بعد 25 عاما على مصرعه: بابلو إسكوبار ما زال يلهم صناع الأفلام

  • 6/29/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بنيشيو ديل تورو يبحث عن فردوسه المفقود لم يكن بابلو إسكوبار يتجاوز الرابعة والأربعين من عمره عندما قُتل في تبادل لإطلاق النار مع رجال الشرطة في كولومبيا عام 1993، ولكنه كان قد تمكّن خلال سنوات معدودة، من التدرّج والصعود في عالم تجارة الكوكايين، إلى أن أصبح أكثر المجرمين ثراء في تاريخ الإجرام في العالم، بثروة بلغت أكثر من 60 مليار دولار، وقيل إنه كان يتحكم في 80 بالمئة من الكوكايين الذي كان يتم تهريبه داخل الأراضي الأميركية. ينتمي بابلو إسكوبار إلى مدينة ميدلين، ثاني أكبر مدن كولومبيا، وفيها أسّس عصابته الإجرامية التي جعلت المدينة في وقت ما، تصبح ساحة لحرب مفتوحة مع السلطات منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين إلى أن لقي مصرعه عام 1993، وقد تفاوتت الروايات بشأن مقتله، فأصرّ البعض على أنه لم يُقتل، بل فضّل أن يموت بإطلاق رصاصة على رأسه بعدما وجد أنه حوصر من قبل رجال الشرطة. وكما كان إسكوبار أسطورة في حياته، فقد أصبح بعد موته أسطورة في عالم الخيال المصوّر: السينما والتلفزيون، تناولت السينما حياة ونشاط بارون المخدرات الكولومبي في أربعة أفلام تسجيلية وستة أفلام روائية طويلة كما في اثنين من المسلسلات التلفزيونية. ولا أحد يعرف على وجه اليقين كيف كان يمكن لهذا القاتل والمجرم الضليع في الإجرام، الذي أفسد الكثير من رجال الشرطة وأعضاء الحكومة والبرلمان ورجال الأعمال في عدد من الدول، أن يشعر إذا قدر له أن يعيش ويرى كل هذا الاهتمام السينمائي والتلفزيوني بشخصيته وعلاقاته، وهو الاهتمام المستمر منذ نحو ربع قرن. أول الأفلام التي تناولت شخصية بابلو إسكوبار هو الفيلم التلفزيوني الوثائقي الطويل بعنوان “بابلو إسكوبار: ملك الكوكايين” الذي عرض عام 1998، وهو من إخراج ستيفن دوبلر. ويرصد الفيلم من خلال صور ولقطات من الأرشيف لم يسبق عرضها من قبل، حياة إسكوبار وصعوده في عالم المخدرات وكيف أصبح أول ملياردير من النشاط الإجرامي في أميركا اللاتينية، من خلال مقابلات مصوّرة مع أفراد عائلته وبعض الصحافيين الذين كتبوا عنه وقاموا بتغطية أخباره ونشاطاته، وكذلك مع عدد من رجال الشرطة والمحقّقين الذين تناوبوا على قضاياه الكثيرة وأرادوا الإيقاع به، وكان هذا الفيلم جزءا من سلسلة “الأساطير” التعليمية التي كان يقدّمها بريانت غامبل لتلفزيون “أن.بي.سي” الأميركي. الفردوس المفقود في 2002 أنتجت قناة تلفزيون “وايلد أيز” فيلما وثائقيا آخر بعنوان “القصة الحقيقية لمقتل بابلو” من إخراج ديفيد كين، كان يتتبع التفاصيل الدرامية التي أدت في النهاية إلى مقتل إسكوبار بعد أن كان نجمه قد صعد وتصوّر أنه قد أصبح محصنا إلى الأبد. أما أول الأفلام الطويلة التي لفتت الأنظار حول شخصية إسكوبار الذي وصفه البعض بأنه روبن هود اللاتيني، فكان