استحال الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني صحافياً حين وصف قمة الدوحة قبل يومين من انعقادها بأنها قمة «الفرحة». هذا التصريح من رجل متحفظ وحذر غالباً ولم يسبق له أن بادر بتمرير مضامين أي نشاط خليجي يوحي بأن هذه القمة علامة فارقة في مسار بلدان الخليج، وأن القادة جاؤوا على اتفاق مسبق ومكتمل الأركان ولم يبق سوى إعلانه. حين يستخدم الزياني هذه اللغة البهيجة فهو يعني أن القمة ستعلن نتائج تهم مواطنيها وتبث فيهم الفرحة، لأن الخلافات ذاتها طويت وانتهت صفحتها، كما يؤكد أن لا نقاط تباين في الملفات سواء مصر أم ليبيا أم اليمن وإيران وسورية والعراق ولبنان وكل الملفات التي أضحت هذه المنظومة مسؤولة عنها ومهمومة بها، سواء بحكم التأثير المباشر أم لكونها الكتلة الوحيدة المتماسكة عربياً والتأثير ذاته إقليمياً ودولياً. عند ظهور هذه المقالة ستكون القمة قد انتهت ببيانها ومؤتمرها الصحافي واستبانت كل نتائجها، لكن أهميتها أنها استحضرت الوعي الخليجي بالخطر تماماً كما كانت الحرب العراقية - الإيرانية أبرز أسباب نشوئها، وأن الجميع أيقنوا أن دروبهم إن تباعدت فلن يسلم منهم أحد، فهم كتلة واحدة وجودياً سواء كان المجلس أم لم يكن، ولا يمكن فك الارتباط إلا إن كان المرء يستمتع بقطع ذراعه. لم يسبق لقمة خليجية أن كانت محور الاهتمام كما كانت أمس، فهي عصارة الحضور الخليجي وعلامة قوته أو تهاونه، وهي الرسالة الأخيرة التي تزيده قوة وهيبة أو تضعه في مهب الريح، إلا أن القلق أو التوتر ذاب من وجوه الجميع من مسؤولين وإعلاميين، فلا قضايا شائكة أو نقاط معلقة بما في ذلك الملف المصري الذي أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الاتفاق عليه في تصريحه بعد قمة الرياض واتفاقها التكميلي. مقالات الصحف وتقارير التلفزيونات ومواقع التواصل كلها أصيبت بعدوى فرحة الزياني، فتناقلتها وتبادلتها ودارت النقاشات عن عدد النتائج ومستوياتها حتى بلغت النشوة حد إعلان أن الاتحاد سيكون أبرز النتائج وأظهرها على رغم الملفات الشائكة التي تحيط به وتعيق ظهوره مرحلياً. الخليجيون الذين أنشأوا مجلسهم لصيانة بلدانهم من شرارات حرب الجوار، يؤسّــس لنـفسه هويّة أمنية ودفاعية جديدة تجعل الاتحاد حقيقة وإن لم يُعلن اسماً وإطاراً. كاد الخليج أن يكون ضحيّة التجاذبات السياسية الخارجية، وأن يصبح الأخوة خصوم مراياهم، لكنهم استعادوا وعيهم وروحهم، ما جعل الزياني الذي غمره اليأس زمناً يصرّح بالفرحة ويبشّر بها. ليس للخليج خيارات مترفة، وأي خطأ قد يكون عاصفة لا ينتهي نطاقها، لكنهم اليوم أرسوا دعائم خيمتهم واصطفوا حول عمودها وحموا بعضهم. ظهرت نتائج القمة فما هي يا ترى؟ وما حدود الفرحة التي أطلقتها؟ هل كان الزياني مبتسماً في المؤتمر الصحافي؟ هل جاءت النتائج بحجم الاهتمام والتطلعات؟ هل سعد الإعلام بكل التسريبات الإيجابية؟ الأكيد أن شمس اليوم المشرقة على الخليج لن تكون كسابق عهدها أبداً؟
مشاركة :