كي نوضح عظمة اكتشاف رفات القدّيس بطرس الرسولي، ذلك الحدث الذي يحل ذكراه اليوم، من الضروري الرجوع إلى زمن الرسل وإلى روما التي كانت حينها مركز العالم وكذلك مركز اضطهاد المسيحية التي بدأت من الأراضي المقدّسة وانتشرت بسرعة في جميع أنحاء أراضي البحر الأبيض المتوسط.ويحكي القس دانيال اسطفانوس، كاهن الكنيسة القبطية الكاثوليكية بطهطا، أنه في النصف الثاني من القرن الأول للميلاد وصل إلى روما رجل يملك السلطة. اسمه يفرض الخشوع، حضوره يسبّب الرهبة، بالرغم من كونه فقير ومحتقر في أعين العالم الوثني، كان يحمل أهمية روحية للمجتمع المسيحي هناك. اسمه بطرس، كان عليه ان يعيش في روما مع الكنيسة الناشئة فيها، وأن يموت في وسطها.في تلك الأيام، أصدر الإمبراطور نيرون مرسومًا ليقضي على المسيحيين. أمر بأن يلقى المسيحيون للأسود في الحلبات فاستشهد الكثيرون من أجل متعة الجماهير، فسالت دماء الشهداء وتسرّبت في تربة روما. يُخبرنا التقليد أن القدّيس بطرس استشهد فيها مصلوبًا بالمقلوب دليلًا على تواضعه، إذ طلب ألّا يُصلب مثل سيّده. ويقال أنه حين مات قُطع رأسه كي يسهل إنزال جثّته عن الصليب. يقول التقليد أن القدّيس بطرس دُفن تحت الفاتيكان.نعود الى القرن العشرين. تحديدًا الى عام 1939. في هذه السنة توفي البابا بيوس الحادي عشر. وبينما كان يُدفن في منطقة تحت كنيسة القديس بطرس والتي تسمّى السراديب المقدسة، انتبه البعض لهذه الكهوف المعتمة ورأوا أن الفكرة القديمة التي راودت بعض الباباوات في تحويل هذه المنطقة الى كنيسة يجب أن تُنفّذ وتتحقّق. وافق البابا الجديد المنتخب بيوس الثاني عشر، وأعطى الأمر في البدء بالحفر لتهيئة المكان. أضيئت السراديب بواسطة المصابيح فقط. أنزلت الحفّارات والمعدّات الميكانيكية وبدأ العمل في الظلمة الجوفية.في خضم بعض أحلك أيام الحرب العالمية الثانية، كان هناك مجموعة من الرجال والنساء، الذين شاركوا في البحث عن شيء أكثر قِدمًا ومثيرًا للجدل من الحرب التي احتدمت حولهم. في ذلك الوقت، كانت روما محاصرة. تقدّمت جيوش الحلفاء من الجنوب، بينما من الشمال انحدرت القوّات المعادية. في وسط المدينة كانت دولة محايدة – الفاتيكان- وفيها البابا المحاصر بيوس الثاني عشر. بالرغم من ذلك البابا نفسه هو الذي أذن في البحث والحفر الذي كان يجري تحت كاتدرائية القديس بطرس، بل كان عنده اهتمام شخصي كبير في ذلك.بعد بضعة شهور من بدء مهمّتهم صادف العمّال أمرًا. كان واضحًا أنه اكتشاف مهم، ويجب إخبار مسؤول في الفاتيكان. فوصل عاجلًا الى المكان عالم الآثار الخاص بالفاتيكان.الذي اكتشفوه كان حائطًا بُني حول شيئًا ما، كان مزيّن بطريقة مميّزة.مهمّة العمّال تغيّرت فجأة، أُمِروا بأن يبدأوا بتفريغ المساحة حول الحائط بحذر كبير. شرعوا في كشف الأرض حوله. لم تكن تلك المرّة الأولى التي يصادفون فيها قبرًا من هذا النوع. فقد وجدوا مواقع دفن وثنية من قبل. لكن ما جعل هذا الإكتشاف ملفتًا للنظر هو كونه قبرًا مسيحيًا.