أعاد فيلم “حرب كرموز“ حكايات البطل الشعبي التاريخي إلى أذهان جمهور السينما المصرية، بعد أن غابت تلك النوعية لعقود طويلة، ورغم النجاح الكبير للمخرج في تقديم رؤية إخراجية متميزة لمشاهد الحركة الكثيفة، إلّا أن الضعف الحاصل في السيناريو والارتباك في تسلسل الأحداث أوقعا الفيلم في أزمة تقديم عمل فني متكامل ومتناسق. القاهرة – وقع بيتر ميمي في فخ الجمع بين الإخراج وكتابة السيناريو معا في فيلمه الجديد “حرب كرموز”، ومع أن الكثير من النقاد نبهوا إلى أهمية أن يكون هناك عقل واحد قادر على الإخراج والكتابة لصناعة عمل متماسك ومحبوك، إلّا أن غياب الرؤية الدقيقة أضر بموهبة ميمي الإخراجية. ويبدو أن ميمي أراد أن يستثمر نجاح مسلسله الأخير “كلبش 2” في الموسم الرمضاني الأخير، باختيار نفس طاقم العمل وقصة قريبة من بطولات رجال الشرطة، وعاد لتقديم عمل سينمائي رغم اختلاف الحقبة الزمنية، في المسلسل والفيلم، كجزء آخر من سلسلة أعمال تمجد الشرطة وتصنع مشاهد حركة مميزة دون أن تكون هناك حبكة درامية تخطف المشاهد. حبكات مستهلكة بحث المؤلف والمخرج عن القصص الجادة التي تتناول بطولات شعبية براقة تقاوم المحتل وتضفي ملمحا وطنيا على الأحداث، ورغم هذا الخط الجاد، إلّا أن فيلم “حرب كرموز” افتقد لبعض المقاومات الدرامية الأساسية التي تجعل منه عملا يتمتع بهذا الحس الوطني الذي يريد مخرجه التأكيد عليه، ليصبح العمل تقريبا صورة “تناص” عن مسلسل “كلبش 2”. وتعتمد الحبكة الرئيسية في فيلم “حرب كرموز”، الذي تدور أحداثه خلال فترة الاحتلال الإنكليزي لمصر (1982-1952)، على محاولة اثنين من الضباط الإنكليز اغتصاب فتاة في سن المراهقة، ومع تصاعد صرخاتها، يظهر ثلاثة شبان مصريين يحاولون إنقاذها، ويقتل أحدهم على يد ضابط إنكليزي، أما الآخران فيتم إلقاء القبض عليهما بصحبة الضباط الأجانب. وتنطلق من هذه النقطة أحداث الفيلم التي يرفض فيها أمير كرارة الضابط المصري أو الجنرال يوسف المصري مأمور قسم كرموز في مدينة الإسكندرية الساحلية، تسليم الضابطين لقائدهما الجنرال آدم فرانك. إلى هنا كان من الممكن أن تنتهي قصة الفيلم خلال الدقائق العشر الأولى، ويظل مأزق البحث عن تطورات أخرى متجليا بوضوح في أحداث العمل، ويبدأ المخرج في اللجوء إلى حبكات مستهلكة أراد في البعض منها كسب متابعة جماهيرية كثيفة. غادة عبدالرازق لا تزال غير واعية باختياراتها السينمائية، حيث أدت في "حرب كرموز" دورا ثانويا بلا عمقغادة عبدالرازق لا تزال غير واعية باختياراتها السينمائية، حيث أدت في "حرب كرموز" دورا ثانويا بلا عمق وأبرز تلك الحبكات تتمثل في شخصية العاهرة، التي تلعب دورها الفنانة غادة عبدالرازق وتم اختيارها لتعطي ثقلا لاسم أمير كرارة في أولى بطولاته المطلقة بالسينما، فالدور المحدود الذي تلعبه الفنانة لا يتوازى مع مشوارها وحجم الأعمال السابقة التي قدّمت في البعض منها أدوارا مهمة وجادة في الدراما التلفزيونية والسينما. ولا تزال غادة عبدالرازق غير واعية باختياراتها السينمائية التي قد تضعف من شعبيتها إلى حدّ كبير، والدليل الدور الذي تقدّمه في “حرب كرموز” لامرأة عاهرة تقرّر البقاء في القسم المحاصر من قبل الجيش الإنكليزي، وعليها ملامح حس وطني ساذج بالتضامن مع الفتاة المغتصبة لرعايتها، وإقرارها بالتوبة المفاجئة، والدور في حقيقته يمكن أن