كربلاء (العراق) - أحرج تصعيد تنظيم داعش لعملياته الدموية في العراق، رئيس الوزراء حيدر العبادي، في فترة شديدة الحساسية للرجل الذي اقتربت ولايته الحالية على رأس الحكومة من نهايتها، وكان قد خاض انتخابات مايو الماضي متزعّما تحالفا انتخابيا يشير اسمه بوضوح إلى الـ”نصر” العسكري على التنظيم، ويخوض حاليا صراعا سياسيا للحصول على ولاية ثانية. وغداة دعوة العبادي إلى عدم التهويل بشأن نشاطات داعش في العراق، أقدم التنظيم على قتل ستة من أفراد القوات الأمنية بعد أيام من اختطافهم على طريق بغداد-كركوك، لتردّ الحكومة على ذلك بإعدام عناصر من التنظيم مدانين في قضايا إرهابية، بحسب ما أعلنته وزارة العدل، الجمعة. والأسبوع الماضي اتّهم العبادي “مرجفين يريدون إثارة الشائعات والخوف ويضخمون من أعمال العدو (داعش)”. لكن تواتر أنشطة التنظيم وسقوط المزيد من الضحايا على يد عناصره الذين تحوّلوا إلى حرب العصابات بعد هزيمة تنظيمهم عسكريا، بدآ يوسّعان دائرة التوجّس من انتكاس الوضع الأمني في العراق. والملف الأمني محرج لرئيس الحكومة العراقية في هذه الفترة على نحو خاص، لأنّ حسم الحرب ضدّ تنظيم داعش يكاد يكون إنجازه الوحيد خلال فترة حكمه التي شارفت على الانتهاء، حيث تعسّر عليه تحقيق إنجازات تذكر في ملفات اجتماعية واقتصادية، وفي معالجة قضايا تشغل الرأي العام مثل محاربة الفساد. وتكاد النشاطات المتزايدة لتنظيم داعش على الأراضي العراقية خلال الفترة الأخيرة، تعصف بذلك الإنجاز الذي يأمل العبادي في العبور عن طريقه إلى ولاية ثانية على رأس الحكومة بعد حصوله على المرتبة الثالثة في الانتخابات النيابية التي جرت مؤخّرا. وانهالت الانتقادات على حيدر العبادي بسبب الوضع الأمني المتراجع، وكان من أشدّها وقعا نقد مرجعية النجف ذات السلطة الروحية والمعنوية الكبيرة على شريحة هامّة من العراقيين. مرجعية النجف تحذّر من إهمال الوضع الأمني والانشغال بنتائج الانتخابات وعقد التحالفات والصراع على المناصب ودعت المرجعية الشيعية العليا في العراق، الجمعة، الحكومة إلى عدم التغاضي عن القضاء على الجهاديين والانشغال بالانتخابات، منتقدة تقاعس السلطات في إنقاذ الرهائن الذين عثرت القوات الأمنية على جثثهم قبل يومين بعدما أعدمهم تنظيم داعش. وقال الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، المتحدث باسم المرجع آية الله علي السيستاني خلال خطبة الجمعة في كربلاء “تلقينا وتلقى العراقيون جميعا، ببالغ الأسى والأسف، نبأ العملية الإجرامية التي قامت بها عصابات داعش، باختطافها وقتلها لعدد من الإخوة العاملين في إسناد القوات الأمنية والشرطة”. وأضاف “نتقدم بهذه المناسبة بأحر التعازي وخالص المواساة لعائلات الشهداء الذين لم تنفع مناشدتهم في قيام الجهات المعنية بالتحرك السريع لإنقاذ هؤلاء”. وعثرت القوات الأمنية العراقية، الأربعاء، على جثث ثمانية أشخاص قرب طريق بغداد كركوك، بينهم ستة مخطوفين ظهروا في فيديو لتنظيم داعش الأسبوع الماضي. وعقد رئيس الوزراء سلسلة اجتماعات مع مسؤولي الأمن والمخابرات منذ ظهور المقطع المصور لعملية الخطف. وردا على إعدام الرهائن، نفذت السلطات العراقية حكم الإعدام الخميس في 13 مدانا من عناصر داعش، بناء على أوامر من رئيس الوزراء الذي دعا إلى “إنزال القصاص العادل فورا بالإرهابيين” المحكوم عليهم بالإعدام وبات الحكم عليهم نهائيا بعد استنفاد فرص الاستئناف. وقال العبادي خلال اجتماع مع قيادة العمليات المشتركة بحضور وزيري الداخلية والدفاع إن “قواتنا الأمنية والعسكرية ستقتص بقوة من الخلايا الإرهابية”، وأضاف مقدما التعازي إلى عائلات القتلى “وعد منا بأننا سنقتل من ارتكبوا هذه الجريمة أو نمسكهم. كما وعدنا سابقا بتحرير الأرض”. وعكست جنازة المخطوفين الذين قتلهم داعش وعي رجل الشارع بوجود توظيف للملف الأمني لأغراض سياسية، حين رفع المشيّعون لافتات تحذّر رجال السياسة من حضور الجنازة أو محاولة استغلال الحدث لتحقيق مكسب سياسي. وتسود قناعة في العراق وحوله بأنّ النصر العسكري على تنظيم داعش وانتزاع الأراضي الواسعة التي احتلها انطلاقا من سنة 2014، من سيطرته، لا يمثّلان نهاية المعركة ضد التنظيم ولا بداية الاستقرار التام في العراق. وأشار الكربلائي إلى أنه “سبق أن نبهنا أن المعركة مع عصابات داعش لم تنته. إذ لا تزال مجاميع من عناصره تظهر وتختفي بين وقت وآخر”. وتابع “ليس من الصحيح التغاضي عن ذلك والانشغال بالانتخابات وعقد التحالفات والصراع على المناصب والمواقع، وعن القيام بمتطلبات القضاء على الإرهابيين وتوفير الحماية والأمن للمواطنين”. ولفت إلى أن “الرد السريع والمجدي على جريمة اختطاف وقتل المواطنين الستة المغدور بهم يتمثل بالقيام بجهد أكبر استخباريا وعسكريا في تعقب العناصر الإرهابية وملاحقتها”. ورغم إعلان بغداد انتهاء الحرب ضد التنظيم عقب استعادة الموصل آخر مدينة مأهولة كان يحتلها، يشير خبراء إلى أنّ المسلحين المتطرفين مازالوا كامنين على طول الحدود المعرّضة للاختراق بين العراق وسوريا وفي مخابئ داخل مناطق واسعة من الصحراء العراقية.
مشاركة :