توصل الاتحاد الأوروبي بصعوبة إلى اتفاق لتحصينه أمام المهاجرين، فيما تتبع المستشارة ميركل الركب لإنقاذ مكانتها السياسية. وهذا الاتفاق لا يعكس حلا طويل الأمد، كما يرى بيرند ريغرت في تعليقه التالي: بعد ليلة طويلة من المفاوضات توصل رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي لاتفاق حول إدارة الهجرة، وهو يعني بالأساس تحولا إلى اليمين في اتجاه إقامة قلعة أوروبا. الشعبويون فرضوا أنفسهم. إنهم يتحصنون. وتم نقل المشكلة إلى الخارج. معسكرات في ليبيا ودول أخرى في شمال إفريقيا من شأنها إصدار مفعول ردعي بحيث لا يستطيع المهاجرون الأفارقة الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. وهذه الاستراتيجية تخضع لنفس نموذج الاتفاق المبرم مع تركيا. وفي بحر إيجه أدى غياب امكانية مغادرة الجزر اليونانية إلى تقليص عدد وطالبي اللجوء والمهاجرين الذين ينقلهم المهربون في قوارب متهالكة للوصول إلى الاتحاد الأوروبي. فالردع هو شعار الساعة، وهذا ليس جديدا. الجديد هو أن الردع يجب الآن فرضه من خلال إنشاء "مراكز استقبال" في شمال إفريقيا، وبالتحديد في ليبيا حيث يتم استغلال المهاجرين وتعذيبهم وحيث يسعى الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد هذا البلد كشريك. و يتم تجهيز شرطة خفر السواحل الليبية من قبل الاتحاد الأوروبي لتتولى مستقبلا مراقبة منطقة بحرية أوسع لمراقبة المهاجرين. والهدف واضح: وهو إعادة الذين أنُقذوا وسط البحر إلى المواقع التي انطلقوا منها. إذن الهدف هو الردع. استراتجية يتم لفها بكثير من المال والكلمات الجميلة حول التعاون مع بلدان الأصل الإفريقية. وهذا التعاون الذي تشير إليه المستشارة يجب أن يأتي في العقود المقبلة بنتائج. وهذا عمل طويل الأمد بالنسبة إلى الإشكالية السياسية الراهنة. والمؤسف هو أن الحكومة الشعبوية اليمينية الجديدة في إيطاليا فرضت موقفها المرتجل بشأن إعادة السفن العالقة في البحر. والابتزاز أتى بمفعوله. وحصلت إيطالي،ا على الأقل على الورق، على المعسكرات المغلقة داخل الاتحاد الأوروبي والتي يتم انطلاقا منها إعادة الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا أو توزيعهم على بلدان متطوعة. خبير دويتشه فيله برند ريغيرت المسؤولية تقع الآن على الهاربين! قد تبدو استراتيجية الردع الأوروبية قاسية، إلا أنها ماتزال فيما يخص طرق الهجرة من ليبيا إلى إيطاليا مجرد خيال. فمن غير الواضح من سيقيم هذه المعسكرات ومن سيديرها ويراقبها. وورد بشكل موجز، في بيان القمة أن هذه المعسكرات لا يجب أن تقدم " تحفيزا إضافيا للهجرة". ويمكن للمتشددين داخل الاتحاد الأوروبي الذين خضعوا للضغط الشعبوي أن يهللوا بالانتصار. وبات بإمكان فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري أن يقول إن مشروعه بإقامة سياج واعتماد الردع والترحيل على الحدود ـ فرض نفسه في نهاية المطاف. فإضفاء طابع الأوربانية (نسبة إلى أوربان) على سياسة الهجرة الأوروبية مفهوم بسيط ومخيف. ولم يعد أحد يتحدث عن هجرة شرعية أو هجرة منظمة نحو أوروبا. وعلى الرغم من ذلك، فإن تفاهم بروكسيل يبقى مؤقتا: فالمشكلة الأساسية للاتحاد الأوروبي تكمن في غياب تضامن الدول الأعضاء فيما بينها، وهذا المشكل لم يُحل بعد، بل تم تأجيله فقط. إن توزيع اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين الذين ينجحون في الوصول إلى أوروبا ترفضه مجموعة متزايدة من الدول. ولا توجد قواعد جديدة لتحديد من هو المسؤول عن طالب اللجوء، وبالتالي فإن معاهدة دبلن (حول شروط التكفل بطالبي اللجوء) تبقى ساري المفعول. مستقبل ميركل لا يزال في خطر ما موقع المستشارة الألمانية في كل هذا؟ أنغيلا ميركل لم تحقق تقدما كبيرا في الخلاف الذي يجمعها مع وزير داخليتها. وإذا ما لجأت ألمانيا، كما يريد هورست زيهوفر، إلى إبعاد طالبي اللجوء فورا على الحدود الألمانية، فإن النمسا ستدفعهم بهم إلى إيطاليا وتغلق حدودها. ولم تتمكن ميركل من إبرام اتفاقيات ثنائية لتحديد وضبط الإجراءات بهذا الشأن. فهي وافقت كليا على سياسة الردع على الحدود الخارجية المتبعة من قبل باقي المشاركين في القمة حت تتمكن على الأقل من الحديث عن التوصل لـ"حل أوروبي". وهذه أول مرة منذ وقت طويل لم تعد المستشارة تتحكم في سير قمة أوروبية. ويبقى مشكوكا فيه ما إذا كان هذا سيكفي لإحلال سلام دائم مع الحزب الاجتماعي المسيحي. هذه "القمة المصيرية" للمستشارة أتت بالقليل من الحلول العملية. لقد أقر الاتحاد الأوروبي مجددا بأن مشكلة "الغزو" و "الضغط على الحدود" الذي استمر الجدل حوله طوال الليل موجود فقط في الحقيقة في رؤوس الحكومات الشعبوية وأنصارها المعادين للأجانب بشكل متزايد. فعدد الأشخاص الوافدين إلى الاتحاد الأوروبي انخفض مقابل 2015 بنسبة 95 في المائة، حسبما ورد في وثيقة القمة. والآن يدور الأمر فقط حول إبعاد الـ 5 في المائة المتبقية عن الاتحاد الأوروبي.
مشاركة :