يسعى المنتخب البرازيلي لكرة القدم إلى مواصلة زحفه نحو اللقب السادس في تاريخه، عندما يخوض اليوم الدور ثمن النهائي لمونديال روسيا أمام المكسيك الطامحة إلى فك نحس المباراة الرابعة في آخر 6 مشاركات لها في كأس العالم. وأنهى المنتخب البرازيلي الدور الأول بعرض جيد وفوز مقنع أمام صربيا بهدفين للاعب وسطها باولينيو وقطب دفاعها تياغو سيلفا، بعدما استهل البطولة بتعادل أمام سويسرا (1 - 1) وفوز بشق النفس على كوستاريكا (2 - صفر) في الوقت بدل الضائع. وتعول البرازيل كثيراً على «صحوة» نجمها «المدلل» نيمار الذي لم يظهر حتى الآن بالوجه المنتظر منه، واكتفى بهدف وتمريرة حاسمة والكثير من الدموع التي طرحت أكثر من علامة استفهام حول قدرة نجم باريس سان جيرمان الفرنسي على رفع منتخب السامبا نحو القمة واستعادة اللقب العالمي الغائب عن الخزائن منذ 2002، خصوصاً محو الخروج الكارثي من النسخة الأخيرة التي استضافها على أرضه بسقوط مذل أمام ألمانيا 1 - 7 في نصف النهائي، ثم أمام هولندا صفر - 3 في مباراة المركز الثالث. ويأمل البرازيليون في أن يسلك نجمهم ومنتخبهم طريق اللاعبين الكبار والمنتخبات ذات الخبرة في النهائيات، التي دائماً ما تبرز في الأدوار الإقصائية. فالإيطالي باولو روسي لم يهز الشباك في الدور الأول لمونديال 1982 قبل أن يقود منتخب بلاده إلى اللقب، ويتوج هدافاً للبطولة مع 6 أهداف (بينها ثلاثية في مرمى البرازيل 3 - 2 في الدور الثاني)، وتوج بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم في العام نفسه. أما الأرجنتيني دييغو مارادونا فاكتفى بهدف واحد في الدور الأول لمونديال 1986، قبل أن يتألق ويقود بلاده إلى لقبها الثاني في تاريخها، والأمر ذاته مع الفرنسي زين الدين زيدان الذي زرع الشك في بداية مونديال 1998 قبل أن يمنح فرنسا لقبها التاريخي الأول بثنائية في مرمى البرازيل (3 - صفر) في النهائي. وعاني نيمار، أغلى لاعب في العالم، الذي غاب قبل النهائيات لثلاثة أشهر من آثار خضوعه لعملية جراحية إثر كسر في مشط قدمه، يحاول الجميع تخفيفها عنه، وفي مقدمهم مدربه تيتي الذي أشار إلى أن نجمه في مرحلة التعافي، ويحتاج إلى المزيد من الوقت ليستعيد مستواه السابق. وقال تيتي: «نيمار لاعب موهوب لكنه بعيد عن معاييره الاعتيادية وإلا لم نكن لنراه يلعب بهذه الطريقة. هو في مرحلة التحسن. لا يجب أن نضع كامل المسؤولية على كتفيه». ولحسن حظ البرازيل أن صفوفها مدججة بالنجوم واللاعبين القادرين على قلب نتيجة المباراة في أي وقت على غرار لاعب وسط برشلونة الإسباني فيليبي كوتينيو الذي سجل ثنائية وصنع تمريرتين حاسمتين من أصل الأهداف البرازيلية الخمسة حتى الآن. كما أن تيتي يملك فريقاً متوازناً ومنضبطاً، حيث الجميع يدافع ويهاجم في الوقت نفسه، والدليل أن مسجلي هدفي الفوز على صربيا لاعب وسط مدافع (باولينيو) وقطب دفاع (تياغو سيلفا). ويقول المدرب المساعد للمنتخب الياباني سابقاً جاكي بونيفاي: «لم أر أبداً البرازيل بهذا الانضباط الدفاعي. إذا حافظوا على ذلك