دخول الإيرانيات إلى الملاعب… هل متعة المشاهدة مؤقتة؟

  • 7/2/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

استقبل أكبر ملعب لكرة القدم في طهران في 20 يونيو 2018 آلاف النساء مع الرجال للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية عام 1979 حيث استحوذت حمى كأس العالم على إيران بسبب مشاركتها في المباراة المصيرية ضد أسبانيا. (غيتي) لندن – حنان عزيزي:* كانت أجواء ستاد أزادي بطهران في تلك الليلة لا تختلف كثيرا عن نظيرتها الروسية (كازان أرينا) التي استضافت مباراة إيران أمام نظيره الإسباني. * معصومه ابتكار نائبة الرئيس روحاني شاهدت وثلاث نائبات في مجلس الشورى الإيراني المباراة من مدرجات الملعب. * لجأ الكثير من الجنس اللطيف خلال السنوات الماضية إلى أساليب بديلة للوجود في الملاعب مثل التخفي في أزياء رجالية ووضع اللحى والشوارب المستعارة. خاضت إيران مباراة صعبة أمام إسبانيا ضمن المجموعة الثانية من بطولة كأس العالم 2018 في 20 يونيو (حزيران). صحيح أن الفريق الإيراني خسر أمام المنتخب الإسباني ولكن تلك الليلة ستبقى محفورة في ذاكرة الإيرانيين وبالأخص النساء اللواتي شاهدن حينها في ملعب أزادي في طهران المباراة التي تم بثها عبر شاشة كبيرة في الملعب وذلك لأول مرة بعد قيام الثورة في 1979. نعم، جلس المتفرجون والمتفرجات والأسر الإيرانية على مدرجات الملعب واستمتعوا معا بمشاهدة مباراة كرة القدم، التي تحظى بشعبية واسعة في إيران. كانت أجواء ستاديوم أزادي في تلك الليلة لا تختلف كثيرا عن نظيرتها الروسية (كازان أرينا) التي استضافت مباراة الفريقين. كان الحدث في الملعب الإيراني مثيرا للغاية؛ حيث أشار إليه عدد من وسائل الإعلام العالمية معتبرة أنه تحول مهم في قطاع الرياضة الإيرانية. وأهم ما في الأمر أنه أصبح بإمكان كل محبي كرة القدم – نساء ورجالا وأعضاء الأسرة الواحدة – أن يلتقوا على ملعب واحد ويشاهدوا المباراة. يمكن اعتبار ذلك بداية جيدة لتحول إيجابي وكبير في كرة القدم الإيرانية. وقالت نائبة الرئيس الإيراني معصومه ابتكار إن السماح بحضور النساء في ملعب أزادي جاء بناء على أوامر من رئيس الجمهورية نفسه. وشاهدت ابتكار وثلاث نائبات في مجلس الشورى الإيراني المباراة بين إيران وإسبانيا من مدرجات الملعب. ولكن لم تحصل النساء على حق مشاهدة المباراة في ملعب أزادي بسهولة؛ فبعد أن تمت الموافقة المبدئية على ذلك وتم بيع التذاكر للنساء لمشاهدة المباراة أعلنت السلطات أنه لا يحق للنساء الوجود في الملعب مما أثار احتجاجا واسعا في الشبكات الاجتماعية وعلى أثره أعلن الادعاء العام أنه لم يعارض دخول النساء إلى ستاديوم، وفي النهاية قامت الشرطة بتوفير الأمن في الملعب. وفي الوقت الذي تم الإعلان فيه بأن العوائل والنساء تستطيع مشاهدة مباريات كأس العالم في ملعب أزادي لغاية 15 يوليو (تموز) كان النقاش والمطالبات بشأن دخول النساء للملاعب الرياضية مطروحا منذ وقت طويل من قبل نشطاء حقوق المرأة وحقوق الإنسان