كان أسطورة الكرة الجزائرية، والعربي الوحيد الحائز على بطولة دوري أبطال أوروبا لحد الآن رابح ماجر، سيكون أكبر الخاسرين لصورته وسمعته ومسيرته، في كل الحالات، ومهما تدهور السيناريو الذي سيحدد مصيره على رأس العارضة الفنية لمحاربي الصحراء خلال الأيام القليلة الماضية، لترتسم بذلك صورة مجد يتهاوى ومسيرة تتحطم، بعدما كفلت له الاحترام والتقدير طيلة عقود كاملة، بسبب نرجسية وسوء فهمه للعبة خسرهما، رغم إجادته لعبة الكرة في الميادين. أما وقد تمت إقالته فقد كشفت ظاهرة رابح ماجر عن بعض الأسباب الجوهرية التي تقف خلف النتائج السيئة التي تحققها المنتخبات العربية في المحافل الدولية وكان آخرها الأداء المتواضع لممثلي الكرة العربية في كأس العالم 2018 بروسيا. وكان الاتحاد الجزائري لكرة القدم “الفاف”، قد أعفى ماجر، قبل أيام من تدريب المنتخب الوطني الأول بسبب سوء النتائج التي حققها منذ توليه المسؤولية الفنية لمحاربي الصحراء. وقال محمد حطاب وزير الرياضة الجزائري، “كان من واجبنا اتخاذ هذا القرار لأنه الفريق الوطني، ومن ثم فإن القرار لم يكن من أجل الانتقام”. وأضاف “رابح ماجر لاعب كبير سابقا، وهو مدرسة في كرة القدم الجزائرية، لكنه لم يحقق النجاح مع منتخبنا”. منتخب خارج الحسابات يجمع الجزائريون والمهتمون بشؤون كرة القدم ومنتخب محاربي الصحراء، على أنه ليس كل لاعب موهوب وناجح هو مدرب ناجح ومبدع بالضرورة، وماجر الذي ألهب الميادين الجزائر وأوروبا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ليس هو المدرب أو ربان النجدة الذي بإمكانه إنقاذ قارب الخضر من الغرق. ويستدلون بالانحدار المثير لتشكيلة شرفتهم وشرفت العرب في مونديال 2014، وصارت خارج الحسابات القارية والعالمية في ظرف سنوات قليلة. تشكل حالة ماجر إحدى الإشكاليات الشخصية لكل ناجح ارتقى في مجاله إلى القمة، لأن الوصول إلى الذروة ليس هو المهم في تسيير المسيرة الذاتية، بل البقاء والاستمرار في القمة هما التحدي الأكبر لهؤلاء، فليس من الهين أن يكون ماجر أو غيره، في مرتبة معشوق الجماهير، ويصبح بين ليلة وضحاها المنبوذ الأول عندهم. مطلب رحيله، رغم أنه كان قد أصبح شعار الشارع الرياضي في الجزائر، وعلى لسان مسؤولي الاتحاد وحتى الحكومة، إلا أن ماجر بقي متمسكا بمنصبه وموجها أصابع الاتهام إلى {مؤامرات تحاك ضده من طرف دوائر معروفة}، في إشارة إلى معارضيه في عالم الكرة المحلية ورجال الإعلام والفنيين ورغم أن لعبة الكرة تظل علما غير دقيق، إلا أن التطورات المتسارعة في العالم حولتها إلى ورشة مفتوحة على تقنيات ونظريات ودراسات حديثة بما فيها فنون التواصل والسيكولوجيا، تلقن كما تلقن باقي العلوم الرياضية، ولا تكتفي بما تجود به الموهبة الإلهية على صاحبها. وقد كان تفاعل رابح ماجر مع قرار خلافته لسلفه الإسباني لوكاس ألكاراز على رأس العارضة الفنية للخضر، خطوة متهوّرة، فكما عُيّن سريعا سيذهب سريعا. وقد أثبتت تجربة النجم الجزائري أن تسيير السيرة الذاتية للفرد هو أولى من الجري وراء الأمجاد والأضواء، وأن العدو الأول لها هو سوء فهم اللعبة والافتقاد للمسافات المتساوية بين الأطراف الفاعلة، فانحياز ماجر لجهات وتوجهات سياسية معينة في البلاد، هو ما جنى عليه هذه النهاية المأساوية، لأنه اعتقد أن