لقد عاصرنا زمناً كانت الكويت فيه أقل تصحراً وأكثر اخضراراً، حيث كانت تنتشر فيها أشجار السدر والأثل والصفصاف وغيرها، كما كان البر يلبس رداءً كثيفاً من النباتات البرية، مثل العرفج والحمض إضافة إلى النوير الذي كان يفرش الأرض كسجاد أبيض وأصفر وبنفسجي، حيث كانت هذه البيئة جاذبة للطيور المهاجرة والمقيمة بما فيها الجارحة، وكذلك الحيوانات والزواحف وغيرها من التنوع الإحيائي.كانت أرض الكويت معطاءة قبل أن تدنسها يد الإنسان ومركباته، التي دمرت البيئة كما كنا نعرفها، حتى أصبحت صحراء قاحلة مليئة بالمخلفات، خالية من أي حياة للطيور والحيوانات، بسبب الصيد الجائر من قبل المستهترين، بعيداً عن طائلة القانون واهتمام الدولة، بل كانت هناك منطقة برية في جنوب الكويت، تسمى عريفجان لكثرة نبات العرفع الذي كان ينبت فيها ويغطيها بكثافة، وتحولت مع السنوات إلى صحراء قاحلة تماماً، وخاصة أن البعض كان يقتلع هذا النبات لإطعام أغنامه.وأخيراً شاهدت فيديو وثائقيا عن محمية الجهراء، ولم أصدق أن تلك البقعة الرائعة الخضراء موجودة في الكويت، فقد بدأ الاهتمام بهذه المحمية في العام 1987، ثم تعرضت للإهمال في سنة الغزو وبعده، ثم عاد الاهتمام بها بإصرار من المخلصين والمهتمين من أبناء الكويت، للحفاظ على البيئة الكويتية المفتقدة، بل تم مد أنابيب لتزويد المحمية بمياه الصرف الصحي المعالج، لتتحول بعد عشرين عاماً إلى بحيرات خلابة، تنبت حولها نباتات البوص أو أعواد القصب، وبهذا أصبحت بيئة جاذبة للطيور المهاجرة والمقيمة، التي بلغت أعدادها أكثر من 250 نوعاً، بما فيها الحمام والدجاج البري الجميل، وأنواع مختلفة من البط والطيور التي تعيش على ضفاف الماء.كما أصبحت مكاناً مناسباً لمراقبي الطيور وللباحثين، ولهواة ومحترفي تصوير الطيور والحيوانات البرية مثل الثعالب العربية، وهذا شجع المسؤولين عن المحمية، فمدوها إلى ساحل البحر الذي أضفى عليها بعداً بيئياً آخر.ولكن المحمية لم تسلم من الغزاة الجدد، كما أسماهم أحد المسؤولين، الذين كان يقتحمون أسوار المحمية، ويستخدمون أسلحتهم في اشباع هواية القتل العشوائي للطيور، تاركين خلفهم أكواماً من الخراطيش، غير عابئين بالقانون.وأنا أتساءل وفي ظل نجاح هذه التجربة، ألا يمكن تكرار هذه المحمية في مناطق أخرى، مثل منطقة عريفجان التي افتقدناها؟ وكذلك في ظل جرائم التلوث البيئي في جون الكويت، ألا يمكن الإسراع في عمل هذا الجون النادر محمية بحرية، لنستعيد بعضاً من بيئتنا التي اغتيلت، كما يمكن أيضاً منع التخييم لبضع سنوات، حتى يستعيد البر بهاءه الأخضر، وتعود الطيور الهاربة.osbohatw@gmail.com
مشاركة :