لم يستطع عالم الإنترنت الواسع والتقنية الإلكترونية، أن تؤثر في توجهات الأفراد والمجتمع فقط، ولكنها أيضاً غيّرت كثيراً في شكل الإطار الوظيفي بشكل لم يكن مسبوقا من قبل، ففي الوقت الذي كان العمل الوظيفي يعتمد بشكل مباشر على الحضور المكتبي والوجود يوميا في قاعة الاجتماعات للنقاشات والبحث وتنظيم مهمات العمل، أسهمت التقنية بشكل كبير في تغيير المفهوم الحرفي لمسألة التواصل الوظيفي بتقديم طرق جديدة ومبتكرة لإدارة الأعمال والمهمات من خلال المدير أو المسؤول عن بُعد، وذلك بربط جميع الموظفين بـ"جروب" واحد يؤسس في برنامج تقني، سواء عن طريق الواتساب، وهو البرنامج الأشهر في عالم الأعمال، وتحقيق ربط الموظفين للنقاش وتبادل الأفكار، أو عن طريق برامج تقنية أخرى تؤدي الهدف ذاته، فلم يعد الموظف اليوم بحاجة إلى أن يلتقي مديره أو سكرتيره الخاص حتى يتبادل معه مهمات العمل وملاحظاته، إنما يكفي أن يقوم المدير ببث رسالة واحدة، تحمل مهمات يومية متنوعة في الجروب، حتى ينطلق الفريق في مباشرة أعماله كلٌّ بحسب مجاله وتخصصه. وتخطى الأمر موضوع النقاش إلى إبداء الملاحظات العامة على بعض الموظفين وبعض المهمات المنجزة وغير المنجزة، وربما وجهت ملاحظات على أداء موظف من خلال ذلك الجروب، وهناك من قدم له الثناء من خلاله، فأصبحت التعاميم تُرسل إلى ذلك الجروب بدل الاعتماد على الشكل القديم، الذي يتخذ من الخطابات الرسمية عبر الفاكس أو البريد شكلاً لها، فهل نستطيع أن نجزم بأن التقنية أخرجت العمل الوظيفي من الإطار التقليدي المكتبي الجامد، إلى عالم أوسع من خلال جروبات العمل التي أصبحت تؤسس وسيلة جديدة لتواصل الموظفين عن بُعد وتفاعلهم، دون وجود قاعة اجتماع واحدة تجمعهم؟ وهل تركت التقنية أثرها على دافعية الموظفين والعمل؟ نقلة جديدة وقالت أنغام العلي- موظفة في شركة تدريب-: إن هذا الأسلوب الجديد الذي يعتمد على إثارة النقاشات عبر جروب واحد يؤسس للموظفين، يعتبر نقلة جديدة ومثمرة في طرق التواصل الوظيفي، وله إيجابياته الكثيرة، وأهمها اختصار الوقت، من اعتماد طرق تقليدية في توجيه العمل، كان في السابق يتخذ بشكل بطيء حتى يعمم للموظفين، فاليوم يستطيع الموظف التخاطب مع مسؤوله في أي وقت من خلال هذا الجروب، الذي تثار فيه التساؤلات والملاحظات، وتطرح فيه الأفكار والتوجيهات بشكل يصل للجميع، ويستطيع كثير من الموظفين الاطلاع على كل ما يتعلق بالعمل في اللحظة ذاتها، وهذا يترك أثرا جيدا على سرعة الإنجاز والجودة، كما أنه يعطي كثيرا من الحماس والتنافس الشريف بين الموظفين؛ لأن التواصل مفتوح ومتاح للجميع، مشيرةً إلى تجربة الجروب، التي أسستها المشرفة على المركز لديهم، والتي سهّلت عليهم كموظفات سرعة الوصول إلى المهمات اليومية دون حتى فتح جهاز الكمبيوتر لرؤية التعاميم الجديدة، مع وجود النقاش العام الذي يحدث بين الموظفين في ذلك الجروب، إلاّ أنه يؤخذ على هذا النوع من التواصل وجود بعض النماذج من الموظفين الذين يفسدون أهدافه بإرسال مقاطع مضحكة، أو ذات موضوعات لا تتعلق بالعمل، فربما يخرج أحياناً عن الهدف الذي وضع من أجله، وهذا ما يجب أن يكون فيه مدير الجروب حازماً. إحراج البعض وأوضحت امتثال الزين- طالبة جامعية- أنه على الرغم من الإيجابيات التي يحدثها جروب العمل من السرعة