المنصب الشعبي هو نفسه المنصب الرسمي في الدولة، وأن سيرته كلاعب موهوب، هي سجل تجاري صالح لكل الصفقات. جاء ماجر لبيت محاربي الصحراء في ظروف استثنائية، وكان يدرك منذ البداية أنه عين بقرار فوقي، يكرس الانقلاب الذي وقع في عرين الخضر. فلطالما أدى المنتخب مهمة أكثر من كروية ووظف كورقة لشراء السلم والاستقرار الاجتماعيين من طرف السلطة. والنجاح المحقق على يد رجل محسوب على جهاز الاستخبارات المنحل، أغاظ محيط الرئيس بوتفليقة، ودفع برجاله وأذرعه في موعد تجديد قيادة الاتحاد المحلي للعبة، من أجل إزاحة رئيسه السابق محمد روراوة، واستقدام قيادة جديدة يراد من ورائها الاستحواذ على نجاحات المنتخب، لكن الحظ العاثر كان حليفهم والمخطط فشل، بسبب تهاوي المنتخب وتراجعه في الترتيب العالمي إلى الصف الـ66. الصعود للقمة ليس كالنزول منها ويذكر متابعون للشأن الجزائري أن ماجر، الذي لم يتوان في انتقاد كل شيء يتعلق بالمنتخب، خلال شغله في البلاتوهات التلفزيونية طيلة السنوات الماضية كمحلل رياضي، وكان يترصد فرصة رد الجميل له، ليس كلاعب موهوب أو مدرب سابق للخضر في منتصف التسعينات وبداية الألفية، بل كذراع مؤيدة للسلطة الحالية، حيث أشرف على لجان دعم وتأييد لبوتفليقة خلال الاستحقاقات الانتخابية، ولم يعلم أن تخندقه السياسي سيقلب عليه الطاولة من طرف الملايين من المشجعين. حاول الرجل التغطية على تحصيله العلمي والتكويني، بمسيرته الاحترافية في نادي بورتو البرتغالي، وتتويجه بدوري الأبطال الأوروبي العام 1987 ضد بايرن ميونيخ، وصناعته التتويج بكعبه الذهبي، وبقيادة الخضر للفوز بكأس أفريقيا الوحيدة العام 1990 بالجزائر، وهو ما يستطيع إثباته في الميدان، رغم خوضه التجربة الثالثة على رأس المحاربين، وتأكدت محدوديته الفنية كمدرب، حيث صار المنتخب في عهدته الأخيرة ينهزم بالطول والعرض وفي داخل وخارج قواعده وبالنتيجة والأداء. وأثبتت حصيلة ماجر، أنه جزء من ثقافة تهيمن على رموز ونجوم المجتمع، ففيما يتوجه هؤلاء للاستشارة والتأليف وتقديم خبراتهم للأجيال الصاعدة في المجتمعات الغربية خصوصا، يعكف رموز ونجوم الجزائر على تكوين الثروات والعقارات واحتكار نشاطات غيرهم، فماجر الذي انسحب من شبكة “بي.أن سبورت” القطرية في بدايات تأسيسها لخلاف مالي مع إدارتها، تحول إلى نجم الإعلان والإعلام والأعمال. الانتكاسة الثالثة التي لاحقت ماجر على رأس الخضر، تضاف إلى مسؤوليته كجزء من سطوة منظومة أكبر، استغلت انتصارات المنتخب وتعلق الملايين من الجزائريين بهالانتكاسة الثالثة التي لاحقت ماجر على رأس الخضر، تضاف إلى مسؤوليته كجزء من سطوة منظومة أكبر، استغلت انتصارات المنتخب وتعلق الملايين من الجزائريين به وفيما توجه مدافع الخضر السابق مجيد بوقرة، لإطلاق جمعية خيرية تتكفل بمرضى السرطان في بلاده، بعد اعتزاله كرة القدم في السنوات الأخيرة، في سلوك ينمّ عن وعي كبير لصخرة دفاع الخضر، فإن اهتمام ماجر انحصر في عالم الدعاية والإعلام، فحاز على حملات وعقود دعائية لشركات كبرى في البلاد، وأطلق صحيفتين جهويتين بمدينة وهران تحظيان بحصة محترمة من الإعلان الحكومي بفضل شبكة علاقاته في دواليب السلطة، وحاز على عقار بوسط العاصمة رغم أنه مركز رياضي، لكن الوثائق المسربة ذكرت أنه “رياضي تجاري”. نجم