فسيكون لهم شأن كبير، بغض النظر عن الأسماء التي تضمها صفوفهم». لكن البرازيل تدرك أن مهمتها لن تكون سهلة أمام المكسيك التي وقفت نداً أمامهم في النسخة الأخيرة 2014 عندما أرغمتهم على التعادل السلبي في الجولة الثانية من دور المجموعات، كما أن ممثل «الكونكاكاف» فجر مفاجأة من العيار الثقيل في النسخة الحالية بتغلبه على ألمانيا حاملة اللقب 1 - صفر في المباراة الأولى. عامل آخر يصعب مهمة البرازيل هو أن المكسيك تأمل في فك لعنة فشلها في بلوغ الدور ربع النهائي (المباراة الخامسة) في النسخ الست الأخيرة، تحديداً منذ مونديال الولايات المتحدة عام 1994. ولم تتجاوز المكسيك الدور ثمن النهائي منذ 1986 على أرضها حين تغلبت على بلغاريا 2 - صفر قبل الخروج من ربع النهائي على يد ألمانيا الغربية بركلات الترجيح، وكانت المرة الثانية في تاريخها التي تبلغ ربع النهائي بعد الأولى على أرضها أيضاً عام 1970 عندما خسرت أمام إيطاليا 1 - 4. وللمصادفة فالمكسيك تواجه البرازيل في النهائيات العالمية للمرة الخامسة، حيث خسرت 3 مرات مقابل تعادل واحد صفر - صفر في النسخة الأخيرة، وبالتالي فإنها تسعى لتكون الخامسة ثابتة أيضاً في تاريخ مواجهاتها مع البرازيل في العرس العالمي وتحقق الفوز الأول. وربما يتحقق ذلك هذا العام بقيادة مدربها الكولومبي خوان كارلوس أوسوريو الذي يرى الكثير من المراقبين المكسيكيين أنه يملك «جيلاً عظيماً» من اللاعبين «على الأرجح إنه الأفضل» في التاريخ. وتعول المكسيك على نجومها الذين صقلوا موهبتهم في القارة العجوز، في مقدمتهم القائد خافيير هرنانديز «تشيتشاريتو» الذي تألق في صفوف مانشستر يونايتد الإنجليزي وريال مدريد الإسباني وباير ليفركوزن الألماني، وكارلوس فيلا مع آرسنال الإنجليزي وريال سوسييداد الإسباني والقائد أندريس غواردادو (فالنسيا وريال بيتيس الإسبانيان وآيندهوفن الهولندي وباير ليفركوزن). يضاف إليهم الجناح هيرفينغ «تشاكي» لوسانو (22 عاماً) المتوج بطلاً للدوري الهولندي مع آيندهوفن في أول موسم له في أوروبا (17 هدفاً). وحيا أوسوريو شجاعة لاعبيه قائلاً: «إن أحد أهم مميزات لاعبي كرة القدم المكسيكيين هي أنهم يتمتعون دائماً بالشجاعة في اللعب، إنها هوية أسلوب لعبنا». أما رافائيل ماركيز الذي يخوض المونديال الرابع في مسيرته الاحترافية فقد أكد قبل انطلاق المونديال أن المنتخب المكسيكي لن يذهب إلى روسيا بفكرة الوصول إلى المباراة الخامسة ولكن لكتابة التاريخ، وهذا يعني أن ينهي المسابقة بطلاً للعالم. ووجه غوادرادو قائد المكسيك نداء تحذير لزملائه والمسؤولين بشأن الرجل الأكثر أهمية في صفوف المنتخب البرازيلي، وقال: «نحن جميعا نعرف نيمار، الأمر لا يرجع لي أو لنا للحكم، ولكن للحكام والفيفا». وأضاف: «الآن لديهم تقنية حكم الفيديو المساعد، عليهم أن يشاهدوا طريقة لعبه والحكم عليه لأننا نعرف أنه يجيد المبالغة للحصول على مخالفات، إنه يحبذ السقوط على الأرض كثيراً». وأوضح: «أكرر، إنها طريقة لعبه، من يملكون القرار عليهم أن يضعوا حداً لهذا