فيلم “إسكوبار: الفردوس المفقود” (إنتاج 2014)، وهو أول فيلم من إخراج الممثل الإيطالي أندريا دي ستيفانو، وهو يركز على الفترة التي شهدت تدهور عصابة إسكوبار، إلى أن يضطر لعقد اتفاق مع الحكومة عام 1991على أن يُسلِّم نفسه ويتخلى عن نشاطه الإجرامي، مقابل الحصول على حكم مخفّف، شريطة أن يقضي العقوبة داخل “سجن خاص” شُيِّد خصيصا لتلبية رغباته واحتياجاته الشخصية، وليس على غرار السجون الحكومية السيئة السمعة. ومع دخول إسكوبار هذا السجن “اللطيف” ينتهي الفيلم، لكن ما حدث في الواقع بعد ذلك، أن الاتفاق سقط بعد أن استمر إسكوبار في ممارسة نشاطه الإجرامي من داخل السجن، فنُقل إلى سجن عمومي، حيث تمكّن من الهرب ليعيد تجميع أوصال عصابته والدخول في معارك دموية راح ضحيتها الكثير من الأفراد من كلا الطرفين إلى أن لقي مصرعه. قام بدور إسكوبار الممثل الأميركي (من أصول بورتوريكية) بنيشيو ديل تورو وهو هنا أقرب ما يكون إلى شخصية روبن هود، فهو يُخصِّص قسطا لا بأس به من أموال المخدرات، لتمويل الجمعيات الخيرية، والمساهمة في بناء المدارس والمستشفيات وملاجئ الأيتام والكنائس، كما يعول الكثير من الأسر في المناطق الفقيرة من كولومبيا. ويصوّر الفيلم كل هذه الجوانب في شخصية إسكوبار، كما يسلِّط الضوء على علاقته بأهالي بلدته، من خلال كاميرا تتمتع بالحيوية، عبر مشاهد لا تُنسى بألوانها الدافئة وتكويناتها الموحية وموسيقاها البديعة، ويُصوّر كيف كانت الحشود البشرية من الفقراء الكولومبيين تستقبل إسكوبار كما لو كان المسيح المخلِّص، إلاّ أن الفيلم ينفذ إلى شخصية إسكوبار، من خلال شخصية خيالية مبتكرة، لشاب كندي يدعى نيكولاس يحضر مع شقيقه وزوجة شقيقه وطفلهما إلى تلك المنطقة الساحرة المطلة على المحيط مباشرة، بحثا عن الفردوس، حيث يؤسِّس مدرسة لتعليم الانزلاق على الماء بمساعدة شقيقه، ويتخذون من الغابة القريبة مكانا لإقامة مخيم يقطنون فيه. هذا الكندي المسالم وشقيقه سرعان ما يتعرضّان لابتزاز مجموعة من الأشقياء من شباب بلدة مجاورة يتزعمهم شاب عدواني شرير يطالبهم بدفع مقابل استخدام الغابة التي يزعم أنها ملك له، ثم يطلق كلبه المتوحش لينهش ذراع نيكولاس. ولكن يكفي أن يقص نيكولاس هذه القصة على إسكوبار الذي يلمح آثار نهش الكلب على ذراعه، لكي ينتهي الأمر كما سنعرف بعد ذلك، بشنق مجموعة الأشقياء وتركهم مُعلّقين فوق أشجار الغابة، ولعل في هذا ما يذكرنا على نحو ما بـ”الأب الروحي” لكوبولا. صناعة أميركية "صناعة أميركية".. فيلم خارج نطاق الواقع"صناعة أميركية".. فيلم خارج نطاق الواقع يتضمن فيلم “صناعة أميركية” (American Made) للمخرج دوغ ليمان (إنتاج 2016)، توليفة تقوم على المزج بين الكوميديا والإثارة وأسلوب فيلم الجريمة والمطاردة البوليسية وعالم التجسس ودهاليز السياسة في واشنطن، ليأتي الفيلم مشبعا بالمغامرات المثيرة، ومشاهد “الأكشن”، والنجاة في اللحظة الأخيرة، مستندا فيه على أحداث