تحقيق: بكر المحاسنة يوماً بعد يوم يزداد تعلق الناس بوسائل التواصل الاجتماعي التي باتت بالنسبة لبعضهم كالماء والهواء اللذين لا غنى عنهما، وهناك من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للعلم والثقافة والتواصل مع الأهل والأقارب أوعقد صداقات جديدة من كل أنحاء العالم، بينما هناك من يستخدمها للنفاق والمجاملة من أجل منفعة شخصية أو دفع الآخرين لأخذ نظرة مغايرة عن حقيقته التي قد تتسم أحياناً في الواقع بصفات لا تقربه من الآخرين.أبحاث جديدة كشفت أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في ازدياد ظاهرة النفاق الاجتماعي باعتبارها ظاهرة طارئة ومرضاً عصرياً، فبات الناس أحياناً وكأنهم يلبسون أقنعة مزيفة لإخفاء قلوب مشوهة بمختلف الأمراض الاجتماعية.حول هذه الظاهرة نستطلع الآراء في تحقيقنا التالي: خالد المجالي (موظف) يقول: في الحقيقة فإن البشرية لم تشهد حرية رأي وتعبير كتلك التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي، يتبع ذلك وبلا أدنى شعور بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية حرية النفاق والكذب والافتراء ونشر الشائعات المضللة كذلك.. ماذا يعني ذلك؟ هل العيب في تلك الاختراعات التكنولوجية الحديثة؟ بالتأكيد لا.. العيب في البشر أنفسهم ونوازعهم وأمزجتهم ورؤيتهم للحياة، وظاهرة النفاق الإلكتروني هي في الحقيقة امتداد للنفاق الاجتماعي في الواقع، وقبل ولوجنا العوالم الافتراضية الحديثة يبقى بعض المجاملات الاعتيادية أو البروتوكولية مقبولًا، أما النفاق الفج وخداع الآخرين بفائض المديح والتمجيد والتجميل والتعظيم المبتذل فلابد أن يكون مفضوحاً ومكشوفاً لكل متابعي وزوار تلك المواقع.ويضيف المجالي: شخصياً تستفزني جداً المجاملات التي تتجاوز حدودها المعقولة كأن يبادر أحدهم مع كل صورة يرسلها لي بالتعليق: منور..أنت أجمل شاب في العالم، وقد يكررها أكثر من مرة في اليوم نفسه..تلك النماذج لا أطيقها بصراحة، وأرى أن في تعاطيها مع الآخرين كثيراً من الادعاء والنفاق أوالسذاجة والسطحية التي لا تحتمل أيضاً.غادة محمد يوسف (ربة أسرة) تقول: هناك فئات من المجتمع تستخدم أسلوب النفاق في مواقع التواصل الاجتماعي لأنها بكل بساطة صفة وطبع دائمان في حياتها، حيث إن الواحد من هذه الفئة يستخدم نهج وأسلوب حياته نفسه في تعامله المباشر مع الآخرين الأصدقاء أو الأهل أو زملاء العمل، فالإنسان مهما حاول أن يخفى حقيقته خلف الشاشة الإلكترونيّة في النهاية سيغلب الطبع التطبع وتظهر طباعه الحقيقية، لذلك عندما أريد أحياناً أن أتعرف إلى بعض الأشخاص بشكل أفضل أفتح صفحته الشخصيّة على «فيس بوك» أو «تويتر» أو أتابع ما ينشره على «واتس آب». مريم سعيد موظفة في أحد البنوك تقول: النفاق الاجتماعي هو من أبشع الصفات بين الأشخاص.. كثير من الناس يمتلكون أكثر من وجه في الظاهر يبين لك الحب، في حين أنه يضمر في الحقيقة الحقد والحسد وهذا بات شائعًا للأسف بين الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، وأنا والحمد لله أخلاقي لا تسمح بأن أنافق