الكرة والمال والأعمال مع شعارات حب الوطن والشعب التي يتغنى بها ماجر، يستمر تجاهل حادثة مقايضته السلطات العليا للبلاد السماح بدخول سيارته الشخصية الفارهة إلى التراب الوطني دون رسوم جمركية، أو عدم المشاركة في كأس أفريقيا 1988 التي جرت بالمغرب، وهو ما تم فعلا، فلا السيارة دخلت ولا ماجر التحق برفاقه في “الكان”. وإذ تذرّع حينها بالإصابة، فإن الاستفهام الآخر المطروح هو دوره في التأثير على الناخب والزملاء لإقصاء النجم لخضر بلومي من المشاركة في المنتخب الذي لعب نهائيات كأس أفريقيا 1990 وتوج بها، لخلافات شخصية بين اللاعبين، وحتى خشية أن ينتزع منه لقب أحسن لاعب في الدورة. وفي ظرف سبعة أشهر من قرار “من فوق” تجاوز سلطات الاتحاد المحلي للعبة، أثبت ماجر محدودية آفاقه في عالم التدريب، وصار محل غضب الملايين من الجزائريين، فافتقد لدعم الحكومة، المعبر عنه على لسان وزير الشباب والرياضة محمد حطاب، الذي استـاء كثيرا من أداء وإشراف الرجل لعارضة المحاربين، ليتأكد أن الرجل غامر بمسيرته وسمعته، وأن التجربة الثالثة القصيرة ستقضي على رصيده في عالم الكرة. ويرى مختصون في شؤون الكرة المحلية، أن أخطاء ماجر ونرجسيته دمرتا مجده الشخصي، فهو علاوة على انقطاعه عن الميادين سنوات طويلة، واكتفائه بشغل التحليل على البلاتوهات التلفزيونية، وعدم اقتناعه بخيار التكوين، بدعوى حيازته على رصيد كبير كلاعب موهوب في النوادي والمنتخب، وانخراطه في جدل عقيم حول صراع الأجيال، فإن عدم تمكنه من فنون التواصل مع الإعلام واللاعبين والمحيط، عجّل ببروز عيوبه الفنية في العارضة الفنية. ويرى القانوني والإعلامي والنائب البرلماني السابق مراد بوطاجين، في تصريحات مختلفة أن “ماجر لم يستوعب دروس الماضي، والتكوين هو صلب فشل الرجل، فكما مزق عقد العمل المبرم مع الاتحاد في منتصف التسعينات على شاشة التلفزيون وأمام الملايين من المشاهدين، كرر نفس الخطأ في مطلع الألفية لما أطلق تصريحات منتقدة لهيئة الاتحاد لصحيفة بلجيكية وهو على رأس المنتخب، وأعادها مؤخرا لما انتقد كل شيء جزائري أمام الإعلام البرتغالي قبيل المباراة الودية أمام المنتخب المحلي، واتهم المسؤولين والشارع الرياضي بإدارة حملة منظمة ضده”. ويضيف بوطاجين “لا يختلف اثنان على أن ماجر لاعب كبير وموهوب، لكن ذلك غير كاف للنجاح في عامل التدريب، وفتح جبهات الخصومة مع المحيط والإعلام وحتى مع اللاعبين، والاستقواء بمواقف سياسية جره إلى هذا المصير المثير للشفقة، فلا هو حافظ على حب الجماهير الكروية، ولا هو نال ثقة الذين دعموه لقيادة مأمورية المنتخب، ووضعهم في حرج شديد أمام الشارع الرياضي وأمام الهيئة والمنظومة السابقة”. ورغم أن مطلب الرحيل كان قد أصبح شعار الشارع الرياضي في الجزائر، وعلى لسان مسؤولي الاتحاد وحتى الحكومة، إلا أن ماجر بقي متمسكا بمنصبه وموجها أصابع الاتهام إلى “مؤامرات تحاك ضده من طرف دوائر معروفة”، في إشارة إلى معارضيه في عالم الكرة المحلية ورجال الإعلام والفنيين الذين وقفوا ضده من أول يوم عاد فيه إلى العارضة الفنية للخضر. فشل التوظيف السياسي ماجر لا يتوانى عن مهاجمة المنتخب الجزائري، خاصة خلال عمله السابق في قناة "بي إن سبورت" القطرية كمحلل رياضي، فكان يترصده، ليس كلاعب موهوب أو مدرب سابق، بل كذراع