على مدى 17 عامًا وبالتحديد منذ تفجيرات سبتمبر 2001 كان الإرهاب هو القضية العالمية الأولى الموضوعة على أجندة كافة القمم واللقاءات الثنائية، بعدما أضحت هذه الظاهرة خطرًا عالميًا مقيتًا لا صد له ولا رد سوى التكاتف عالميًا لدحر الارهاب وأصحابه وأجنداته.وفي العالم كله كان الإرهاب ظاهرة عربية بامتياز لا يحتاج دليلا أو جدالات صاخبة فارغة. فالإرهابيون الذين فجروا برجى التجارة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية خرجوا من عدة دول عربية وإسلامية باكستان وأفغانستان من بينها. والإرهابيون الذين استباحوا العراق واليمن وليبيا وسوريا هم من دول عربية وإسلامية وقادتهم كذلك فأمراء داعش والقاعدة وجبهة النصرة ليسوا أمريكان ولا بريطانيين.والأفكار التي يتغذى عليها هؤلاء في أطروحاتهم الإرهابية العنيفة، كلها للاسف أفكار عربية وإسلامية متشددة ودموية وضعها ارهابيون كانوا يعيشون بيننا! والمعنى بشكل مباشر أنه بالرغم من أن الإرهاب ضرب كافة دول العالم تقريبا بلا استثناء إلا أن أصحاب هذه الأجندات المتطرفة كانوا في الأغلب الأعم ذوي جنسيات عربية وإسلامية ويعيشون في هذه الدول. وهو ما يطرح الآن بعد كل ما جرى تحت الجسور من مياه وتفجيرات ودماء وقتل وفوضى، لدرجة أن هناك دراسات تؤكد أن العالم العربى على وجه الخصوص ضربه أكثر من 5 آلاف تفجير إرهابي عنيف خلال الثلاثة عقود الماضية، في الدول التي تمكن فيها الإرهاب وخصوصا في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ومصر التي ضربها الإرهاب الغاشم كذلك بعشرات التفجيرات..كل ذلك يطرح أسئلة جادة وجريئة حول سبب احتضان البيئات العربية والإسلامية للإرهاب؟ وأسباب نمو هذه الظاهرة الشيطانية؟ لماذا يتحول الشباب العربي والإسلامي إلى إرهابيين بكل سهولة؟ وهل للدين علاقة بهذا الفُجر والإجرام؟ الحقيقة ان الاجابة عن هذه السؤال تتمحور في نقاط محددة وموجزة هى السبب وراء نمو وازدياد هذه الظاهرة اللعينة في مقدمتها:-هذه الإفكار الإرهابية الشيطانية، التي زفها كبار مفكري الإرهاب ومنظّريه في مصر والعديد من الدول العربية ومنهم حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودوي الباكستاني، ومن تخرج من مدارسهم ومداراتهم الإرهابية بعد ذلك تحت وهم أن هذه الافكار التي بثوها في كتبهم ولعناصرهم داخل جماعة الاخوان المسلمين وما انبثق عنها فيما بعد من عشرات الجماعات الجهادية المتطرفة هى القادرة على التغيير في المجتمعات العربية.فلقد أقنع هؤلاء الإرهابيون الكبار أتباعهم من الشباب، عبر آيات قرآنية حملوها أكثر مما تحتمل وأحاديث شريفة دخلوا بها في تفسيرات غريبة، وحالة تجرؤ غير مسبوقة على الدين الإسلامي. أنهم قادرون على إحداث التغيير في المجتمعات العربية والإسلامية بتبني هذه الأفكار والعمل على تنفيذها وتفعيلها بالدم والرصاص وفقا لمبدأ السمع والطاعة. ومن خلال هذه الأفكار تخرجت أجيال ولا تزال تؤمن بالعنف والإرهاب وتعتبر بالزور والباطل أن التغيير قادم عبر دروبها الدموية!وهنا فالتصدي لهذه الأفكار وما بها من كتب لم يخمد بعد ولم ينته. بل العكس تماما فوجود آلاف الارهابيين والعناصر المتطرفة حتى اللحظة داخل تنظيمات إرهابية كبرى معروفة عالميًا مثل داعش والنصرة وتنظيم القاعدة يؤكد أن هذه الأفكار لا تزال متوهجة داخل نفوس هؤلاء الشباب المخدوعين.