في إيران. لجأ الكثير من عشاق كرة القدم من الجنس اللطيف خلال السنوات الماضية إلى أساليب بديلة للوجود في الملاعب مثل التخفي في أزياء رجالية ووضع اللحى والشوارب المستعارة. وعمدت الفتيات إلى نشر صورهن من الملاعب في الشبكات الاجتماعية تحديا للسلطات ولإظهار أن نضالهن لكسب هذا الحق لم يتوقف. ولم تقتصر هذه الظاهرة على ملعب أزادي فقط حيث شهدت ملاعب في تبريز وأصفهان ومشهد أيضا حضور متفرجات بأزياء رجالية ومظهر رجالي. وبسبب استمرار المطالبة بحق الوجود في ملاعب كرة القدم من قبل نشطاء حقوق المرأة خلال الأعوام الأخيرة يبدو أن هناك تجاوبا كبيرا من قبل شريحة واسعة في المجتمع لهذا الطلب الذي بدأ ينتشر أكثر فأكثر بين الجماعات المختلفة في المجتمع الإيراني. ولكن لماذا تخشى السلطات منح المرأة الإيرانية حرية الوجود في الملاعب الرياضية والكل يعلم أن هذا الطلب هو ذات طابع اجتماعي محض؟ ترى مجموعة من مراجع التقليد والفقهاء المتشددين مثل آية الله ميرزا جواد تبريزي وآية الله مكارم الشيرازي وآية الله فاضل لنكراني وآية الله صافي كلبايكاني وآية الله نوري الهمداني أنه لا يجوز على الإطلاق حضور النساء في الملاعب والأماكن العامة الرياضية حتى إذا تم تخصيص أماكن للنساء فقط لأنه يؤدي إلى الاختلاط بين الجنسين ويعارض الشريعة الإسلامية ويؤدي إلى الفساد وارتكاب الفعل الحرام. يأتي هذا الموقف الصادر عن الكثير من مراجع الدين في الوقت الذي لم يشر الدستور الإيراني إلى حظر دخول النساء في الملاعب. ومع ذلك فأنت هنا تتحدث عن إيران حيث إن مسألة الدفاع عن الشريعة الإسلامية تتفوق على الدستور الإيراني وترجع كلمة الفصل إلى مرشد الثورة. يرى هؤلاء الفقهاء أن حضور النساء في الملاعب يؤدي إلى الاختلاط مما يؤدي بدوره إلى تفشي الفساد بين الشباب واستخدام بعض الكلمات الركيكة والمسيئة خلال المباريات من قبل المشجعين والمشجعات. ولكن لعلي رضا منصوريان المدرب السابق لفريق الاستقلال لكرة القدم رأي آخر؛ حيث قال خلال جلسة لمعالجة الفساد في كرة القدم الإيرانية في 5 يناير (كانون الثاني) 2017 في طهران: «لقد تم السماح للنساء للوجود خلال حصص التدريب لمدة 3 أيام حيث حضر الكثير من النساء والفتيات برفقة أسرهن. لم نسمع أي كلمة مسيئة أو غير لائقة من المشجعين الرجال خلال تلك الأيام. عاد المشجعون إلى إطلاق الشتائم والعبارات السيئة مرة أخرى في الملاعب بعد أن تم منع النساء من حضور الحصص التدريبية». وبما أن القوانين والدستور الإيراني لم يضعا أي قيود بشأن وجود النساء في الملاعب الرياضية يبدو أن هذه القيود والحظر صادرة عن التيارات المتطرفة والمرجعيات الدينية التي تفرض رأيها على الأجهزة التنفيذية. وهنا يبرز دور مرشد الجمهورية الإسلامية الذي يتولى اتخاذ القرارات الحساسة في البلاد حول إتاحة الفرصة أمام المرأة للمشاركة الفاعلة في المجتمع وحصولها على فرص متكافئة مع الرجل. وهذا ما لا يطيقه التيار المتشدد من رجال الدين عامة حيث يرون أن مهمة المرأة تقتصر