عبقرية ليوناردو دافنشي

  • 7/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز عبقرية ليوناردو دافنشي لا تظهر للعالم من خلال الرسم فقط، بل تظهر أيضاً في شخصية أخرى له قد لا يعرفها الكثيرون، وهي كونه مفكراً وأديباً وفيلسوفاً. هذا كلّه، وربما بعضه، نعرفه من كتاب «ليوناردو دافنشي - الأعمال الأدبية»، ونقله إلى العربية عن الإيطالية مباشرة الشاعر السوري أمارجي الذي لا يعرفه الكثيرون أيضاً من الشعراء العرب، ولكنه يعطي دائماً مادة أدبية شعرية صافية أو مصفّاة بعيداً تماماً عن دوائر الإعلام والتعريفات «المهرجانية» الخاوية من المعنى. إنه أمارجي الذاتي، والوقور مع ذاته الكتابية هذه. وأسمّيه أيضاً الانتقائي والنّائي في لغة متفرّدة لا تعرف الاستعارية أو الاستنساخ، ولعلّ أمارجي في حدود قراءاتي هو أوّل أو أفضل من عرّفنا بصاحب «الموناليزا» بهذه المصفاة اللغوية الهادئة.لا أدري، وبعد الإذن من أمارجي، ماذا أسمّي ليوناردو دافنشي. أهو شاعر أم فيلسوف عندما يتحدث عن نوع من الرياضة. يقول «إذا تريّضت، لا تُسرف في الحركة/ لا تضطجع على بطنك ورأسك مخفوضة إلى أسفل/ وتدثّر جيداً في الليل/ وخلِّ ذهنك منشرحاً/ تجنّب الشهوات واحرص على الحمية».ولا ندري من هو أيضاً ليوناردو دافنشي، أهو شاعر مرة أخرى عندما يتحدث عن النار:«النّار تدحر كل السفسطات، والسفسطات وهم/ ولا تُبقي إلّا على الحقيقة، والحقيقة ذهب/ الحقيقة في خاتمة المطاف لا تقبل الحجاب».وعن الوقت، أو من ناحية فلسفية يقول عن الزمن مع أن ثمة فرقاً وجودياً بين الوقت والزمن «آه أيها الوقت، يا مُتلف الأشياء جميعاً، آه أيها الدهر الحسود، أنت الذي تُغني الأشياء جميعاً وتلتهم الأشياء جميعاً بأسنان العمر الصارمة».أكثر من ذلك، يبدو دافنشي بعيداً عن الرسام والشاعر والفيلسوف تعاليمياً، أو حكيماً، ولكنه في كل الأحوال ليس وعظياً أو مرشداً. إن لغته وجملته الأدبية الفلسفية أبعد ما تكونان عن الوعظ وإلقاء التعاليم «مثلما الأكل بلا شهية مفسد لصحة الإنسان، كذلك التعلم بلا رغبة يتلف الذاكرة فلا تعود تقبض على ما تأخذ».أليس في ما قاله «دافنشي» يصلح للمعلم والتربوي والطبيب؟ لا بل فيه ما يصلح للكاتب، فالكتابة أيضاً بلا شهية مفسدة للغة والفكرة.عند ليوناردو دافنشي ما يستفيد منه المفكر، والحكيم، والمؤرخ، عالم النفس، وعالم الاجتماع. عنده ما يستفيد منه ضعيف النفس، لتصبح هذه الأمّارة بالسوء أمّارة بالخير والقوة والشجاعة. عنده أيضاً سياقات ولغة وبناءات وتراكيب ومجازات. عنده أسطورتان: الصورة والكتابة، وكل واحدة في معزل عن الأخرى.هل كان ليوناردو دافنشي أكثر من ليوناردو دافنشي؟هو كذلك، ولكن كثرته لم تكن ترمز أو تحيل إلى الطغيان، طغيان الرسام أو المؤرخ المضمر لصناعة اللون وتحضيره وتحويله إلى مادّة حية في اللوحة وفي اللغة. كثرته تبدو قليلة وشفّافة، ملمومة على ذات مفكّرة وكبيرة.وماذا بعد؟إنه هنا في الإمارات بعظمته وإيحاءاته وإشاراته الرامية إلى التوازن العظيم في النفس البشرية عندما يتحول هذا التوازن إلى فن وفكر يحافظان على المعادلة الحضارية التي يحتاجها الإنسان. وهي بسيطة وعميقة في آنٍ، تماماً مثل بصمة ريشة دافنشي ومثل بصمة لسانه: الرسم والكتابة: أي النور، والمعرفة، والمحبة، والتعايش، وغيرها الكثير من مفردات ثقافة الحياة الإنسانية الجميلة في الإمارات. yabolouz@gmail.com

مشاركة :