في تلك الليلة، أدركوا أنهم عثروا على ما كانت تبحث عنه الكنيسة منذ عصور – عظام القدّيس بطرس. فتمّ إرسال أحدهم الى أعلى. بعد ذلك بقليل وفي ظلمة أعماق الأرض جاء رجل يلبس الأبيض. إنه البابا بيوس الثاني عشر الذي أراد أن يشاهد بعينيه هذا الإكتشاف. إنها لحظة ربطت عشرين قرنًا ببعض.. لحظة اكتشاف ذخائر القدّيس بطرس الرسول، البابا الأول للكنيسة المقدسة.الذي كان يجري في في أحشاء الكنيسة الأكثر شهرة في العالم، كان معروفًا فقط لقلّة من الناس.أولئك الذين يعرفون كانوا ذوي علاقة بالحفر بطريقة أو بأخرى، وبالتالي واعين جدًا لعظمة ما يحدث. بينما كانوا يحفرون ويكشطون الأرض تحتهم، كانوا يزيلون أيضًا طبقات من الغموض والتشويش في النزول أعمق في الأرض وفي جذور المسيحية ذاتها.منذ ذلك الحين تتالت الإكتشافات الواحدة بعد الأخرى. في البداية كان هناك درجة من الغموض في الردود على الأسئلة عن الذي تم اكتشافه. كان لا بدّ من ذلك. يجب الإبتعاد عن الاستنتاجات قبل التحقّق تمامًا من كل الحقائق.السرّية التامة كانت ضرورية في كل ما يخصّ الحفريات الأوليّة. لا سيّما في ظل الظروف التي يعملون فيها. مع الوقت، أدّت هذه الحماية السرّيّة إلى زيادة الغموض وبدأت التسريبات الى وسائل الإعلام في سنوات الخمسينات بأنه تم اكتشاف عظام القدّيس بطرس.اخيرًا في عام 1968، أعلن البابا بولس السادس انه تمّ العثور على عظام القديس بطرس، خلال حفريات تحت مباني الفاتيكان. بالقرب من النصب التكريمي للقدّيس بطرس الذي أقيم منذ القرن الرابع الميلادي. القلّة الذين شاركوا في هذا الإكتشاف كانوا يعلمون أن التصريح أعلن أمرًا معروفًا لهم منذ عقدين.لا أحد يعرف نعرف. لماذا أعلن البابا الإكتشاف في هذا الوقت؟ ولماذا لم يُعلن من قبل؟ لكننا نعلم أنّ اكتشاف عظام القديس بطرس هو أحد أهم وأكبر الآثار التاريخية للمسيحية المبكّرة.عدم شهرة خبر العثور على عظام القديس بطرس حتى الآن يُعتبر أمرًا غريبًا. بالرغم من صدور كتاب لجون وولش في عام 1978، يتحدّث عن الاكتشاف بالتفصيل مظهرًا جميع مراحل البحث وإيجاد ذخائر القدّيس بطرس من الجدير بالذكر أنه في نفس السنة نُشِر كتابًا آخر تصدّر المبيعات. ربما يكون السبب أن في العام نفسه كتب إيان ويلسون كتابه المشهور عالميًا “كفن تورينو”. في حين أن الكثيرين سمعوا عن الكفن المقدس، قليل منهم سمعوا عن الإكتشاف الذي أعلنه البابا بولس السادس للعالم قبل ذلك بعشر سنوات.خضعت هذه العظام لاختبارات علمية في خمسينيات القرن الماضي، أعلن خلالها اكتشاف قبر القدّيس بطرس استنادًا على معطيات داخلية ضمنية ومنها التقليد الكنسي وروايات المؤرخين.الذخائر مكوّنة من ثمانية أجزاء من العظام تترواح بين 2-3 سم في الطول محفوظة في وعاء للذخائر المقدسة برونزي، ومنذ اكتشافها تُحفظ في المركع الخاص ( الكنيسة الصغيرة ) الخاصة بقداسة البابا ولم تعرض للعامة اطلاقا منذ ذلك الحين. المرة الأولى والوحيدة التي تم عرضها على المؤمنين كانت عام 2013 في الإحتفال الذي ترأسه البابا فرنسيس في ختام سنة الإيمان.
مشاركة :