على القيام بالواجبات المنزلية وأن مشاركتها الفاعلة في المجتمع تثير الحساسية وتؤدي إلى الفساد. تكمن المشكلة الأخرى بالنظرة إلى المرأة على أنها ناموس المجتمع وهنا تمتزج مشاركة المرأة برفقة الرجال في الأماكن العامة بمفهوم الفساد والفعل الحرام. على سبيل المثال أحد الأدلة المطروحة من مراجع التقليد المعارضين لحضور النساء في الملاعب تقول: «إذا افترضنا أن البنات والشباب لم يرتكبوا فعلا حراما مثل الاختلاط أو لم يتم تبادل كلمات مثيرة وإذا كان الهدف مجرد التشجيع فذلك يجوز. لكننا نعلم أنه مجرد افتراض وليس مثل هذه الاجتماعات في صالح الشباب». إن هذه النظرة تحمل المرأة مسؤولية الحفاظ على الأخلاقيات ولهذا السبب يتم منع المرأة من المشاركة في أبسط المناسبات كالمشاركة في مشاهدة مباريات كرة القدم برفقة عائلتها. وفي الوقت الذي تتخذ مطالبة النساء بالوجود في ملاعب كرة القدم طابعا اجتماعيا فإن السلطات تلجأ إلى قمع ذلك وتسييس الأمر عبر القيام باعتقال الكثير من النساء اللواتي يرفعن هذا الشعار ومحاكمتهن في المحاكم وتحديد جرائم نقدية لهن. ويرى المراقبون أن السلطات تخشى من أن يكبر نطاق هذه الاحتجاجات والمطالبات الاجتماعية النسائية وتحولها لاحقا إلى مظاهرات وحملات تخرج عن الطابع الاجتماعي. كما أن النظام يخشي من وجود النساء في الملاعب لأنه يمنح المرأة الإيرانية مكانة متكافئة مع الرجل في المجتمع من خلال الرياضة وبالتالي يؤدي إلى إقبال نسائي كبير على الملاعب مما يرفع من سقف المطالبات النسائية مستقبلا حيث قد لا تقتصر المطالبات على الرياضة فقط بل في قضايا أخرى أيضا ويخلق الآمال النسائية بإمكانية حضورهن الكبير في الأنشطة الاجتماعية والرياضية على غرار الرجال. وهذا لا يعجب المتشددين أبدا. كما لقيت خطوة حضور النساء في ملعب أزادي لمشاهدة مباراة بين فريقي إيران وإسبانيا ردودا واسعة في الشبكات الاجتماعية بين معارض ومؤيد لها من خلال إطلاق هاشتاغات كثيرة منها #ایران، و#ایران_إسبانیا و#استادیوم_آزادی وغیرها. وغردت مستخدمة باسم هايده كيميايي «يغلقون أبواب الملاعب أمام النساء لكي لا تدخل النساء برفقة الرجال إلى الملاعب ولكي لايضحك الرجال والنساء مع بعضهم البعض ولكي لايتحدث الرجال مع النساء ولكي يتذكروا دوما أين يعيشون». وغردت مستخدمة باسم صدف صميمي «نحن هنا الآن وسنعود إلى هنا مرة أخرى. الحق يؤخذ». وفي إحدى التغريدات من محمود جوان: «لم تقع الليلة زلازل ولا فيضانات ولا أي كوارث سماوية ولكن ما حدث هو أن نساء بلادي قمن بمشاهدة مباراة فريق بلدهن برفقة رجالهن الغيارى»، وذلك في إشارة إلى تصريحات صادرة من أحد خطباء الجمعة كاظم صديقي في 2010 حيث قال إن عدم الالتزام بالحجاب والزنا يزيدان وقوع الهزات الأرضية. أثارت هذه التصريحات آنذاك انتقادات واسعة من قبل نشطاء حقوق المرأة واعتبروا أن انتشار مثل هذه المواقف من خلال المنصات السياسية والاجتماعية الرسمية يمهد الطريق لانتهاك حقوق النساء وقمع المرأة في إيران.

مشاركة :