليا مقسمة بين خمسة قضاة محافظين من اليمين، وأربعة من الليبراليين اليساريين، وهو محسوب نظريا على المحافظين غير أن مواقفه وقراراته حول مسائل اجتماعية غالبا ما كانت تساند تصويت القضاة الليبرالين ليبعثر بذلك حسابات الأغلبية داخل الهيئة. تصويت أنطوني كينيدي كان حاسما مثلا بخصوص منح المثليين الحق في الزواج. وبما أن الحق في الإجهاض لم تتم المصادقة عليه أصلا من قبل الكونغرس الأمريكي بل منحته فقط المحكمة العليا الأمريكية في 1973 ما يعرف بتشريع "روو في وايد"، فمنذ ذلك الحين لم يخف الجمهوريون رغبتهم في مراجعة هذا الحق. ولايات أمريكية محافظة كتكساس مثلا تحاول تعقيد إجراءات الإجهاض وعشرات المراكز الصحية التي تجري عملياته أغلقت أبوابها منذ 2015 في هذه الولاية إلا أن منع الإجهاض لم يتسن فرضه قانونيا بسبب عدم توفر الأغلبية في المحكمة العليا نتيجة المعارضة الدائمة للقاضي أنطوني كينيدي. التضييق على هذا الحق يتخذ اليوم وفي عدة ولايات أمريكية أوجه متعددة منذ ذلك الحين كإطالة آجال الانتظار للإجهاض، التقليص في الفترة الزمنية القانونية لإجرائه وكذلك التعقيدات الإدارية التي يواجهها الأطباء الذين يمارسون عملياته. دونالد ترامب في المرصاد ابتعاد القاضي أنطوني كينيدي عن المحكمة العليا قد يمنح دونالد ترامب فرصة ذهبية لتسمية قاض جديد مكانه مناهض للحق في الإجهاض، وإذا وافق مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه أغلبية جمهورية على هذه التسمية فسيصبح عدد القضاة المناهضين للإجهاض أكثر من المساندين له في صلب المحكمة العليا. حينها سيصبح بإمكان "الولايات المحافظة" اللجوء إلى هذه المحكمة للمطالبة بمنع الإجهاض في هذه الولايات. دونالد ترامب قد يجد نفسه أمام فرصة ملائمة لتعيين قاض شاب في الغالب قادر على ممارسة مهامه في صلب هذه الهيئة القضائية لفترة قد تمتد ما بين 30 إلى 40 عاما... عماد بنسعيّد نشرت في : 28/06/2018
مشاركة :