الأمر، وهم المسؤولون وليس نحن». ولا توجد العديد من الفرق في العالم تملك تاريخاً من النجاح ولو حتى متواضعاً ضد البرازيل بطلة العالم خمس مرات، لكن في الأعوام الأخيرة أثبتت المكسيك أن لديها ما يلزم لسرقة الأضواء من أصحاب القميص الأصفر. وفي حين لم تستطع سبعة فرق تأهلت للدور الثاني في كأس العالم في روسيا تحقيق أي فوز على البرازيل منذ عام 2000 - رغم أن إسبانيا والدنمارك وبلجيكا واجهت المنتخب البرازيلي مرة واحدة فقط في تلك الفترة - فإن المكسيك انتصرت في 6 من 14 مباراة ضد البرازيل خلال الفترة ذاتها. ولدى فرنسا فقط، التي هزمت البرازيل 3 مرات في 6 مواجهات، نتائج أفضل من بين الفرق المتبقية في دور الستة عشر. والأكثر إثارة للإعجاب أن المكسيك فازت في 6 من آخر 9 مباريات رسمية ضد البرازيل، وخسرت مرتين فقط، وستدخل مواجهة دور الستة عشر اليوم وهي مليئة بالثقة. وتفوق المنتخب المكسيكي أيضاً على البرازيل ليحرز ذهبية «أولمبياد لندن» 2012، كما فرضت المكسيك التعادل من دون أهداف على البرازيل صاحبة الضيافة في دور المجموعات بكأس العالم قبل أربع سنوات. لكن في العديد من المناسبات خلال هذه النجاحات السابقة على المنافس الأعلى مكانة القادم من الجنوب كانت هذه الانتصارات خادعة للمكسيك ومحفزة للبرازيل. وفوز المكسيك 1 - صفر على البرازيل في كأس كوبا أميركا 2001 مثال على ذلك. وقدمت البرازيل بطولة كارثية وخرجت على يد هندوراس في بداية عهد المدرب لويز فيليبي سكولاري. لكن المنتخب البرازيلي مضى ليفوز بكأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان بعد 12 شهراً لاحقة فقط. وبالطريقة نفسها في كوبا أميركا 2007 أنزلت المكسيك أول هزيمة بالبرازيل تحت قيادة المدرب دونغا. وفاز المنتخب البرازيلي بعدها باللقب بينما خسرت المكسيك في الدور قبل النهائي. وربما قدمت المكسيك عدة عروض جيدة على مدار السنوات، لكن عندما يأتي الأمر إلى المواجهات الحاسمة فإنها تفشل في المعتاد مثلما يوضح سجلها السيئ في أدوار خروج المهزوم في كأس العالم. وكانت الهزيمة أمام هولندا في دور الستة عشر عام 2014 السادسة على التوالي للمنتخب المكسيكي في الدور الثاني. وآخر مرة بلغت فيها المكسيك دور الثمانية كانت في 1986 عندما استضافت البطولة، ورغم مشاركتها في كأس العالم 15 مرة فإنها تأهلت لدور الثمانية مرتين فقط، وفي المناسبتين كانت الدولة المضيفة. وإذا نجحت في تجاوز هذه العقبة والتأهل لدور الثمانية لأول مرة منذ ما يزيد على 30 عاماً، سيكون عليها استخدام التنظيم الدفاعي نفسه والسرعة في الهجمات المرتدة مثلما فعلت أمام ألمانيا في دور المجموعات. لكن البرازيل ليست ألمانيا، وتملك إبداعاً أكبر وسلاسة في الهجوم، وهو ما قد يسبب مشاكل للمنتخب المكسيكي الذي لا يزال مترنحاً بعد هزيمته 3 - صفر أمام السويد، وهي نتيجة كادت أن تطيح به من البطولة. وتبشر المواجهة التي تقام في سمارا بالكثير من الأحداث مع تأثر دفاع الفريقين بالسرعة مع امتلاكهما الكثير من السرعة أيضاً في الهجوم.
مشاركة :