جاء قادمًا من قرية «البلينا» بمحافظة سوهاج ومعه زوجته وولداه الصغيران تاركًا خلفه الفقر والجوع، فاتحًا ذراعيه لتستقبله المحروسة بصفعة قوية على خديه.«الحاج بنُى» هكذا ينادونه رواد المقاهى مُكتسبًا قوت يومه من تحت أحذيتهم، حاملًا صندوقه الخشبى وفرشتيه إحداهما للصبغة والأخرى للتلميع وقطعة من القماش وأربع علب صفيح من الورنيش وزجاجتى صبغة سائلة.الحاج بُنى ماسح الأحذية شخص يُهمشه المجتمع، وربما لا يعترف بمهنته أيضًا ولكنها السبيل له ولأسرته البائسة للبقاء على قيد الحياة، مُتقبلاً وراضيًا بسخافات بعض رواد المقاهى عند منحه نقودا هزيلة والبعض الآخر يضعون أحذيتهم فى وجهه امتهانًا لكرامته ولمهنته، ويضطر الحاج بُنى قبول الإهانة مقابل قوت زوجته وولديه ليستمر على قيد الحياة. وفى ليلة بائسة شتوية ممطرة، وبينما ماسح الأحذية عائد إلى أسرته التى تقطُن أحد أسطح العمارات بأحد الأحياء الشعبية مُرتعدا من شدة البرد ومبللاً بماء المطر حاملاً كيسًا به قليل من الخبز وكيسًا بلاستيكيًا من الفول وبعضا من أعواد الجرجير وكيسًا من اللبن الحليب لطفليه، يستوقفه أحد البلطجية من مُدمنى المخدرات فى حالة هيستيرية مُلوحًا فى وجهه بمطواة مُهددًا بسرقة صندوقه الخشبي، فيرفض الحاج بُنى قائلًا «صندوقى هو قوت أولادي، خذ ما تبقى معى من نقود واترك لى الصندوق» قالها وهو يبكى ليس خوفا من البلطجى بل خوفا من سرقة قوت ولديه وزوجته، لاحقه البلطجى قائلا «صندوقكَ ما يهمنى وليس نقودكَ فلا تجادلنى واعطنى الصندوق وإلا أنهيت على حياتك الآن»... قال الحاج بُنى باكيا «سواء سرقت صندوقى أو أنهيت على حياتى فالاثنان عندى سواء».اضطر الحاج بُنى إلى إعطاء صندوقه للبلطجى بعد أن انطلق الشرار من عينيه وأخذ يهذى بكلمات غير مفهومة بعد قرب انتهاء جُرعة المخدر فى جسده، وهرب البلطجى بالصندوق الخشبى بعيدًا. عاد الحاج بُنى إلى منزله بما تبقى معه من نقود هزيلة لتستقبله زوجته مستفسرة عن اختفاء الصندوق (مصدر رزقهم الوحيد)، فيبكى قائلا «كنت أتمنى سرقة النقود لا الصندوق.. اليوم سنأكل، وماذا عن الغد». قصة - مى مختار
مشاركة :