وسهولة التواصل دون اللقاء، إلاّ أنه يؤخذ عليه أنه قد يتسبب في إيقاع كثير في الإحراج، مشيرةً إلى تجربتهن في الجامعة بتأسيس جروب لدفعتهن في مادة معينة بناء على طلب الدكتورة، ففي البداية سارت الأمور على ما يرام، إلاّ أن المشكلة حينما بدأت المشرفة على الجروب تنشر نتائج الطالبات في بحث ما بشكل جعل كل مَن في الجروب يشاهد نتائج غيره من الزميلات، وهناك من الطالبات من شعر بالحرج، في حين أن هناك مَن تصادم مع المشرفة، فحدث التراشق بالألفاظ في الجروب، حتى انسحب عدد كبير من الطالبات، فقررت الدكتورة إيقاف الجروب وإزالته، على الرغم من الفائدة الكبيرة التي كان يحققها من ملاحظات قبل الاختبارات على بعض الموضوعات، وتحديد بعض المعلومات وغيرها، فالتواصل انقطع، وأصبح الجميع يفتش عن المعلومة التي يريدها والتي تتعلق بالمواد، مبينةً أن المشكلة في طريقة تعاطي البعض مع هذا النوع من الجروبات، الذي قد تلغى فيه الخصوصية فيما يتعلق بالإنتاج والعمل لكل فرد. بأسرع وقت وأكد د.علي حسين مخفور القحطاني- أستاذ إدارة موارد بشرية بجامعة الملك عبدالعزيز كلية الاقتصاد والإدارة- أن استخدام التقنية في التعامل الوظيفي له أثر إيجابي في تعميم الفائدة على الجميع في وقت واحد بجهد خفيف ووقت غير مهدر، فهناك علاقة بين توفير الوقت والجهد في حلقة التواصل في بيئة العمل، كما يستفاد من التواصل التقني بمفهوم الرأي الآخر في أسرع وقت، وتوفير الحصول على بعض المعلومات من المراجع البعيدة المدى، وذلك من خلال التواصل عبر ذلك الجروب، الذي يتخذ شكل تواصل اجتماعي وثقافي ومعرفي، مضيفاً أن من سلبيات هذه الجروبات اعتماد بعض الأعضاء عليها في الحصول على المعلومة، وهذا له أثر على اجتهاده في تحقيق إنجاز ما؛ لأن المعلومة تأتيه من خلال الآخرين بسهولة ويسر، فيجد أنه لا داعي للبحث وبذل الجهد، ذاكراً أن التقنية سهّلت كثيراً للحصول على المعلومة دون جهد، كما أن التقنية أثرت كثيراً في الشكل الذي يجب أن يكون عليه التواصل الاجتماعي الحقيقي، فالجميع أصبح يعتمد على مثل هذه الجروبات للنقاش والأحاديث، فأوجدت شيئا من الاكتفاء والتوحد. رفع الإنتاجية وأشار د.القحطاني إلى أن مثل هذه الجروبات التقنية التي تخصص للعمل لا بد أن تكون فيها محددات تحكم التواصل في حلقة العمل، فعلى مدير الجروب أن يكون على قدر المسؤولية، فيؤكد دوماً أن اللقاء من خلال الجروب إنما هو لقاء عمل وليس لقاء مهاترات أو نكات أو تعليقات جانبية؛ حتى لا ينعكس ذلك على بيئة الجروب نفسه، مضيفاً أن هناك من المشرفين على مثل هذه الجروبات مَن يوجه الملاحظات على أداء بعض الموظفين، وهذا يأخذ عدة مناحٍ، فعلى الرغم من أن هذا أسلوب غير محبب لدى الموظفين، إلاّ أنه إذا كان بأسلوب غير مباشر يدفع من يعرف بتقصيره إلى التواصل مع المدير باتصال خارجي عن الجروب لتوضيح القصور، فهذه حالة إيجابية، مبيناً أن التوجيه بالكلام المباشر في الجروب حالة غير صحية؛ لأنها تسبب كثيرا من الحرج، لافتاً إلى أن التواصل عن طريق التقنية دفع إنتاجية العمل إلى الأعلى، وأعطاها زخما في المعلومة والمعرفة والثقافة، وتوفير الوقت والجهد، مع الحصول على المعلومات الدقيقة بأسرع وقت ممكن. بعض الجروبات أسهمت في زيادة الإنتاجية داخل بيئة العمل د. علي القحطاني
مشاركة :