مآل قصور أسرة محمد علي بعد ثورة يوليو 1952

  • 6/29/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في وقت الثورات والقلاقل، لا تجد ممتلكات الأسر الآفلة والسلطة الخاسرة، من يحميها. في العالم العربي الغني بآثاره وتواريخه، غياب جهات مسؤولة عن حماية الآثار، وقت الحروب والثورات ومباشرة بعدها يهدد بضياع تراث هو من حقّ شعوبها ومن حق البشرية أجمع. تتناول المقالة قصة ثورة مصر ومآل قصور أسرة محمد علي. ثورة يوليو عام 1952، "المباركة" في الثالث والعشرين من يوليو من عام 1952، تحرك مجموعة من الضباط ناحية قصر الملك فاروق وأجبروه عن التنازل عن العرش لولي عهده تمهيدا لإلغاء الملكية، وإنهاء حكم أسرة محمد علي الذي بدأ من عام 1805، واستمر قرابة 150 عاماً. وبذلك دخلت مصر عصراً جديداً استمر حتى اليوم، تميز بحكم ضباط الجيش، ولم ينقطع سوى سنة واحدة في فترة حكم الرئيس محمد مرسي وسرعان ما عادت مصر في أحضان حاكم بخلفية عسكرية. بعدما غادر الملك فاروق مصر على يخت المحروسة، أصبحت مصر وشعبها وقصورها وممتلكاتها في يد مجلس قيادة الثورة، لكن الثورة أطلقت أهدافها في ست نقاط عامة. تمثلت ثلاثة منها في إقامة جيش وطني قوي، وإقامة حياة ديمقراطية، وإقامة عدالة اجتماعية، وثلاثة أهداف أخرى تمثلت في القضاء على الإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال. وبرأي المختصين، إذا ما أردنا الحكم على حركة يوليو، نجد بأنها قد فشلت في تحقيق أهدافها. هنا يوسف زيدان يعلق بقوله "حركة 23 يوليو تراجع لم نزل نعاني من آثاره حتى الآن": المدقق في الأمر يعرف أنّ حركة الضباط الأحرار، التي أطلق عليها الحركة المباركة أولاً، لم تخصص في مشروعها وأهدافها الستة المعلنة أي اعتبار للثقافة والحفاظ على التراث الثقافي لدولة مصر، واحدة من أكبر الدولة في التراث الثقافي والتاريخي. وبقي أمام الحركة أزمة القصور الرئاسية لأسرة محمد علي التي غادرت البلاد مع ملكهم المُنقلب عليه، خوفاً من بطش ضباط يوليو، هذه القصور التي تعدل كنزاً قومياً لم يحسن الضباط استغلاله. دون شك، مع القلقلة الأمنية التي تتبع الحركات الثورية والانقلابات والحروب، تتعرض الآثار للنهب والإهمال وفي بعض الأحيان تصبح ساحة للصراعات، كما حدث في قلعة الحصن السورية، أو تنهب، كما حدث بعد ثورة يناير، حيث تمت سرقة الكثير من مقتنيات المتحف المصري بالجيزة. ولكن وضع حركة يوليو يختلف، حيث تم تسليم السلطة بدون أي مقاومة ولم يكن هناك وجود لأي تجمعات سوى للجيش المسيطر على زمام الأمور. قصر الأمير طاز يقول المعماري والدكتور حجاج إبراهيم، أستاذ العمارة والتراث لرصيف22، إن ضباط يوليو أهملوا القصور الرئاسية وأساؤوا استخدامها لجهلهم قيمتها. ويضيف: "فهل يعقل أن يُسند قصر الأمير طاز إلى وزارة المعارف، لكي تحوله لمخزن بدل إنقاذه من الإهمال، وهي خزنت فيه الكتب ومقاعد الدراسة نظراً لاتساع مساحته". ويتابع حجاج تعليقه، بقوله: "بعض قصور أسرة محمد علي تحولت إلى سكن لأعضاء مجلس قيادة الثورة أو إلى مبانٍ للمحافظات في الأقاليم". بينما يرى الكاتب والمؤرخ أحمد سعد الدين مؤلف كتاب فرعون ذو الأوتاد في مقابلة مع رصيف22 إن قضية تبديد القصور الملكية التي يعتبرها ثروة للشعب "أمر لا بد من محاسبة مجلس قيادة الثورة عليه، ولو محاسبة تاريخية، لأن القصور الرئاسية ثروة لا تُقدر بثمن، وهم أضاعوها أو استغلوها أسوأ استغلال".