ووقائع حقيقية شغلت الرأي العام في أميركا وخارجها قبل أكثر من ثلاثين عاما. أما الخلفية السياسية لشخصيات ووقائع الفيلم فتقوم على ما افتضح أمره خلال الفترة الثانية لرئاسة رونالد ريغان، من تزويد بلاده سرا لميليشيات الكونترا اليمينية في نيكاراغوا بالأسلحة، وذلك بغرض إسقاط حكومة جبهة الساندنيستا اليسارية، واستخدم أموالا إيرانية دفعت من بيع أسلحة لإيران مقابل التعهد بإطلاق سراح الرهائن الأميركيين. ورغم اعتماده على بعض الحقائق الممزوجة بالكثير من الخيال، يظل “صناعة أميركية” فيلما خارج نطاق الواقع، فهو أقرب إلى ما يروّج من صور ووقائع تخضع لما يعرف بـ”نظرية المؤامرة”. ومن جهة أخرى، على الرغم من التماس المباشر مع أحداث وشخصيات حقيقية مثل كارتر، ريغان، كلينتون، الكولونيل أوليفر نورث، الجنرال نورييغا، والأهم بالطبع: بابلو إسكوبار بارون المخدرات الكولومبي الشهير وزميله خورخي رودريغيز، إلاّ أنه يبدو مصنوعا خصيصا لاستثمار صورة النجم توم كروز التي ترسّخت في ذاكرة المشاهدين حول العالم من خلال سلسلة أفلام “توب جن” (Top Gun) كبطل خارق، يتمتع بالوسامة إلى جانب الثقة بالنفس. المخترق في عام 2015 ظهر فيلم “المخترق” (The Infiltrator) للمخرج براد فورمان الذي يصوّر قصة تدور حول ضابط أميركي في الجمارك الأميركية يتنكر وينجح في اختراق عصابة إسكوبار لتجارة المخدرات من أجل الكشف عن تعاملاتها المالية وكيف تقوم بغسيل الأموال بالتعاون مع عدد كبير من البنوك، كما يكشف عن 85 من كبار بارونات المخدرات في العالم. ويستند الفيلم إلى مذكرات الضابط روبرت مازور الذي اضطر إلى تغيير هويته لكي يتسلل داخل عصابة إسكوبار، وقام بالدور الرئيسي أي دور الضابط بريان كرانستون، وبدور إسكوبار جون لوغويزامو. ووسط حملة دعائية كبرى بدأت شبكة “نتفليكس” في عرض الجزء الأول من مسلسل “ناركوس” (Narcos)، أي “المخدرات” عام 2015 الذي يضم ثلاثة أجزاء يتكون كل جزء منها من 10 حلقات، وقام بدور إسكوبار الممثل البرازيلي فاغنر مورا، وكانت الحلقات الأولى في الجزأين الأول والثاني تتابع تعقب الشرطة نشاطات إسكوبار ورصد جميع تحركاته وتسجيلها ومحاولة اختراق عصابته التي أسسها في بلدته ميدلين في كولومبيا. أما الحلقات العشر الأخيرة التي بدأ بثها في العام 2017 فتتناول علاقة إسكوبار بعصابة كارتيل الإجرامية لتهريب المخدرات وتطوّر تلك العلاقة وانهيارها وبدء الحرب بين العصابتين. ويبدأ المسلسل الذي أخرجه خوزيه باديلا، بإسكوبار وهو يشق طريقه في تجارة السوق السوداء بأشياء بسيطة ثم يزداد طموحه تدريجيا إلى أن يصبح أكثر المجرمين ثراء في تاريخ الجريمة في العالم، ويقال إنه عرض على الحكومة تسديد جميع ديون كولومبيا. ويصوّر المسلسل كيف كان يقوم بتكديس الأموال السائلة داخل براميل ومراكب صيد وسيارات وداخل بعض الأكواخ والمنازل، وقد اقتبس دوغ ليمان هذه الفكرة من فيلم “صناعة أميركية” ولكن بعد إلصاقها بالشخصية المخترعة