تقوم به إحدى نجمات الصف الثاني. ولجأ المخرج إلى حبكات أخرى ضعيفة، استكمالا لظهور أبطال كان لهم دور بارز في نجاح مسلسله “كلبش 2”، بينهم الفنانة روجينا التي ظهرت مع إيمان العاصي في دور شقيقتي الجنرال يوسف المصري في مشهدين يمكن الاستغناء عنهما لأنهما غير مؤثرين في الأحداث، وجاءت حبكة وجودهما كأنها مجاملة لأصدقاء عمل. أخذ الفيلم أيضا فكرة ظهور مصطفى خاطر في فيلم “هروب اضطراري” بطولة أحمد السقا وأمير كرارة وغادة عادل، ولكونه بطلا شجاعا فقد حظي مقابل دفاعه عن الأبطال، بجعله هنا في “حرب كرموز” بطلا مجددا. ورغم أنه لص قابع في السجن، إلاّ أنه يساعد في إنقاذ الشقيقتين من الوقوع في أيدي الإنكليز، وكأنه دور خلق خصيصا لصناعة حالة مشابهة لحالة النجاح التي صنعها في الفيلم السابق الذي ظهر فيه العديد من الأبطال أيضا واعتمد على مشاهد الحركة الأميركية. الأمر ذاته بالنسبة إلى الفنانين محمود البزاوي وسارة الشامي، وجاء دور كل منهما في إطار الحفاظ على روح نجاح مسلسله “كلبش” ليتذكر المشاهد هذه الشخصيات التي رآها من قبل. ويضمن القائمون على الفيلم النجاح عبر شخصيات المسلسل الموجودة في ذاكرة المشاهد. يضاف إلى ذلك ظهور شخصية الممثل الإنكليزي سكوت آدكنز في دور الضابط المجنون الذي يريد التخلص من المصريين، ويقول لرؤسائه من داخل محبسه “قل للمصريين إني قادم” ثم يظهر في نهاية الأحداث، ويقوم بعمل حركات وضربات قتالية تميل إلى الحداثة ولا تناسب السياق العام للفيلم. نقاط مضيئة الحقبة الزمنية لم تكن واضحة بشكل مباشر في الفيلم، لكن الديكور وأزياء الفنانين عبّرا عنها، وأشارت إلى أنها تتعلق بفترة الأربعينات من القرن الماضي، وهي فترة لا تتناسب بالتأكيد مع نوعية الضربات القتالية التي تشبه المصارعة الحرة والملاكمة، وكلاهما من الرياضات التي تطوّرت وانتشرت حديثا. وشكلت الصياغات والحبكات التي صنعها بيتر ميمي في كتابة سيناريو الفيلم، مشكلات أثرت على العمل الفني، وكان من الممكن أن يصبح علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية لقوته الإخراجية ومشاهد التصوير القريبة من السينما الأميركية وجرأته والتصوير في أماكن مفتوحة، غير أن خلل السيناريو أدى إلى تقديم شخصيات مبتورة وغير مرسومة باحتراف عال. يبقى السؤال المهم الذي يحتاج إلى إجابة شافية، هو ما هي أسباب اختيار قصة غير حقيقية وحبكة درامية مصطنعة عن بطل شعبي، رغم أن التاريخ المصري زاخر بالقصص الشعبية الحقيقية والمشرفة؟ الإجابة ربما تصب في فكرة التغيير والبحث عن أنماط تدغدغ مشاعر الجمهور الذي يتشوّق لرؤية عناصر الإثارة والقوة والحنين للماضي، باعتباره خيرا كله. ومع ذلك حظي الفيلم ببعض النقاط المضيئة، في مقدّمتها شخصية عزت الوحش التي قدّمها الفنان محمود حميدة الضابط الذي شكّل حركة مقاومة ضد الاحتلال الإنكليزي، وهو الموجود داخل السجن وتبدو عليه السخرية واللامبالاة من الأحداث في بداية الفيلم ثم يتحوّل دوره بشكل محوري ضمن فريق مقاومة قسم الشرطة للإنكليز، كل ذلك كان محملا بخبرة الفنان وتعمقه في تقمص شخصياته وأداء أظهر فيه تحديا للذات. وقد أعاد الفيلم الذي حقّق أعلى الإيرادات في موسم عيد الفطر الجمال والجماهيرية للقصة التاريخية، ما يبشر بإمكانية مشاهدة تجارب مختلفة في الفترة المقبلة يقدّمها صناع السينما المصرية.
مشاركة :