أقوال جاهزة شاركغردمأساة إهمال أو تدمير الآثار في العالم العربي الغني بالآثار والذي تحكمه في نفس الوقت، ظروف سياسية غير مستقرة شاركغردلم تخصص حركة الضباط الأحرار في مشروعها وأهدافها الستة المعلنة أي اعتبار للثقافة والحفاظ على التراث الثقافي لدولة مصر وقد رفض الدكتور حجاج إبراهيم الدعوات التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي دعت إلى بيع القصور، قائلاً لرصيف22: "إن القصور الرئاسية، وأي ملكية عامة في هذه البلد، هي ملك الشعب ولا يحق التصرف بها أو بيعها أو إهانتها لأن هذا تعدي على ملكية الشعب"، وأضاف أن هذه القصور من الممكن أن تدرّ ملايين الجنيهات لو تم فتحها للزيارة او تحولت الى متاحف مفتوحة تحكي قصة أصحابها. وطالب بتشكيل هيئة واحدة تشرف على هذه الكنوز لأن توزيع مسؤليتها على وزارة الثقافة ووزارة الآثار والوزارات المختلفة يفتح باباً من ابواب الفوضى النتاتجة عن صعوبة التنسيق. القصور الرئاسية من العصر الحديث آثار توثق حقبة هامة من تاريخ مصر، ويجب التعامل معها والحفاظ عليها كما يليق شاركغرد وفي نفس السياق، صرّح الدكتور محمد عبد اللطيف، مساعد وزير الآثار وعضو لجنة المنح الألمانية ببرلين، لرصيف22، أنّ الأمر لا بد أن يستغل لإعادة فتح موضوع الاستفادة من القصور الرئاسية على الوجه الأمثل. وأضاف أن غنى مصر الثقافي لا يقتصر على العصر الفرعوني، بل يمتد عبر تواريخها المختلفة، مؤكداً ضرورة التعامل مع القصور الرئاسية في العصر الحديث كآثار لحقبة هامة من تاريخ مصر، يجب التعامل معها والحفاظ عليها كما يليق. وقال "على وزير الآثار أن يطالب مجلس الوزراء بأن تكون القصور الملكية والأثرية تحت إمرة وزارة الآثار تطبيقاً لما نص عليه الدستور، فهي الجهة المنوط بها الحفاظ على الآثار والتراث المصري". أكمل القراءة أما الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة ومستشار أمين عام المجلس الأعلى للآثار السابق، ومؤلف كتاب "القاهرة التاريخية - قصر محمد علي في شبرا"، الذي قال لرصيف22 إن بعض القصور استغلت كمبانٍ لأنها لم تكن مسجلة في وزارة الآثار قبل ثورة يوليو. كما رفض فكرة أن تكون القصور مبانٍ للوزارات لأن الموظفين يسيئون إليها، ورأى أن هناك اتجاهاً في الدولة لاستغلال بعض القصور كفنادق، مثل قصر المنتزه بعد إضافة مبنى فندق فلسطين لحديقته. رفض الكاسباني القول إن ضباط ثورة يوليو نهبوا القصور، "لم يحدث أن استولى ضابط من الضباط الأحرار على غرفة واحدة من أي قصر". وطالب بهيئة عليا لحماية الآثار لأن مصر تُنهب، إذ إن وزارة الاوقاف قبل ثورة يوليو كانت هي المسؤولة عن القصور وأساءت إليها لأنها لا تعرف قيمتها. وأضاف أنّ "وزارة الآثار طبقا للدستور هي المنوط بها حماية الآثار , ولكن ورغم جهود خالد العناني وزير الآثار الحالي , إلا أنه لا يوجد اي ميزانية تُذكر للآثار في مصر. قصر المنتزهمشروع نقابة الأثريين من ناحية أخرى وافق مجلس النواب، في جلسته العامة في نوفمبر الماضي، برئاسة الدكتور علي عبد العال من حيث المبدأ على مشروع قانون مقدم من النائب أسامة هيكل و87 نائبا بإصدار قانون بإنشاء "نقابة الأثريين". ورأت اللجنة المؤلفة من لجنتي الإعلام والثقافة والآثار والشؤون الدستورية والتشريعية في تقريرها، أن مشروع القانون يأتي في إطار خطوات الإصلاح التشريعي للدولة لمواكبة التغييرات الاجتماعية والاقتصادية، وتنفيذا للالتزامات المقررة بموجب النصوص الواردة بالمادتين 76 و77 من الدستور. فهل يبقى لهذه النقابة دور في حماية ما تبقى من قصور مصر الملكية؟ وقال صلاح الهادي علي،  منسق نقابة الأثريين تحت التأسيس، لرصيف 22: "الغرض الأول من إنشاء نقابة الأثريين هو الاهتمام بحقوق العاملين في مجال الآثار أولاً، وتنظيم المهنة بين الأثريين ووزارة الآثار". وأضاف: "سيكون على قائمة أولوياتها قضية القصور الرئاسية". ويبقى السؤال هل ستظل القصور الملكية في مصر وقصور أسرة محمد على علي هذه الحالة أم أن للمستقبل رأياً آخر. اقرأ أيضاًبين الإرهاب والاتجار والإهمال... كنوز مهددة في 6 دول عربيةمن قلعة كردية وحصن صليبيّ ومقر ملكي إلى ساحة للحرب: قلعة الحصن السورية وتواريخهاإن لم تكن هناك فرصة أمامك لزيارة مصر، هنا وقفة في ثلاثة من متاحفها المنسية               بهاء حجازي صحافي مصري حاصل على بكالوريوس من كلية الاعلام في جامعة القاهرة، وروائي صدرت له أربع روايات كان آخرها "لم تعتنق دينا بعد" و" ما بعد رحيله". يدرس السيناريو في أكثر من ورشة ثقافية في مصر. كلمات مفتاحية الحفاظ على الآثار الملكية العامة قصور الرؤساء التعليقات

مشاركة :