للطيار الأميركي أو ضابط المخابرات الأميركية الذي يقوم بدوره توم كروز. وكان قد سبق مسلسل “نتفليكس” مسلسل آخر ناطق بالإسبانية بعنوان “بابلو إسكوبار: لورد المخدرات” (إنتاج 2012) يعرض سيرة حياته على مدار 113 حلقة، وهو من الإنتاج المشترك بين كولومبيا وأميركا. بنيلوبي كروز توقع بخافيير بارديم في "حب بابلو"بنيلوبي كروز توقع بخافيير بارديم في "حب بابلو" أما أحدث الأفلام التي تناولت شخصية إسكوبار فهو الفيلم الإسباني “حب بابلو” (Loving Pablo) (إنتاج 2017) الذي أخرجه الإسباني فرناندو ليون دو أرانوا، وقام بدور إسكوبار الممثل الإسباني خافيير بارديم أمام زوجته بنيلوبي كروز في دور الصحافية التلفزيونية التي يقع إسكوبار في حبها. وسيناريو الفيلم مقتبس عن كتاب “حب بابلو وكراهية إسكوبار” الذي يتضمن المذكرات الشخصية لفيرجينيا فاليخو عشيقة المجرم الوسيم التي تقوم بدورها كروز، وقد ارتبطت مع إسكوبار في علاقة غرامية لفترة طويلة قبل أن تتخلى عنه وتساعد السلطات الأميركية في تحديد مصيره ونهايته الدامية. ويُروى الفيلم من وجهة نظر فاليخو التي نراها في البداية، وهي في طريقها داخل طائرة خاصة إلى الولايات المتحدة بعد مصرع إسكوبار، ثم يعود الفيلم في “فلاش باك” إلى الثمانينات من القرن الماضي أو تحديدا إلى اللقاء الأول بين إسكوبار وفاليخو، عندما ذهبت تلبي دعوة لحضور حفل أقامه ولم يكن قد أصبح مشهورا بعد، وكان يعمل في خدمة الأثرياء الجدد في المدينة، حيث يقوم بتصفية خصومهم لحسابهم وتلقين كل من يتعرض لهم درسا قاسيا، أي كان أقرب ما يكون إلى “بلطجي”. وإثر ذلك، نشاهد كيف تطوّرت علاقتهما رغم أن إسكوبار كان متزوجا من فيكتوريا وظل معها وأنجب منها ابنا، ولم تكن هي تمانع من تركه يخوض مغامراته النسائية، طالما كانت تتمتع بالمال والاستقرار العائلي. ونشاهد أيضا تطوّر علاقة إسكوبار بعالم المخدرات ثم صعوده كنجم مجتمع فوق العادة، يفتتح المشاريع الخيرية ويصبح معبود الجميع في مدينته، يسمون أطفالهم على اسمه (بابلو)، ويتغنون باسمه، وكانت فاليخو تريد أيضا مساعدته في الوصول إلى منصب سياسي في البرلمان. ويعيب الفيلم استخدام الإنكليزية بلكنة كولومبية، بحيث ضاعت الكثير من عبارات الحوار، كما يتم تهميش دور الصحافية في الفيلم على الرغم من كونها الشخصية الرئيسية التي يفترض أننا نتابع الأحداث من وجهة نظرها، ويستغرق الفيلم كثيرا في وصف تفاصيل العنف والقتل وسفك الدماء والتعذيب الجسدي الرهيب الذي يمارسه إسكوبار ضد خصومه من رجال العصابات المنافسة. ورغم براعة خافيير بارديم في تقمص الشخصية، والكيمياء الموجودة بينه وبين كروز إلّا أن الفيلم يعاني من الترهل والاستطرادات والمشاهد التي قصد منها الإثارة فقط. سلسلة الأفلام عن شخصية إسكوبار الأسطورية أغلب الظن أنها ستستمر، طالما ظلت الشخصية وما يحيط بها من بعض الغموض والكثير من البريق، تجذب جمهور الخيال المصوّر الدرامي في العالم.

مشاركة :