تحقيق: مها عادل في حضرة كأس العالم، يتغير شكل الحياة وإيقاعها داخل البيوت وبين أفراد الأسر والعائلات، تتحدد مواعيد الزيارات العائلية والالتزامات الاجتماعية والمشاوير بناء على جدول مبارياته، وتقود أحداثه وفعالياته زمام الأحاديث والمناقشات، من يهوى كرة القدم يمكن أن تدور أحاديثه حول أفضل اللاعبين والمباريات والأهداف وتقنيات التحكيم الجديدة، وحتى من لا يعرف الكثير عن كرة القدم يجد في صور المشجعين والمشجعات وتفاصيل المونديال وأداء المنتخبات العربية ودراما الفوز والهزيمة مواد دسمة للمناقشة تضع أحداث هذا العرس الكروي الكبير ضمن أولويات الحديث والتواصل بين الناس في الحياة الواقعية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.كأس العالم تعيش بيننا هذه الأيام، فكيف غيرت من ملامح ونمط الحياة في كثير من بيوتنا العربية، في السطور الآتية سنتعرف إلى تجارب بعض المشاهدين من الأسر العربية مع المونديال: تحدثنا سحر علي (ربة بيت) وتقول: «منذ بداية مباريات كأس العالم تغيرت ملامح حياتنا تماماً واختلفت عاداتنا اليومية وأسلوب قضاء وقت الفراغ والعطلات الأسبوعية، فأصبح شعارنا في البيت «لا صوت يعلو فوق صوت المباريات»، صوت المعلقين الرياضيين يجلجل في كل أنحاء المنزل وهتافات الجماهير تطاردني طوال اليوم، فأنا أم لولدين في سن المراهقة ومثل كثير من الأمهات شاركتهما المتابعة والتشجيع والاهتمام في بداية كأس العالم عندما تعلق الأمر بالفرق العربية، ولكن عندما توالت الهزائم على الفرق العربية فقدت اهتمامي سريعاً، وزوجي أيضاً لا يقل عن أبنائي اهتماماً بمتابعة جميع المباريات وحتى المباريات التي يتصادف أن يكون خارج البيت أثناءها بسبب العمل، أجده يعود إلى البيت ليشاهد ملخص المباراة ثم استوديو التحليل ثم إعادتها، وعندما يجلس إلى جهاز الكمبيوتر يعود إلى اليوتيوب ليراجع أهم الأهداف واللقطات التي فاتته، وكأنه يقوم بعمل رسالة دكتوراه متخصصة في كرة القدم، والواقع أنني لا أتذمر كثيراً عندما أقارن نفسي بصديقات أخريات يشكون مر الشكوى من غياب الزوج والأبناء وتواجدهم في المقاهي لمشاهدة المباريات، فعلى الأقل يشاهد أبنائي المباريات في المنزل وأصبحت أرتب مواعيد خروجي مع صديقاتي أثناء المباريات، لأخذ استراحة قصيرة من أجواء المونديال التي احتلت البيت.أما سلمى محمود (موظفة في بنك) فتضحك وتقول: أنا أعيش في كأس العالم بشكل فعلي وليس فقط على سبيل المجاز، فأبني الأكبر فاجأني قبل بدء مباريات كأس العالم بأنه اتفق مع زملائه في الجامعة للسفر إلى روسيا لتشجيع المنتخب المصري الذي تأهل، ورغم معارضتي للفكرة إلا أن والده وافق وأقنعني بأنها فرصة لا تتكرر كثيراً لأن كأس العالم تقام كل أربع سنوات والمنتخب لم يتأهل منذ 28 سنة، وبالتالي قد لا تتاح لابني هذه الفرصة مرة ثانية بسهولة، وهكذا وافقت وأعيش حالياً في روسيا بروحي وعقلي رغم وجودي جسدياً هنا، فلا أستطيع أن أبدأ يومي من دون أن أتواصل معه صوتاً وصورة، وأتابع مقاطع الفيديو التي يرسلها لي باستمرار واستعيدها مراراً وتكراراً، وعندما أشاهد المباريات أركز في المدرجات ربما أجده مع زملائه بين جموع المشجعين. أما عاصم عبد الله ( موظف بدبي )، فقد اتفق مع زوجته قبل مباريات كأس العالم على أن تعفيه من التزاماته طوال فترة المونديال، ويقول: هذا حدث يقام كل أربع سنوات وبالنسبة لعشاق كرة القدم مثلي فهو الحدث الأهم والأجمل، ولا أريد أن يشغلني عنه أي أمور اعتيادية أو روتينية يمكن تأجيلها مثل الزيارات العائلية أو مشاوير شراء احتياجات البيت أو لوازم السفر في الإجازة الصيفية، وقد تفهمت زوجتي ذلك وأصبحت تسألني عن جدول المباريات مسبقاً قبل أن تخبرني بحاجتها إلى وجودي معها في موعد معين أو لإنجاز بعض الأمور، ورغم أنني عادة في مباريات الدوري الأوروبي المهمة أفضل مشاهدتها في المقاهي وسط الجمهور، حيث يضفي عليها الحضور الجماعي رونقاً مشابهاً لأجواء الاستاد، إلا أن مباريات كأس العالم أفضّل مشاهدتها في البيت، ولذلك فقد قمت بالاشتراك مسبقاً في القنوات الناقلة للبطولة وشراء تلفزيون جديد 55 بوصة ليزيد من متعتي بالمشاهدة ومتابعة جميع التفاصيل وحتى تستطيع زوجتي متابعة برامجها التلفزيونية المفضلة في جهاز التلفزيون الآخر من دون أن تقطع متابعتي للمباريات، فكل المباريات مهمة.أما أيمن عبد القادر ( موظف بدبي ) فيتفق مع هذا الرأي ويقول: إن مباريات المونديال غيّرت نمط حياتي تماما ليس في المنزل فقط ولكن في العمل أيضاً، فالمؤسسة الإعلامية التي أعمل بها خصصت لنا قاعة داخلية وجهزتها بشاشة عملاقة ومقاعد مريحة لتسهل علينا متابعة أحداث المونديال، بعضنا يتابع المباريات حتى يقوم بالتغطية الإخبارية، وبعضنا يجعل وقت الراحة يتزامن مع المباريات المهمة، ولذلك فأنا أقضي معظم أوقات المباريات في المؤسسة حتى في أيام الإجازة أو عندما أكون خارج أوقات الدوام، لأشارك بهجة مشاهدة المباريات مع زملائي، وأعتقد أن ما فعلته الإدارة بهذا الصدد ساهم في تعزيز أواصر الارتباط بيننا والانتماء إلى مكان العمل.أما غادة حسين ( مدرسة بالشارقة )، فهي لم تكن تعرف كثيراً بكرة القدم كما تقول، ولكنها تشعر بتأثير كأس العالم في حياتها، فرغم أنها لم تكن تستمتع بمشاهدة المباريات ولم تكن تعرف قوانين اللعبة أو أسماء اللاعبين، ولكنها وجدت نفسها تشارك زوجها في الاهتمام بالمباريات وتقول: «في البداية كنت عندما أشاهد مباراة أركز على انفعالات اللاعبين والجمهور وأشعر بالأسى الشديد عندما أشاهد حالات البكاء أو الحزن وأتعاطف معهم، وعندما يتعلق الأمر بالفرق العربية يكون حزني مضاعفاً، بينما تكون مشاعر زوجي مختلفة فهو يتنقل بين الحماسة والغضب، ويحدثني كثيراً عن تفاصيل مختلفة داخل المباراة، وأحاول أن أصغي وأفهم وبالفعل تعلمت الكثير عن هذه الرياضة الساحرة ولم أعد أتعامل مع الحدث بمشاعري فقط فأتعاطف مع الفريق المهزوم الذي يبكي مشجعوه، وشيئاً فشيئاً وجدت نفسي مصابة بعدوى الاهتمام بمتابعة المباريات ومقارنة النتائج، خاصة أن البيت يتحوّل في أحيان كثيرة إلى مقهى يجتمع فيه أصدقاؤنا وزملاء ابني بالمدرسة لمشاهدة المباريات سوياً، وكثيراً ما أنجرف للدخول في مناقشات وحوارات حول قرارات الحكام وأداء اللاعبين، وزادت معرفتي بكرة القدم كثيراً وأصبحت أتابع بشغف مع زوجي وأبنائي وأصدقائنا جميعاً، خاصة أن المونديال الآن هو حديث الساعة بكل بيت ومن الصعب تجاهله».
مشاركة :