خلص تقرير بحثي صدر أخيراً إلى أن نتائج الانتخابات التونسية الأخيرة للبلديات في 2018م رسمت مشهداً سياسيّاً وحزبيّاً مختلفاً عما كان عليه من عام 2014م، فلم يعد “نداء تونس” الحزبَ الأول في البلاد؛إذ تراجعت أعداد المؤيدين له بسبب كثرة الانشقاقات التي حدثت في صفوف قياداته، إلى جانب ضعف أداء حكوماته التي تشكَّلت من 2014م حتى الآن، وكذلك تحالفه مع حركة النهضة. وأوضح التقرير الذي أعدَّه د. محمد السبيطلي الباحث في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أن حزب النهضة ذا التوجُّه الإسلامي تقدَّم في كل الدوائر الانتخابية (350 دائرة)، في حين لم يتمكن حزب الرئيس “نداء تونس” الذي يمسك برئاسة الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية من التقدم إلا في 345 دائرة فقط، أما بقية الأحزاب فتقدمت بأقل من 70 قائمة لكل منها. وذهب إلى أن بعض الأحزاب فشلت في التجمُّع في جبهات انتخابية؛ حيث لم ينجح الرئيس السابق الدكتور منصف المرزوقي في تجميع كلٍّ من: حزب التكتل الديمقراطي، وحزب حراك تونس الإرادة والتيار الديمقراطي، وتقدم كلٌّ منهما بقوائم انتخابية منفردة، كما فشل كذلك تجمع 11 حزباً في جبهة “الاتحاد المدني”، بينما يُسْتثنى من ذلك ائتلاف “الجبهة الشعبية” اليساري الذي تقدم في 119 دائرة انتخابية ليحل في المرتبة الثالثة بعد حركة النهضة وحزب نداء تونس. وذكر التقرير أن نسبة عدم الإقبال على انتخابات 2018م تعدُّ الأعلى في تاريخ الاستحقاقات منذ ثورة 2011م، وحققت 35.6%؛ حيث شهدت تونس أربع دورات انتخابية تمثلت في: انتخابات المجلس التأسيسي 2011مالتي شهدت مشاركة ما نسبته 51.57% ممن لهم حقُّ التصويت، ثم الانتخابات التشريعية سنة 2014م بنسبة مشاركة 68.36%، ودورتَي الانتخابات الرئاسية في 2014م أيضاً التي حققت مشاركة بنسبة: 62.91% و60.1% على التوالي. وأشار إلى أن النسبة المرتفعة لعدم المشاركة في التصويت 64.4% كانت متوقعة من كل الأطراف؛ حيث بيَّنت مختلف استطلاعات الرأي التي تمت قبل الانتخابات أن نسبة العزوف عن المشاركة في هذا الاستحقاق ستكون مرتفعة وقدّرتها بنسب تتراوح بين 50% و70%، وبالفعل كان الإقبال ضعيفاً فلم يتجاوز 12% خلال الدورة الأولى للانتخابات التي خُصصت للأمنيين والعسكريين في 29 أبريل الماضي بحسب الهيئة العليا المستقلَّة للانتخابات. وحدد التقرير أهم أسباب مقاطعة التونسيين لانتخابات 2018م في: الشعور بالإحباط لدى قطاعات واسعة من الناخبين بسبب عدم تحسُّن أوضاعهم المعيشية منذ 2011م، وتعدُّد الأطراف التي دعت للامتناع عن المشاركة في عملية الاقتراع، ومقاطعة العديد من الأحزاب والتيارات للعملية الانتخابية ومنها الحركة التي يقودها هاشمي الحامدي والحزب الوطني الحر وحزب التحرير الإسلامي وبعض الجماعات اليسارية. وأفاد أنه رغم أن أغلب استطلاعات الرأي قبل الانتخابات توقعت تقدم حزب نداء تونس على حليفه ومنافسه حزب حركة النهضة، إلا أن النتائج النهائية أظهرت تقدُّم حركة النهضة وفوزه بـ 29.6% من الأصوات في الانتخابات البلدية، وحل بعده نداء تونس بنسبة 22.7%، ويليهما حزب التيار الديمقراطي بـ 4.19%، ثم ائتلاف الجبهة الشعبية 3.95%. فيما كانت المفاجأة الحقيقية تجاوز المستقلين للأحزاب؛ إذ تمكَّنت القوائم المستقلَّة من حصد 32.9% من مجمل أصوات الناخبين، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الانتخابات التونسية منذ الثورة. وكشف التقرير الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث أن حركة النهضة فازت في كبريات المدن مثل تونس العاصمة ومدينة صفاقس وغيرهما، بينما فاز حزب نداء تونس في مدن الساحل: سوسة والمنستير والمهدية؛ ما ينبئ بوجود مفاوضات وتنازلات متبادلة بين أطراف عدة من الأحزاب والمستقلين على المستوى المحلي والمركزي. مشيراً إلى أن حركة النهضة أبدت انفتاحاً كبيراً على أوساط اجتماعية غير تقليدية أثناء الحملة الانتخابية ومنهم المستقلون والشباب والنساء. وعلى الرغم من أن ذلك أتاح للحركة الفوز في الانتخابات إلا أنها خسرت أنصاراً لها في أوساط المحافظين. وأضاف: “تكمن أهمية هذه الانتخابات البلدية في كونها تعكس موازين القوى السياسية والحزبية في البلاد، كما تُبيّن الأحجام والأوزان لمختلف القوى المتنافسة على الساحة. وهي انتخابات تم تأجيلها أكثر من مرّة. وكانت آخر انتخابات بلدية قد جَرَتْ سنة 2010م في ظل النظام السابق. كما أن ما ميز هذه الاستحقاقات مشاركة الأمنيين والعسكريين، وهي المرة الأولى في تاريخ تونس التي تشارك فيها هاتان الفئتان من المواطنين في مثل هذه الاستحقاقات.وشاركت في هذه الانتخابات البلدية: 2074 قائمة؛ منها 1055 قائمة حزبية، و860 قائمة مستقلّة، و159 قائمة حزبية ائتلافية. وهنا يلاحظ أهمية المستقلين في هذه الاستحقاقات، وهي ظاهرة جديرة بالمتابعة والتحليل، كما تعد أمراً ذا دلالة سياسية واجتماعية وثقافية مهمة، ولاسيما أن المستقلين يمثلون 41% من القوائم المتقدّمة للانتخابات”.
مشاركة :