أما السبب الثاني – في رأيي- والذي كان يجعل الشباب العربي والإسلامي هم الأقرب للتحول إلى إرهابيين، هو أبدية السلطة في يد بعض الديكتاتوريات. وهى السبب الرئيسي الذي لعب عليه زعماء الجماعات الارهابية. فبقاء بعض الحكام العرب خصوصا على عروشهم لنحو عقدين وثلاثة دون حدوث أي تغيير وعدم وجود تداول للسلطة، كان باستمرار اللافتة المرفوعة دائما من شيوخ الإرهاب لحث أتباعهم على التحرك للتغيير بالدم ورفع السلاح على الدول والمجتمعات. والقضية لم تكن بحاجة إلى الرصاص والقتل وإهدار أرواح الأبرياء بهذا الشكل الهمجي البربري الذي تقوم به الجماعات المسلحة. لأن دفع الضرر مقدم على جلب النفع في الفقه الاسلامي. كما أن الروح الإنسانية التي كرمها الله وحرم قتلها لا تستحق من هؤلاء المهاويس أن يتحولوا إلى قتلة باسم الدين للتصدي – وفق أوهامهم ورؤاهم المجرمة - للسلطة الغاشمة.القضية كانت ولا تزال في بعض المجتمعات العربية والاسلامية، التي لم تتغير دساتيرها لتحدد مدد السلطة بفترتين - ثماني سنوات أو عشر سنوات- على غرار ما هو موجود في العالم كله. كان تقتضي نضالًا مدنيًا وسياسيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى من خلال أحزاب سياسية قوية تستطيع ان ترفع أجندات واقعية كما هو الحال في أوروبا وأمريكا وبعض الدول الأفريقية والآسيوية وتجتذب مئات الآلاف من الشباب ويكونون بقوة أفكارهم السياسية المطروحة عبر الشكل الديمقراطي قوة ضغط أمام الطغاة والمستبدين..أما ان تتحول البيئة العربية والاسلامية من مصر الى ليبيا الى سوريا الى العراق الي اليمن الى الصومال الى أفغانستان الى ساحة للقتل والدم فهذا من خلق الشياطين وليس من خلق الحالمين بتغيير أو الساعين له.السبب الثالث وراء توهج هذه الظاهرة الإرهابية اللعينة هو فتح مصارف تمويل رهيبة أمام الارهابيين عبر أجهزة استخبارات عربية واقليمية رأت فيهم سلاحا يمكن استخدامه ضد الدول التي تريد تحقيق أجندات خاصة بها. فالارهابيون وكل هذه التنظيمات اللعينة لم تكبر ولم تنمُ ولم تستمر إلا بأموال حرام مشبوهة خرجت من دول وأجهزة مخابرات ورجال أعمال ومؤسسات ومصارف وشركات تحولت كلها إلى مجرد خزانة كبيرة يغترف منها هؤلاء للتدمير ودب الفوضى.وهو ما يدفع الى ضرورة طرح موضوع تمويل الإرهاب والشبكات اللاتي تغذيه على مائدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمنع هذه المصارف ومحاصرة هذه الدول والكيانات لحثها على التوقف عن تمويل الإرهاب كما هو الحال مع قطر وإيران.أما السبب الرابع وراء سهولة تحول الشباب العربي والاسلامي إلى ارهابيين هى الظروف الاقتصادية المنحطة، وخصوصا داخل المجتمعات العربية والاسلامية والتي كانت كذلك لافتة مرفوعة من قبل زعماء الارهاب وشيوخه لأتباعهم وورقة رائجة في ايديهم طوال الوقت.وهذه قضية تحتاج الى مقالات ودراسات واسعة لدراسة سبب دفع الفقر والحاجة للمال آلاف من الشباب العربي والاسلامي للانخراط في جماعات ارهابية عنيفة وعدم قدرة المجتمعات العربية على استيعابهم.مع الأخذ في الاعتبار مثلا أن قادة الارهاب الكبار امثال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الارهابي لم يكن فقيرا ولم يكن يحتاج للمال بل إنه من أغنى العائلات السعودية . كما ان أيمن الظواهري الزعيم الحالي للقاعدة لم يكن هو الآخر فقيرا. ولكنهما كانا أدوات في يد أجهزة استخبارات كبرى دفعتهم للعب على وتر المال وحاجة بعض الشباب لدفعهم للعنف والارهاب..إنه عار على العرب والمسلمين حتى اللحظة أن يكون هناك إرهابيون متخلفون.. قتلة مأجورون يرون أن التغيير بالدم وإزهاق أرواح الأبرياء وتخريب المجتمعات ودب الفوضى فيها هو الطريقة المثلى للتغيير؟! ثم أي تغيير يتمناه هؤلاء وأى دولة يحلمون بها؟ إنهم قتلة وشيوخهم ومفكروهم الراحلون والأحياء ليسوا أكثر من مرضى يعيشيون على الدم ويقتاتون به..
مشاركة :