لا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا في الواقع، فأنا إنسانة متصالحة مع نفسي وأعرف كيف أختار، وهناك من أصدقائي وأقاربي من أريد التواصل معه عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، فلا أجامل أحداً بلا أسباب، ولا أحب أن يمدحني أي شخص لمجرد المدح، فالقلب الطيب عندي أهم ألف مرة من اللسان الحلو الذي يخفي وراءه مشاعر الكره والبغضاء، والإنسان الصادق بطبيعة الحال يحترمه الجميع ويقدرونه، وأنا أريد التواصل مع هذه النوعية سواء أكانوا أقارب أم أصدقاء فلا داعي للمجاملة بلا أسباب.الدكتورة دلال الشامسي الأستاذة الجامعية تقول: مواقع التواصل الاجتماعي ليست للنفاق بقدر ما يفترض أنها للاستفادة من نمط الحياة المتجدد مع المتغيرات كوجود الأبناء وغيره، فهذه المواقع أصبحت وسائل لإيصال المعلومات والإجابة عن أسئلة الجمهور، خاصة لمن يتطلب مجال عمله التواصل بشكل مستمر، فتكون هذه الوسائل طريقة أسرع وأسهل وأكثر انتشاراً، وفيها توفير للوقت بحيث تجيب لمرة واحدة عن استفسار قد يتكرر، وتظل هذه الإجابة في حسابك ويمكنك أن تسهل الوصول إليها عن طريق استخدام أداة «الهاشتاق».الدكتورة جيهان الفرا تقول: كل وسيلة في هذا الكون هي سلاح ذو حدين، فالسيارة اختراع لا يمكن الاستغناء عنه وله فائدة عظيمة في التنقل والراحة ولكن عند استخدامها بطرق أخرى قد تضر بالشخص وبالآخرين. كذلك لهذه الوسائل الإلكترونية منافع لا حصر لها فقد جعلت العالم قرية صغيرة وجمعتهم خلف شاشة صغيرة ما أتاح تبادل الخبرات والثقافات والتعرف إلى حضارات وعادات مختلفة، وعلى النقيض من ذلك هناك أشخاص لديهم نفاق اجتماعي خاصة عندما يكونون من خلف الشاشة فيختبئون وراءها سعياً للشهرة أولانتحال شخصيات الآخرين أو من أجل كسب المال بطرق الخداع والكذب والزيف، وهذه الشخصيات تكون لديها مشاكل عدة لضعف ثقة أصحابها بأنفسهم وعدم وجود مبادئ وأخلاق تربّوا عليها كالصدق وتقدير الذات ودائماً أقول: خلق الوعي ونشر العلم أساس لكثير من مشاكلنا، فالعلم يبني الأمم ويرفع بيوتاً لا عماد لها.الاختصاصية النفسية والأسرية عائشة عيسى الزعابي تؤكد أن هناك أسباباً كثيرة للنفاق الاجتماعي على مواقع التواصل الاجتماعي منها قلة الوازع الديني وعدم إدراك الناس مخاطر هذا النفاق وعواقبه من حيث توعد الله المنافقين بالعذاب الشديد كما أن هناك من يعتبر النفاق وسيلة سهلة للصعود إلى أعلى المناصب من خلال التملق من أجل المصالح وتزييف الحقائق، ونجد النفاق الاجتماعي واضحاً في مجال الأعراس أو المناسبات للتباهي والتفاخر، وفي مجال الأعمال الخيرية للحصول على مديح الناس وثنائهم.وتقول الزعابي إن للنفاق الاجتماعي على مواقع التواصل الاجتماعي آثاراً سيئة في المجتمع، فهو يساهم في زيادة عادات سيئة كالكذب والتملق والاحتيال والتبذير والغدر والخيانة وغيرها من الصفات الكريهة التي تبعد الإنسان عن دينه، مشيرة إلى أنه يمكن الحد من هذه الظاهرة من خلال التوعية عبر الندوات والمحاضرات الدينية والبرامج التلفزيونية والإذاعية ومؤسسات المجتمع كافة.
مشاركة :