مؤيدة للسلطةماجر لا يتوانى عن مهاجمة المنتخب الجزائري، خاصة خلال عمله السابق في قناة "بي إن سبورت" القطرية كمحلل رياضي، فكان يترصده، ليس كلاعب موهوب أو مدرب سابق، بل كذراع مؤيدة للسلطة يقال إن التصريحات المتضاربة والغريبة والمتناقضة للرجل، هي سبب “البلاوي” التي يتخبط فيها الآن، حسب تعبير عشاق الكرة في الجزائر، وأن فتحه للخصومات المجانية مع العديد من الأطراف الفاعلة، هو الذي أفقدته لصفة الإجماع ولو بشكل نسبي، مادام البلد يعشق ويتنفس لعبة الكرة، وفيه 40 مليون مدرب ومحلل، يستحيل إرضاؤهم جميعا، ولو أن الفرانكوبوسني وحيد خاليلوزيتش، افتك إعجاب وإشادة جميع الجزائريين في مونديال 2014. وتبقى شبكة يوتيوب العدو الأول لماجر، لأنه مهما حاول التراجع عن تصريحاته وتحاليله، فإنها ستبقى شاهدا عليه، فكما انتقد أسلافه وفلسفة بناء المنتخب في السنوات الماضية، وساهم برفقة بعض مؤيديه من اللاعبين القدامى في زعزعة استقرار ولحمة الخضر، بعد بث الفوارق والنزاعات بين الأجيال وبين أبناء البلد الواحد، بدعوى الاهتمام بالعناصر المكونة في الدوريات الأوروبية، وإهمال العناصر الناشطة في الدوري المحلي، يجري انتقاده والمطالبة برحيله. وسيكون النجم المتوج بدوري أبطال أوروبا العام 1987، أول مدرب في تاريخ الكرة والمنتخبات، يقال من منصبه في منتخب بلاده ثلاث مرات، وفي كل مرة يوقع عقدا لسنوات يجد نفسه مضطرا إلى مغادرته بعد أشهر عديدة، وفي كل مرة يجني حصيلة لسانه الذي جنى عليه، ومسح المجد الذي حققه كلاعب في النوادي والمنتخب الجزائري. ولم يشفع للرجل تدخل ابنته شاهيناز وشقيقته المذيعة التلفزيونية والبرلمانية السابقة نعيمة في بعض وسائل الإعلام، للتخفيف من حدة الانتقادات التي تلاحقه في الشارع الرياضي، وتكُون شبكات التواصل الاجتماعي، التي كانت غائبة في منتصف التسعينات ومطلع الألفية، قد أدت مفعولا قويا في تأليب الرأي العام ضد قيادة ماجر لوصمة عار جديدة في مسار منتخب المحاربين. المنتخب الذي تعثر في تصفيات مونديال روسيا 2018، لأسباب تعكس مرض الكرة الجزائرية، فقد الكثير من بريقه رغم ترسانة اللاعبين البارزين في صفوفه، وتهاوى أداؤه ونتائجه أمام مختلف المنتخبات القارية والعالمية ومن مختلف المستويات، وتحولت الانتصارات العريضة والأداء الاستعراضي إلى خيبات وهزائم أمام منتخبات كانت تحلم بالتباري مع الجزائر، كمنتخب الرأس الأخضر، الذي هزم أشبال ماجر في قواعدهم وأمام جمهورهم، وحدث ولا حرج عن مباريات البرتغال، إيران، السعودية، وغيرها. ومع الانتكاسة الثالثة التي لاحقت ماجر على رأس الخضر، تبقى مسؤوليته كجزء من سطوة منظومة أكبر، استغلت انتصارات المنتخب وتعلّق الملايين من الجزائريين به، لأغراض غير رياضية وغير كروية، بعدما حولته إلى ورقة لإرساء السلم والاستقرار الاجتماعيين، وتخدير الشارع باللعبة المنومة من أجل تناسي القضايا والاهتمامات الحقيقية في البلاد. ويبقى الخاسر الأكبر هو الأسطورة الجزائرية، الذي فشل في إدارة مجده وشهرته، واضطر إلى الخروج من الباب الضيق، ليجد نفسه نجما دون سمعة ودون عشاق، وحتى الذين كافأوه بقيادة المنتخب أهدوا له قنبلة موقوتة انفجرت بين يديه، ولو أنه ليس بريئا هو ذاته من النهاية التي انتهى إليها بطل دوري أبطال أوروبا.
مشاركة :