كشفت مباريات الدورين الأول والثاني في مونديال روسيا عن فلسفة جديدة على صعيد كرة القدم العالمية، بعد أن نسف أسلوب اللعب الجماعي الواقعي، الذي ظهرت به منتخبات روسيا والأوروغواي وفرنسا، والسويد وكرواتيا، أنماط ومفاهيم سابقة اشتهرت بها النسخ الماضية من نهائيات كأس العالم، ولعل من أبرزها النظرية التي فرضها المنتخب الإسباني عقب فوزه بمونديال 2010، المتمثلة في الاستحواذ بصورة دائمة على الكرة عبر التمريرات العرضية المستمدة من أسلوب المدرب الشهير، بيبي غوارديولا، التي اتبعها في سنوات نجاحه مع برشلونة، أو عبر أسلوب المهارات الفردية التي هيمنت منذ مونديال 2014 على مفهوم كرة القدم العالمية، خصوصاً المنافسة المستمرة بين نجمَي برشلونة وريال مدريد، الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، اللذين فشلاً، على الرغم من المهارات التي يمتلكانها، في قيادة منتخبَي بلديهما في نسخة مونديال 2018، وتحقيق نتيجة أفضل من الدور الثمن نهائي. 40 % نسبة استحواذ فرنسا على الكرة أمام الأرجنتين، لكنها كانت أكثر فاعلية. وتلخص إحصاءات الـ«فيفا»، على مدار مباريات مونديال روسيا، كيفية تفوق الفلسفة الجديدة المعتمدة على اللعب الجماعي الفعال، مقارنة بالنظريات السابقة، خصوصاً أن المنتخبات الثلاثة صاحبة النسبة الأكبر في استحواذ الكرة في روسيا، ودعت المنافسات بصورة مبكرة، إذ فشلت إسبانيا صاحبة معدل استحواذ لاعبيها على الكرة، البالغ 75%، في تخطي عقبة الدور الثمن نهائي، وخرجت بخسارة قاسية أمام روسيا التي امتاز أسلوب منتخبها بمفهوم اللعب الجماعي، وعدم الاعتماد على نجم واحد، وهو المصير ذاته الذي واجهه المنتخب الألماني لكن بوداع مبكر لحامل اللقب من دوري المجموعات، مع العلم أن نسبة استحواذ الألمان على مدار مبارياتهم الثلاث، بلغت 67%، ورغم هذا خسرت ألمانيا مباراتين وحققت فوزاً وحيداً بشق الأنفس على السويد، في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع. ولم تكن الأرجنتين أفضل حالاً، بعد أن واجهت صعوبات كبيرة في مبارياتها الثلاث الأولى، لكنها تأهلت بشق الأنفس إلى الدور ثمن النهائي، قبل أن تودع بالخسارة أمام فرنسا بواقع 3-4، مع العلم أن معدل نسبة استحواذ الأرجنتينيين على مدار مبارياتهم الأربع، سجلت 64% مقارنة بفرنسا التي اعتمدت على مفهوم العمل المتكامل لكل عناصرها، واكتفت فقط بتسجيل معدل استحواذ للكرة لم يتعدَّ 40%. كما تؤكد أرقام المنتخب الكرواتي تنامي النظرية الجديدة التي تعتمد على مفهوم العمل الجماعي المتكامل، وعدم الاتكال على النجم الواحد، خصوصاً أن ستة لاعبين من كرواتيا نجحوا في التسجيل على مدار مبارياتهم في المونديال الروسي، وذلك بالاعتماد على فكر مدرب العين السابق، زلاتكو داليتش، الذي نجح في بناء منتخب قوي وقيادته من ملحق التصفيات إلى ربع نهائي المونديال.
مشاركة :